صدم الملايين من طريقة تعامل بعض الدول مع بعض مرضى الكورونا كوفيد ١٩ حيث تعرض بعضهم للقتل المباشر بترك علاجهم خاصة كبار السن في بيوت الإيواء!
وفي دول أخرى منع العلاج والفحص عن عامة الناس وحتى الأطباء ولكنه قدم لبعض الشخصيات ذات العلاقات والوساطات والنفوذ!
ومن الطبيعي أن تشمئز النفوس الطبيعية من هذه المعاملة البشعة والتمييز المجحف بين الناس، وكشفت هذه الحالة عن خلل كبير في منظومة القيم التي تدير حياة الناس في الدول في حالة الكوارث، حتى في الدول المتقدمة والغنية التي تفتخر بتطبيق ومراعاة حقوق الإنسان!
ولو تفحصنا سبب هذا الخلل وهذه الكارثة القيمية والأخلاقية فسيكون الجواب بكل تأكيد هو غياب معيار عادل ومنصف لجميع الناس ولا يحابي فئة على حساب فئة أخرى، سواء كان المعيار السن أو الصحة أو المال أو النسب أو البشرة والعرق أو غيرها من المعايير.
وتاريخ البشرية يؤكد أن جميع المعايير الإنسانية لا تخلو من الجهل والنقص والظلم فليس هناك اتفاق على معايير قانونية أو أخلاقية تصلح للبشرية جمعاء، فما يُعد جريمة ومدانا في ثقافة وحضارة لا يكون كذلك في ثقافة وحضارة أخرى، بل وصلنا اليوم لتباين الدول بل المقاطعات أو الولايات داخل نفس الدولة حول كثير من التوصيفات القانونية لنفس الفعل والسلوك!
وهذا كله نابع من إزاحة المرجعية الدينية المتعالية عن الانحياز البشري لقناعاته أو مصالحه مهما اتصف البعض بالنزاهة والعدالة، فإن مراجعة سريعة للتاريخ ستكشف عن مصائب أخلاقية ضخمة ارتكبها رموز البشرية في الحكم، فالعنصرية شرّعها وأقرها كثير من دعاة الإنسانية! وكثير من آباء الليبرالية والحرية كانت الحرية عندهم لا يستحقها إلا القليل من نوعه وجنسه كذكر أو أبيض أو تيار فكري محدد! وترسبات هذه الجرائم القيمية والأخلاقية هي مبرر تواصل الاعتداءات العنصرية على السود أو المسلمين في الغرب.
وإذا كان الغرب عانى من خلل مرجعيته الدينية وهو محق بذلك بسبب ما نالها من تحريف واتخاذ الدين مطية للاستيلاء على أموال الناس بالباطل بداية، والاستيلاء على السلطة وإدارتها بظلم وتعطيل تطور العلم، نعم كانت المرجعية الدينية في الغرب قد فسدت ولم تعد تصلح لإدارة حياة الناس، ولكن لم يكن الحل بإزاحة المرجعية الدينية بالمطلق علاجا سليما.
ففي ظل العلمانية استمرت حالة الحروب في أوروبا بل شهدنا أكبر حربين عرفهما التاريخ قُتل فيهما عشرات الملايين واغتصبت فيها مئات الآلاف من النساء، وموسوعة الحروب تؤكد أن دوافعها -في غالبيتها- غير دينية إلا نسبة ضئيلة لا تكاد تذكر.
وفي ظل العلمانية تعاني الأسرة في الغرب من التفتت والموت، وظهرت مشكلة النساء واضطهادهن واستغلالهن في الأجور أو التجاوزات الجنسية بحقهنّ، ثم تصاعد اللوثات الجنسية لشرعنة الشذوذ وسائر الانحرافات والفواحش مما تسبب بتفشي الأمراض الفتاكة وعلى رأسها الإيدز الذي قتل الملايين من الناس.
إذًا، اعتماد العلمانية أو الإلحاد مرجعية للقيم لم يقدم للبشرية نموذجا صالحا لعالج أزمات الإنسانية، ولو قارنا حال مرضى كوفيد ١٩ من كبار السن في البلاد الإسلامية التي تفشى فيها الوباء كمصر مثلا، لوجدنا أنه برغم فقر مصر مقارنة بدول أوروبا إلا أن كبار السن تحتضنهم أسرهم وترعاهم وتمرّضهم برغم الفقر والعوز، وكان لجهود كثير من الأطباء التطوعية في الأحياء والمنازل دور كبير جدا في شفاء الكثير منهم والحمد لله، وهذا السلوك من الأبناء والأطباء تجاه مرضاهم من كبار السن نتيجة طبيعية للقيم الإسلامية ببر الوالدين ورعاية الفقراء والمرضى والإحسان إليهم والحث على التعاون والتعاضد والتساند المجتمعي، بخلاف المرجعية العلمانية عموما والإلحاد خصوصا، إذ تفتقر لمعايير مقبولة من الجميع لتحديد الخير والشر والصواب والخطأ، وينتج عن ذلك تصادم القيم والمصالح الفردية مع مصالح وقيم الآخرين ومع المجموع، وتباين هذه المصالح والقيم نفسها، ولعل تصاعد الدعوات والمحاولات لتقبل الشذوذ بل فرضه على المجتمعات الغربية والإسلامية نموذج فاقع لأزمة القيم في المرجعية العلمانية والمرجعية الإلحادية، حيث ينبذ حكم الدين والفطرة السوية والصحة والسلامة العامة ومراعاة الرأي العام، لصالح المتعة واللذة المنحرفة لقلةٍ لا تذكر عبر التسلط والإكراه للغالبية المطلقة!
وحتى الديمقراطية التي قُدمت كحل للتوفيق بين تصادم المصالح والقيم تحولت في التطبيق لتفصيل ديمقراطيات متعددة تناسب القوى المتحكمة بكل دولة على حدة، وهذا واضح من دوام الاستياء الشعبي لمخرجات الانتخابات، وتتفاقم أزمة فشل الديمقراطية/الانتخابات حين تحولت إلى أداة في يد أصحاب رؤوس الأموال يتلاعبون فيها عبر الإعلام والحملات الانتخابية برؤوس الناخبين.
وبسبب غياب المرجعية الدينية الصحيحة والتزام القيم النابعة منها فقد تقبل العالم تقييد الحريات في اللباس والعلاقات الاجتماعية والتنقل والسلوك اليومي بل والحجر ومنع التجول حرصا على السلامة العامة، في الوقت الذي لا يتم فيه تقييد حريات اللباس والسلوك والعلاقات الاجتماعية تجاه ما تحظره المرجعية الدينية والقيم النابعة منها حفاظا على السلامة والصحة العامة برغم أن قتلى وضحايا التدخين والخمر والمخدرات والفجور واللباس العاري يفوقون بأضعاف كثيرة قتلى وباء كوفيد ١٩ الذين تجاوزوا نصف مليون.
ستبقى البشرية حائرة تائهة وهي تنحّي المرجعية الدينية لصالح العلمانية، أو تتخذ مرجعية دينية فسدت وتحرفت، ولا علاج لهذه الأزمة البشرية العامة إلا باتباع المرجعية الدينية التي أرسل الله عز وجل محمدا صلى الله عليه وسلم "رحمة للعالمين".