الصحابة والسنة النبوية

الرابط المختصر
Image
الصحابة والسنة النبوية

تشرفت جامعة العلوم الإسلامية العالمية وجمعية الحديث الشريف بعقد مؤتمر (الصحابة والسنة النبوية)، في العاصمة الأردنية في يومي 9 - 10 محرم 1345هـ الموافق 13 – 14/11/2013م، وذلك لما للصحابة رضوان الله عليهم والسنة النبوية من مقام عال ومنزلة رفيعة، فبهما وصلَنا الإسلام وبنورهما فهمنا القرآن الكريم وأكرمنا الله بالرفعة والعز والتمكين.
فالصحابة الكرام الذين تربوا في المدرسة النبوية وعلى مائدة القرآن المجيد، هم الذين حرروا أجدادنا من ظلم الرومان وطغيان الملوك والغزاة، فعمّ بهم السلام والأمان وانتشر الإيمان، فازدهرت حياتهم وحلّت البركة في ديارهم وربوعهم، وها هي قبور الصحابة في الأردن وفلسطين شاهدة على جهدهم وجهادهم.
ومن هنا فإن الحديث عنهم والبحث في سيرتهم أمر مهم وواجب تجاه ما قاموا به لسعادتنا في الدين والدنيا، خاصة وأننا اليوم نشهد هجمة شرسة على الصحابة من جهات متعددة في الداخل والخارج، وهذه الهجمة الجديدة ليس فيها جديد بل هي تكرار للشبهات الساقطة السابقة التي بثتها ولا تزال فرق باطنية، أو الحاقدون على عظمة الإسلام من بعض المستشرقين وتلاميذهم.
وقد تميز المؤتمر، والذي تشكر عليه جامعة العلوم الإسلامية وجمعية الحديث بعامة، ولجنة المؤتمر بخاصة، بمشاركة أكثر من أربعين عالماً وباحثاً في السنة النبوية المطهرة من الأردن وفلسطين وسوريا والعراق ومصر والسعودية والكويت والإمارات والمغرب والجزائر والسودان وتركيا، عرضوا أبحاثهم على مدار يومين، من خلال عدد من المحاور مثل: الصحابة ومكانتهم رضي الله عنهم، وآل البيت في السنة النبوية، وأصول الرواية عند الصحابة ونقد الحديث وفقه الحديث عندهم.
ومن أهم التوصيات التي خرج بها المشاركون: الإجماع على عدالة الصحابة رضي الله عنهم وفضلهم في نقل الوحي (الكتاب والسنة)، وأن الطعن فيهم هو طعن في أسس هذا الدين لأنهم هم من نقل الوحي وحفظه. والصلة القوية والطيبة التي كانت تربط بين الصحابة الكرام وآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم الأطهار وإن الخصومة بين الصحابة وآل البيت فِريه مفتعلة وضعت لأغراض مشبوهة.
وفيما يلى إشارة لبعض الفوائد من الأبحاث المقدمة للمؤتمر:
* ورقة د. قاسم صالح أحمد من الجزائر، وكانت بعنوان (أثر اعتماد الروايات غير الموثوقة في القدح في عدالة الصحابة)، حيث ناقش فيها خداع أعداء الصحابة والسنة من الكُتاب المعاصرين، في الطعن بالصحابة من خلال روايات لم تصح أصلاً! وقد اعتمد كتاب عبد الرزاق عيد (سدنة هياكل الوهم، نقد العقل الفقهي)، كنموذج للدراسة، فإذا كل اتهاماته تقوم على نقد أحداث لم تقع أصلاً! ولذلك من الأسس المهمة في صد عدوان الباطنية والعلمانية على السنة والصحابة التوثق من صحة الروايات أولاً، فليس من المعقول تضييع الجهود والأوقات في دحض الأكاذيب.
* وبحث د. أمين عمر من الأردن، يواصل التأكيد على أن الكذب والروايات غير الصحيحة هي عمدة أعداء السنة والصحابة، ولذلك قام بدراسة حول الصحابي الجليل (معاوية بن أبي سفيان في كتابات المعاصرين)، فدرس وفحص مواقف العقاد، وأحمد حسين يعقوب المتشيع الأردني، وحسن السقاف وهو على دربه يسير، وحسن فرحان المالكي السعودي، وكانت النتيجة أنه لم يثبت ذم معاوية في حديث صحيح وصريح، بل هي روايات لا تصح، وما صح ليس فيه ذم إلا بحسب تفسيراتهم الجائرة، وهذا لا يعني عدم خطأ معاوية رضي الله عنه كبقية الناس.
* أما الباحث محمد رمضاني من الجزائر فقد تناول (نقض شبهات معاصرة حول عدالة أبي هريرة)، وهي في الحقيقة اجترار للشبهات القديمة التي طرحها محمود أبو رية وعبد الحسين كاشف الغطاء قبل عشرات السنين، ولكن للأسف بسبب الضعف العلمي عند الأجيال الجديدة من جهة، وبسبب أن المنابر الإعلامية والثقافية العامة تفسح للطاعنين – وهذه جريمة لا ينبغي السكوت عنها- ولا تفسح المجال للمدافعين إلا بشق الأنفس.
