الشبهات كيف نتعامل معها بوعي وحكمة؟

الرابط المختصر
Image

كَثر في هذه المرحلة تداول الشبهات وقصف عقول وأفئدة المسلمين بها على مختلف أصنافهم وأعمارهم، ومما ساعد على ذلك تيسر وسائل الاتصالات وكثرة منابر السوء الفضائية والإنترنتية والصحف والمجلات وغيرها، وأيضا كثرة خصوم الإسلام في الداخل والخارج.

فالمبتدعة من الشيعة والخوارج والصوفية والأشاعرة والأحباش –والذين توصي مراكز التوجيه الغربية والشرقية بدعمهم وتمكينهم- ينشطون اليوم وعبر مختلف منابرهم في نشر شبهاتهم ومطاعنهم في السنة النبوية ومنهج السلف الصالح من داخل السور الإسلامي طالما أن الريح اليوم تجري في صفهم.

وأعداء الإسلام في الخارج، على اختلاف مشاربهم ومقاصدهم، أيضا يضغطون وبقوة لتلويث عقيدة المسلمين وطمس هويتهم الإسلامية، تحت شعارات العلمانية والحداثة والتنوير حينًا، وعبر دعوات التبشير أو الإلحاد والماركسية حينا آخر، أو عبر تحريف منهج فهم الإسلام وتطويعه لمناهج مستحدثة من المادية وما بعد الحداثة والألسنيات وغيرها ويسوق ذلك بين المسلمين الزنادقة من العلمانيين العرب والمسلمين كمحمد شحرور وأضرابه.

هذا الحال الصعب من تكاثر موجات الشبهات وتنوعها يجعل الكثير منا يجد نفسه عاجزا أحيانا عن رد بعض الشبهات، ونتفاجأ بين الحين والآخر بأن فلانا قد انحرف وضل السبيل وسيطرت عليه الشبهة، فما هو الحل والعمل حتى لا تجرفنا سيول الشبهات؟

بداية؛ لا بد لنا من تذكر مركزية طلب الهداية الربانية كما يتمثل ذلك في قوله تعالى "اهْدِنا الصراط المستقيم" في سورة الفاتحة والتي يكررها المسلم في صلاته يوميا على الأقل سبع عشرة مرة، وسبب مركزية طلب الهداية أن قلب الإنسان معرض للتقلب والتبدل بشدة كما أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم: "لَقلب ابن آدم أشد انقلابا من القدر إذا اجتمعت غلياً" رواه أحمد وصححه الألباني، ومن هنا جاءت الوصية النبوية الغالية بدوام سؤال الله عز وجل الهداية والثبات "يا مقلب القلوب ثبّت قلبي على دينك" رواه الترمذي وصححه الألباني.

ومن هنا فإن المسلم في هذا الوقت خصوصا مطالب بمزيد من استشعار أهمية طلب الهداية كل يوم في صلاته وأن يكون مخلصا وصادقا في دعائه ذلك.

أما الخطوة الثانية في التعامل الواعي والحكيم مع الشبهات فهي الاقتداء بأبي بكر الصديق رضي الله عنه في حادثة الإسراء والمعراج، حين جاءه المشركون والكفار يريدون تشكيكه في النبي صلى الله عليه وسلم وفي دعوته ورسالته ونبوته فقالوا له: يزعم صاحبك أنه أُسرِي به إلى بيت المقدس ورجع في ليلة!

فكان جواب الصديق صاعقا لهم: إن كان قال ذلك فقد صدق!! وذلك لقوة إيمانه ويقينه، وبسبب هذا الموقف لقب رضي الله عنه بالصديق.

فالمسلم والمسلمة يجب عليهما اليقين التام بصدق وصحة دين الإسلام والقرآن والسنة، وذلك كأصل عام ولو جهلا بعض العقائد والأحكام الشرعية أو حكمتها أو جهلا بعض المواقف التاريخية وملابساتها، فعندما تجيئهم الشبهة من خصوم الإسلام في الداخل والخارج فهم بين أن يعلموا بطلان الشبهة على التفصيل، أو أن يتمثلوا موقف الصديق حيث التسليم للإسلام ورد الشبهة بالعموم ولو لم يعلموا رد الشبهة مفصلا.

وهنا تبدأ الخطوة الثالثة وهي التعلم، فالإسلام يحث على العلم أصالة "فاعلم أنه لا إله إلا الله" وهو يشمل علم الدين والدنيا.

