العلم سبيل للخروج من الواقع المر

الرابط المختصر
Image
العلم سبيل للخروج من الواقع المر

حين طلب مني بعض الأصدقاء بعد مقال الأسبوع الماضي أن أتوسع في حلول خيارات الواقع المر الذي نعيشه، تذكرت مجموعة من الحوادث التي جرت مؤخراً وتشكل مؤشرات على مستوى العلم والمعرفة في مجتمعنا ، أذكر ثلاث منها: في الشهر الماضي بإحدى الجامعات الخاصة حين طلبت الدكتورة من طلبة المحاسبة تقديم نماذج من آيات الوصايا في القرآن الكريم فقامت إحدى الطالبات بتقديم نماذج للوصايا من التراث العربي على أنها من القرآن الكريم!!!
والحادثة الثانية ما حكاه مدير أحد مراكز رعاية أصحاب الحاجات الخاصة في إقليم الشمال عن وجود فئات كثيرة لا تعرف البديهيات ومن ذلك أنهم حين كانوا يوزعون إعانات رمضان على أهالي الطلبة كانوا يسألونهم ما هو رمضان ؟!!
الحادثة الثالثة كنت مع أحد المقاولين في ورشة بناء وأراد أحد العمال قص خشبة لتركيبها يد لتنكة نقل الإسمنت، وكان بجواره منشار ومطرقة فاستخدم المطرقة لقص الخشبة! فسألت المقاول عن ذلك فقال لي هناك مجموعات من العمال تتخصص بعمل معين كهؤلاء الذين اختصاصهم رفع مواد البناء وليس لهم معرفة بأي شيء آخر ولذلك قد يجهل طريقة استخدام المنشار رغم أنه مهني ويفترض أنه أقدر من غيره على ممارسة مثل هذه الأعمال اليدوية البسيطة!!  
لفتح الباب لطرح الحلول والإسهام بنقاش إيجابي فعال بدلاً من السلبية التي نعاني منها والتي أصبحت إدماناً عن كثيرين وللأسف، جاء هذا المقال.
لقد دعونا إلى نشر العلم والمعرفة بالدين والدنيا ، حيث أن العلم هو أول المراتب " ‏فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُم "(محمد :19).
وذلك أن العلم هو مفتاح النجاة والنجاح في الدنيا والآخرة، ولذلك أمر الإسلام بالعلم والتعلم بشكل واضح وصريح ، وحين امتثلت الأمة الإسلامية لهذا الأمر الإلهي حصلت الرفعة والرقي في حياتها ومعيشتها، وهذا أمر مجهول لكثير من ناشئة هذه الأيام فمن منهم يعرف علماء الإسلام وما هي إبداعاتهم واختراعاتهم ؟؟ وأين دور وسائل الإعلام في ربط الناشئة بتاريخهم المشرق؟ ولماذا يركز العلمانيون على نشر الجزء الفاسد من التاريخ السياسي لأمتنا دون سواه من جوانب النهضة والعلم – رغم أن غالب من قاد هذا الجانب السياسي السيئ من تاريخنا هم من يمكن وصفهم بعلمانيي أو ليبرالي زمانهم - !!
إن واقع العلم والمعرفة بالدين والدنيا اليوم في أمتنا يشكل مصدر التهديد الكبير لها ، لقد بين شيخ الإسلام ابن تيمية خطورة التهديد العلمي والمعرفي حين قال:" إنما يفسد الناس نصف متكلم ونصف فقيه ونصف نحوي ونصف طبيب هذا يفسد الأديان وهذا يفسد البلدان وهذا يفسد اللسان وهذا يفسد الأبدان" .
وهذا ما نراه اليوم في ديننا أو دنيانا، فكم من فتوى أو رأي باطل جر على أمتنا الويلات والخراب من الموالاة أو المعارضة، ولذلك توعد رسول الله صلى الله عليه وسلم العلماء من كتم العلم عند حاجته أو تضليل المسلمين لشهوة ومصلحة دنيوية ، وبالمقابل حذر صلى الله عليه وسلم من خطورة الفتوى بغير علم واجتراء الصغار على الفتوى.
إن الفتن التي تعيشها أمتنا اليوم من حوادث التفجير والتخريب ترجع بشكل رئيسي إلى خلل علمي عند من ينظر ويقعد لها أولاً وعند من يتأثر بهم وينخرط معهم ، ولذلك التوعية السليمة بطرق العلم الشرعي ومرجعيته وأدلته ومقاصده وحكمته وتجارب أمتنا باب هام جداً في حصار هذا الشر لا يتوسع بداية ومن ثم يمكن عزله وعلاجه.
كما أنه يجب مع وضع وتفعيل الضوابط القانونية التي تمنع من ترويج أفكار التطرف والعنف الذي تقوم به مجموعات تنسب إلى الإسلام ، يجب كذلك منع ومعاقبة التطرف و الغلو العلماني الذي يعتدي على الثوابت الشرعية وينصب نفسه بديلاً لمجالس الإفتاء المعتبرة وكليات الشريعة المعتمدة، والذي يستغل تواطؤ بعض أجهزة الإعلام لتمرير أجندة مناهضة لأصل الإسلام لا فهم بعض المجموعات المنتسبة للإسلام.
إن خطورة الجهل بالدين لا تقل عن خطورة الجهل بأمور الدنيا، فكم كلف جهل بعض المسؤولين مجتمعاتهم ميزانيات ضخمة وفرص لا تعوض فضلاً عن هدر وتبديد ثروات ربانية طبيعية بسبب قرارات غير مدروسة بناء على توصيات مستشارين حصلوا على مناصبهم بالوساطة لا الكفاءة، وهذا الجهل بالدنيا وشؤونها لا يتوقف عند هؤلاء المسؤولين والمستشارين ، بل يمتد لكثير من الموظفين غير المؤهلين ولا المدربين.
 وأخطر أشكال الجهل بالدين والدنيا هو تدنى مستويات أئمة وخطباء المساجد والمعلمين في المدارس بسبب نظام القبول في الجامعات التي تجعل طلبة هذه المهن في أسفل معدلات القبول، مما يجعل أكثر الدارسين لهما في حكم المجبر لا المخير !!  ولا يتميز كثير من طلبتهما بالذكاء والمعرفة المتميزة مما سينعكس بالتأكيد على جمهورهم وطلبتهم !!
إن تعديل وضع قبول هذه الكليات ورفع رواتبهما كفيل بجذب الطلبة الأكثر كفاءة ومعرفة وعطاء مما سيساهم خلال عقد أو أكثر على رفع سوية المجتمع والأمة ، طبعاً مع توفر الدعم المساند لهذا التوجه من توفير الإمكانيات والمتطلبات لتخريج جيل قادم أكثر إبداع وعطاء‘ قادر على تقديم وتبني خيارات إيجابية وصحيحة شرعياً ودنيوياً.