ذهل الحضور من شيوخ ودكاترة بدخول فتاة غير محجبة وهي تحمل وردة وتقدمها للشيخ عمر الأشقر في مكتبه بكلية الشريعة!! وقد تبين لهم أن هذه الفتاة قطفت هذه الوردة من حديقة الكلية لتعبر بها عن شكرها وتقديرها لإنصاف وعدل الشيخ الأشقر حين أعطاها ما تستحقه من درجة مرتفعة في مساق مادة الثقافة الإسلامية بغض النظر عن مدى التزامها بالحجاب الشرعي. لعل هذه الحادثة تكشف عن منهجية الشيخ في دعوته إلى الله عز وجل، والتي تقوم على ركني العلم والرفق، وهذا يعلمه كل المحيطين بالشيخ أو المتابعين لكتبه ونشاطه، وقد فصل الشيخ جوانب من هذه المنهجية في كتابه الذي صدر حديثاً عن دار النفائس بعنوان "صفحات من حياتي". أنا من الجيل الذي تربى على كتب الشيخ عمر الأشقر والتي كانت محل قبول في حلقات السلفيين والإخوان المسلمين على حد سواء – ولا تزال- ولا زلت أذكر صلاة الجمعة خلفه في منطقة السرّة وحولي في الكويت قبل 25 سنة حين كان يصحبنى والدي معه، وفي عمان أتيح لي أن أزوره في منزله أكثر من مرة ودوماً نخرج بفوائد عزيرة. ولد العلامة عمر الأشقر سنة 1940م في قرية برقة قضاء نابلس، وبقي في فلسطين حتى عام 1953م حيث رحل إلى مدينة الرياض بالسعودية، فأكمل تعليمه المدرسي ومن ثم دخل كلية الشريعة بالرياض وتخرج منها في سنة 1964م، وأثناء دراسته في كلية الشريعة بالرياض اختاره الشيخ ابن باز أميناً لمكتبة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة فاكمل دراسته انتساباً ، ما أتاح له الالتقاء بكبار العلماء والدعاة هناك وخاصة العلامة ابن باز والعلامة الألباني والعلامة الشنقيطي رحمهم الله، وكانت بداية مسيرته الدعوية في المدينة المنورة، بعدها رحل من السعودية على إثر فتنة قام بها بعض المتعجلين لإنكار المنكرات باليد، فرجع إلى فلسطين. ومن ثم سافر إلى الكويت في سنة 1965م وبقي فيها حتى حادثة احتلال العراق للكويت سنة 1990م، حيث عمل في سلك التعليم بكافة مراحله من الابتدائية إلى الجامعة، وفي سنة 1974م حصل على الماجستير وفي سنة 1980 حصل على الدكتوراة مع مرتبة الشرف الأولى من جامعة الأزهر، وقد كانت هذه المرحلة مليئة بالنشاط الدعوي على أكثر من صعيد. بعد احتلال الكويت استقر الأشقر في عمان حيث كان عضواً في مجلس الإفتاء الأردني خلال الفترة 1990 - 2001م، وعمل في الجامعة الأردنية مدة 10 سنوات من 1992م إلى 2002م، وبعد ذلك درّس سنتين في جامعة الزرقاء الأهلية ليتفرغ للكتابة والتأليف في نهاية سنة 2005م. والمطالع لكتاب "صفحات من حياتي" يجد الكثير من المعلومات الجديدة والمفيدة عن جوانب مهمة في تاريخ الدعوة والصحوة الإسلامية في السعودية والكويت على وجه التحديد في فترة الستينيات والسبعينيات، والقليل من الناس من يعرف أبعاد الدور الذي قام به د. عمر الأشقر والشيخ عبد الرحمن عبد الخالق في الكويت وخارجها، ورغم أن الشيخ الأشقر لا يسهب في التفاصيل إلا أن ما كتبه عن تلك المرحلة لعله لم يدون من قبل، مما يجعل من المهم جداً موافقة الشيخ على مزيد من البوح والإفصاح عمّا جرى والدروس والخبرات التي يجب أن تنتقل للأجيال القادمة. ومما يلفت