الصيام وإرادة التغيير

الرابط المختصر
Image
الصيام وإرادة التغيير

إرادة التغيير تعد من أكبر الفوائد التي يحققها الصائم في رمضان، فالكثير من الناس رجالاً ونساءً، صغاراً وكباراً، يتمكنون في رمضان من تغيير كثير من عاداتهم وسلوكياتهم وضبط انفعالاتهم وتصرفاتهم، بل حتى بعض الأطفال يصرون على الصوم - رغم عدم تكليفهم شرعاً- في نوع من التحدي الإيجابي وإثبات الذات، وهاهم المصلون يملؤون المساجد في صلاة الفجر والتراويح، وقد كانوا قبل رمضان يدّعون عدم قدرتهم على القيام لصلاة الفجر أو قيام الليل، وآخرون كانوا يزعمون استحالة ترك التدخين لكنهم يصومون عن التدخين لهذا الوقت الطويل مع الحر الشديد رغم ولعهم الشديد بالتدخين، هذا الولع الذي لا يوقفه معرفتهم بنتائجه الوبيلة على صحتهم ولا كلفته المالية، وأيضاً كثير من النساء اللواتى كنَّ يقصرن في أداء الصلاة أو لبس الحجاب تراهن في رمضان وقد حافظن على صلاتهن ولبسن الحجاب، وهناك صور عديدة لتغيير السلوك والعادات.
ومن أسباب هذا التغيير والقدرة عليه إرادة التغيير أولاً ومن ثم الروح الجماعية والتهيئة النفسية، فالإنسان يحب أن يكون منسجماً مع محيطه غير شاذ عنه، كما أن التعبئة النفسية لخصوصية شهر رمضان والتي لا تزال تنمو عاماً بعد عام في نفوس المسلمين وتقوى هذه القدرة على التغيير.
ولمّا كان معنى الصوم في اللغة هو: الإمساك والكف، ومعناه الإصطلاحي: الإمساك بنيّة عن الأكل والشرب والشهوة من تبين طلوع الفجر إلى غروب الشمس، وهو راجع إلى معنى الصبر وإيثار الآخرة على العاجلة، والإحساس بالمسؤولية الفردية جعل الله عز وجل تقدير أجر الصوم له وحده لكون الصوم أمراً فردياً لا يطلع عليه أحد، وإن تنمية هذه الإرادة للتغيير في قلوب المسلمين مع تقوية القدرة على التغيير ستكون الباب والمدخل للنهضة المنشودة.
فلو درسنا كل الحالات الإيجابية في حياة المسلمين والأمم قديماً وحديثاً لوجدناها ترتكز على إرادة للتغيير وصبر وإحساس بالمسؤولية وقدرة على التغيير، ومن الأمثلة على ذلك من واقعنا المحلى تطور خدمة دائرة الترخيص ودائرة الأحوال المدنية في عهد الفريق نصوح محيي الدين، ومن الأمثلة الإسلامية العصرية نموذج ماليزيا وتركيا مؤخرا, فوجود الإرادة والصبر وتقديم العاجلة وهي مرضاة الله ومن ثم الثناء الحسن والذكر الجميل على العاجلة وهي الهبات والعطايا أو الاختلاسات والفساد، مع القدرة على التغيير هي الدافع وراء هذه النجاحات والنتائج الإيجابية.
فمما يجب أن نعلمه أن المسلمين يملكون القدرة على التغيير ولكن مشكلتهم اليوم هي في الإرادة للتغيير، ومما يجب أن نعلمه أن المسلمين وخاصة العرب لا حافز لهم ولا دافع لامتلاك إرادة التغيير سوى بدافع ديني وهذا تاريخ العرب شاهد على ذلك!!
وقد شخّص العلامة محب الدين الخطيب علة المسلمين اليوم بأنهم انحطوا إلى القرارة التي سقطوا فيها لأن الأمة عطلت مواهبها الفكرية، وقواها البدنية، وملكاتها الخلقية، والقواعد الأدبية والاجتماعية؛ فكان من عدل الله فيها أن يجعلها مملوكة لا مالكة، ومتصرَّفًا فيها لا متصرّفة، ومستعبدة لمصالح غيرها.
أما عن المخرج من هذه الهاوية فيرى محب الدين الخطيب أننا رضينا بأن نكون غثاء كغثاء السيل، وسنظلُّ غثاء حتى نَرجِعَ مسلمين، فيصهرنا الإسلام بحرارته، ويجعلنا كما كان أجدادنا أمة عمل، فنتأهل بذلك للخلافة على الأرض، يوم يبادر كل واحد منا فيبدأ، غير ملتفت إلى غيره ليراه إن كان قد بدأ أم لا ..
وهذا المعنى هو ما كان يدرس لنا في المدراس قبل عشرين عاماً على لسان الشاعر إبراهيم طوقان في قصيدته تفاؤل وأمل:
كفكفْ دموعَكَ، ليس يَنْفَعُكَ البكاءُ ولا العويـلُ
وانهضْ ولا تشكُ الزَّمانَ، فما شكا إلا الكسول
واسلكْ بهمّتـكَ السَّبِـيلَ، ولا تقلْ كيف السبيل
ما ضلّ ذو أملٍ سعـى يوماً وحكمتُـه الدليـل
كلاَّ، ولا خـاب امـرؤٌ يوماً ومَقصـدُه نبيـل
أفنيتَ يا مسكيـنُ عُـمْرَكَ بالتـأوُّه والحَـزَنْ
وقعدتَ مكتـوفَ اليَـدَيْنِ، تقولُ: حاربني الزمن
ما لم تقـم بالعـبء أَنْتَ، فمن يقوم بـه إذن ؟
وأعتقد أن الرسالة الإعلامية الهادفة في رمضان يجب أن تركز في محورين، هما:
ترسيخ مفهوم إرادة التغيير للأفضل بالتزام شرع الله عز وجل.
إرشاد المسلمين للسلوكيات التي نحتاج إلى تغييرها أيضاً مثل: التقاعس والتواني، عدم إتقان العمل، سوء الخلق، ضعف الرغبة في التعلم والابتكار، الأنانية وكره التعاون.
وحتى تؤتى هذه الرسالة ثمارها يجب تجنب الإزدواجية القاتلة من خلال نشر هذه الرسالة الهادفة في وسط أكوام من الدعايات الإستهلاكية المضرة أوالمسلسلات الدرامية المدمرة للقيم والمبادئ.