وفي رده على تهويل كثير من المتعالمين بأن أبا هريرة كثير الرواية وأنه ينفرد بروايات عجيبة، وأن هذا يثير الشكوك حول أمانته ودقته ، ذكرت نتائج دراسة د. عبده يماني وعدد من المتخصصين بالحديث، الذين قاموا وبواسطة الحاسب الآلى بإحصاء روايات أبي هريرة في الكتب التسعة فبلغت 8965 رواية، إلا أنها في الحقيقة لا تحتوي إلا على 1475 حديثاً، والباقي تكرار لنفس الأحاديث، وبعد مقارنة هذه الأحاديث مع بقية الصحابة، وجدوا أن أبا هريرة والصحابة اشتركوا في 1433 حديثاً، ولم ينفرد أبو هريرة لوحده إلا برواية 42 حديثاً فقط، وبهذا تسقط هذه الفرية الكبرى.
* وتناولت عدة أوراق مناقشة بعض الشبهات حول مدى دقة تدوين السنة النبوية، وهل فعلا سلِمت السنة من العبث وأنها لم تدون إلا بعد القرن الأول الهجري؟
فكانت ورقة د. فتح الدين البيانوني من سوريا، لتكشف عن (أحوال الرواية في عهد الصحابة)، وأن الصحابة كانوا يهتمون ويحرصون على السماع والتعلم من النبي صلى الله عليه وسلم، وكان بعض الصحابة يتوثق من النبي صلى الله عليه وسلم عما لم يسمعه منه، وأنهم كانوا يصرحون للتابعين بأن الحديث النبوي لا بد من الدقة في التعامل معه، وكلمتهم في ذلك مشهورة "إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذونه".
أما د. محمد عيد الصاحب من الأردن، فكانت ورقته (كتابة الحديث عند الصحابة)، ذكر فيها أن الصحابة كتبوا الحديث مبكراً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وبعد وفاته، إذ كان بعض الصحابة يكتب ما سمع من النبي صلى الله عليه وسلم، وبعد وفاته كتب بعضهم عن بعض، كما في طلب معاوية من عائشة أن تكتب له بعض ما سمعت من النبي صلى الله عليه وسلم، وكما كان يكتب الخلفاء الراشدون للقضاة والولاة في الأمصار ببعض التوجيهات من السنة النبوية، وكما كتب بعض الصحابة للتابعين لما طلبوا منهم ذلك، وينبه د. الصاحب أن عصر الصحابة امتد لعام 110 هـ، أي بعد القرن الأول الهجري، وبذلك تكون كتابة الصحابة للحديث اتصلت بتدوين الحديث الذي أمر به الخليفة عمر بن عبد العزيز، وهو جمعه في كتب سواء على أبواب فقهية أو على أسماء الرواة.
أما ورقتا د. خالد الحايك من الأردن، ود. عبدالله المغلاج فقد استعرضتا عدداً من الصحف والنسخ التي عرفت بين الصحابة والتابعين، كنماذج مؤكدة لوجود الكتابة المبكرة للسنة النبوية.    
* وتناولت أوراق عدد من الباحثين دراسة منهج الصحابة في التوثق من صحة الأحاديث، وأن أسس علم مصطلح الحديث وعلم الجرح والتعديل عرفت من زمن الصحابة الكرام، وأن الصحابة الكرام عنوا أيضاً بنقد المتن، من خلال مراجعتهم للنبي صلى الله عليه وسلم في حال حياته، وعرضه على القرآن الكريم، وعرضه على الأخبار الثابتة الأخرى، وبهذا يتبين لنا عظم هذا الجيل الفريد وأن الله عز وجل اصطفاه وميزه وشرفه لصحبة نبيه عليه الصلاة والسلام لما فيهم من الأهلية والقابلية لتلقي الإيمان والحفاظ عليه.
* وجاء بحث الأستاذ عبد الكريم فرحات (هل كذب الصحابة على رسول الله صلى الله عليه وسلم)، في مناقشة علمية رصينة لكتاب آية الله جعفر سبحاني، في كتابه (عدالة الصحابة بين العاطفة والبرهان)، حيث فند في بحثه كل الشبهات التي أوردها سبحاني على عدالة الصحابة الكرام، وأثبت أن منهج أهل السنة والمحدثين منهم منهج علمي رصين يتفرد بين كل أمم الأرض.
وبعد فإن تعريف الجيل الجديد من ناشئتنا بالصحابة الكرام وفضلهم وجهدهم وريادتهم، لهو شرط أساس في سبيل الوصول لما وصلوا إليه من نهضة ومعرفة وتقدم وحضارة، قدمت النموذج الرشيد الذي تنشده البشرية منذ ضعفت دولة الإسلام.