النظر في كتاب الأشقر عمق العلاقة الوطيدة بينه وبين الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق حتى من كثرة ذكره للحوادث المشتركة بينهما والرسائل الشخصية تذكرت علاقة العلامة رشيد رضا بالأمير شكيب أرسلان والتي عبرعنها أرسلان بكتابه "السيد رشيد رضا أو إخاء أربعين سنة"، حيث يخبرنا الأشقر أنهما تعارفا في المدينة المنورة سنة 1962م وكانت لهما نشاطات دعوية في المدينة النبوية ومكة وجدة بمشاركة أحياناً من الشيخ ابن باز والألباني ومن ثم إلى خارج السعودية فسافروا إلى السودان برفقة الشيخ محمد عبدالوهاب البنا المصري، وكان لهم صِلات بانصار السنة المحمدية هناك وحثهم على العمل الجماعي والمؤسسي. التقى الشيخان الأشقر وعبد الخالق من جديد في الكويت في سنة 1965م وبدآ مسيرة الدعوة في الكويت حتى أصبحت ركناً أساسياً في المجتمع الكويتي. من الفوائد المهمة في كتاب الشيخ عمر هو تقديم جوانب من شخصية الشيخين ابن باز والألباني في فترة شبابهما واجتماعهما معاً، من حيث الاحترام والحب المتبادل والتعاون والتمايز بين شخصيتهما وطريقتهما العلمية، مما يحتاجه كثير من الشباب اليوم. عرض الأشقر في كتابه لما ألفه من كتب ورسائل وابحاث وتقارير، وأورد بعض الفتاوى التي أصدرها وبعض الرسائل الشخصية بينه وبين بعض الأعلام أو الطلبة، وقد كان اختياره لهذه الفتاوى والرسائل يحمل الكثير من الدلالات والإشارات التي تناولت قضايا علمية وحركية وسياسية يدور حولها الجدل دوماً. إن من السلبيات التي تعانيها مسيرة الدعوة الإسلامية وخاصة السلفية اليوم ضعف الصلة بروادها وتجاربهم الدعوية من العلماء والمفكرين سيما في القرن المنصرم وبداية هذا القرن، مما يجعل الكثير منهم يقع في أخطاء وزلات كان بالإمكان تجاوزها بمطالعة تجارب السابقين، أو تحقيق إنجازات مهمة لو وجدت من يكمل الطريق، فكثير من قضايا واقعنا المعاصر هي تكرار لما سبق أو قريباً منه، فمثلا قضية التعامل مع المحتل للأسف لم تجد من يستفيد ويراكم عليها من تجربة العلامة صديق حسن خان - زوج ملكة بهوبال في الهند - والذي قام بشؤون مملكته تحت حكم الإنجليز لأكثر من 10 سنوات! أو تجربة العلامة عبد الحميد بن باديس في التعاطي مع المحتل الفرنسي الذي كان يتوزع بين منهجين: منهج القمع والإبادة بحق الجزائريين، وآخر يبدي شيئاً من الليونة، فكان ابن باديس يعالج الأمور بطرق شتى ويستفيد من هذه الاختلافات بما يحقق مصلحة الجزائر والجزائريين المسلمين كما رصد ذلك د.عبد الكريم ابو صفاف في كتابه القيم "حركة محمد عبده وعبد الحميد ابن باديس وأبعادها الثقافية والإجتماعية والسياسية"، أو تقييم تجربة مشاركة الشيخ إحسان إلهي ظهير في البرلمان الباكستاني ممثلا لجماعة أهل الحديث منذ السبيعنيات من القرن الماضي!! إن للشيخ عمر الأشقر تجربة عريقة في الدعوة إلى الله عز وجل، وكتابه هذا يؤكد الحاجة لأن يقبل الشيخ دعوات بعض القنوات الفضائية له لتقديم خبرته الدعوية للأجيال القادمة على غرار ما قدمه بعض الدعاة والمصلحين.
العلامة عمر الأشقر ومسيرته في الدعوة إلى الله
2014/08/01
الرابط المختصر
Image