فالمسلم والمسلمة يلزمهما تعلم قدر ضروري من العلم الشرعي ليصح به إيمانهما وإسلامهما، وكلما توسعوا في العلم الشرعي زادهم الله هدى ونورا، وكذا الحال في علم الدنيا، فالعلم بذاته يكرم الإنسان كلما ازداد منه.

ومن التعلم عند ورود الشبهات سؤال أهل الاختصاص، واليوم قد أنعم الله علينا بتوفر العلماء والدعاة وسهولة الاتصال بهم مهما بعدت ديارهم، فيمكن الاتصال بهم عبر الهاتف أو رسائل الهاتف والواتسب أو المسنجر أو سواها من البرامج، أو عبر البحث على شبكة الإنترنت، حيث يمكن البحث تحت عناوين عامة مثل: الرد على شبهات المستشرقين، الرد على شبهات الشيعة، الرد على شبهات الملحدين، وهكذا.

ويمكن أيضا العودة للمواقع المتخصصة بالموضوع الذي تتناوله الشبهة كمواقع القرآن الكريم المتخصصة أو مواقع السنة النبوية أو مواقع العقيدة وهكذا، وكذلك يمكن البحث من خلال المواقع المختصة بالرد على الشبهات ، مثل موقع ركن الحوار أو موقع المحاور أو موقع بيان الإسلام للرد على الشبهات حول الإسلام، أو مواقع المختصين بالرد على الشبهات كموقع مكافح الشبهات لأبي عمر الباحث للرد على شبهات عامة والنصارى بخاصة أو موقع د هيثم طلعت للرد على شبهات الداروينية.

كما أن هناك عددا من الكتب المختصة بنقض الشبهات العلمانية مثل كتاب د. أحمد السيد سابغات، وكتاب زخرف القول للدكتور فهد العجلان وم. عبد الله العجيري، وكتاب موسوعة أهل السنة للشيخ عبد الرحمن دمشقية لنقض شبهات الأحباش، وكتاب دفاعا عن الآل والأصحاب لنقض شبهات الشيعة.

ونقطة أخيرة تساهم في رفع الوعي في دفع ونقض الشبهات وهي تفحص هوية المنبر أو المصدر الذي خرجت منه الشبهة وتوقيت نشرها، ومدى مطابقتها لمحكمات وأسس الإسلام.

فإذا كان مصدر الشبهة هيئة أو شخصا معروفا بعداوته للإسلام فهذا مؤشر كبير على وجود كذب وتزوير في مضمون الشبهة، وإذا كان ملقي الشبهة من رموز العلمانية وكلامه يناقض أسس ومحكمات الإسلام والشريعة مثل نفي سلامة وصحة القرآن الكريم، أو أننا في هذا الزمان يجب أن نجدد فهم الدين ولا نتقيد بأقوال الأئمة الأربعة مثلا بل نفتح الباب لتفسير الإسلام والقرآن بنظريات علمانية ومن قبل شخصيات علمانية لا تؤمن أصلا بصحة الإسلام فهذا كاف لأصحاب الوعي برفض كلامهم.

وعلى صعيد الشبهات السياسية والتاريخية فإن التيقظ لتوقيت نشر بعض الشبهات وأنها تتزامن مع صراع سياسي تسخّر فيه كل الوسائل الإعلامية ولا يتورع أي طرف عن استخدام كافة أساليب التزوير، ومن ذلك مثلا ما نشهده حاليا من هجوم على تاريخ الدولة العثمانية حيث يصور على أنه احتلال تركي ونفي كل ما فيها من خير وفضل.

ومن أمثلة الوعي في رد الشبهات رفض أي شبهة وتشكيك بالعلماء العاملين المعروفين بالدعوة والعمل والعلم من قبل شخصيات نكرة تستخدم في شبهاتها ضد الدعاة والعلماء الشتائم والألفاظ البذيئة، فالتعامل مع مصدر الشبهة وتوقيتها ومضمونها هو من شيمة أهل التفكير النقدي والمنطقي وعلامة على الوعي واليقظة الفكرية.

هذه بعض الأسس المهمة لكل مسلم ومسلمة في هذا العصر الذي تكاثرت فيه الشبهات بحيث يعجز الكثير من المسلمين عن الإحاطة بجواب مفصل عليها، ولكن تفعيل هذه الأسس يجنب صاحب الحق الانزلاق  في فخاخ أهل الشر بإذن الله تعالى.