أثارت مظاهرة نسائية محدودة في الأردن مؤخرًا موجة استنكار شعبية واسعة بسبب ما طُرح فيها من شعارات وهتافات تناقض هوية المجتمع ودينه، وتتصادم مع القوانين والأعراف السارية.
وكالعادة؛ فإن أصحاب هذه الأجندة النسوية يتخذون من قضية جزئية أو فردية محقة مبررا لهدم كامل التشريع الديني والقانوني والأخلاقي في ما يخص موضوع المرأة، وهذا منهج أهل الباطل دومًا.
فبحجة نصرة (عيني فاطمة) التي اقتلعها زوجها المجرم يطالبون باقتلاع مرجعية الإسلام من قانون الأحوال الشخصية! بينما يرفضون إقامة العدل الصحيح والحق المبين بتطبيق الشريعة الإسلامية التي تقتلع عيني الجاني المجرم ليكون عبرة وعظة لكل رجل خسيس لا يقدّر مكانة الزوجة ولا يحسن معاملتها وعشرتها.
مشاكل العلاقات الزوجية المتكاثرة اليوم ليس سببها الأحكام الشرعية التي هي مرجعية القوانين السارية، ولا الثقافة الدينية السليمة التي تحكم علاقة الرجل والمرأة هي البيئة المنتجة للخصام والنكد والعدوان في مجتمعاتنا، بل العكس هو الصحيح تغييب هيمنة الشريعة الإسلامية عن حياة المجتمع وسيادة ثقافة مضادة للدين في علاقات الرجل والمرأة سواء كانت من خلفية أعراف جاهلية تمنع المرأة من ميراثها أو تحط من قدر المرأة أو كانت تستند لرؤية علمانية حداثية تنكر طبيعة المرأة وحقيقتها إما بإسقاط الجانب الروحي للمرأة والتركيز على البعد المادي (الجسد) فقط أو من خلال مفاهيم براقة مغلوطة وهدامة كدعوى المساواة والحرية المطلقة! والتي تضخ صباح مساء في وسائل الإعلام والإعلان بشكل صريح وضمني، ويتم إسناد هذه المنظومة عبر دكاكين النسويات المحلية والدعم الخارجي.
نقطة المركز في معالجة قضية المرأة وغيرها من القضايا هو تحديد المرجعية التي يتم التعاطي بها مع الموضوع، أما الاختباء خلف شعارات جميلة كالعدل والمساواة ورفع الظلم والحقوق لتبديل المرجعية المتفق عليها خلسة دون أن يعى كثير ممن صدق هذه الشعارات ولم يدرك أبعاد أجندة النسوية وحقيقة المرجعية العلمانية بل والإلحادية لدى قسم منهم فهذه عملية تزوير وتجريف وإفساد ضخمة جدا.
نحن كمسلمين نؤمن بأن الله عز وجل خلق الذكر والأنثى، قال جل جلاله: "وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى" (النجم: ٤٥)، وجعل سبحانه وتعالى التفاضل بالتقوى وليس بالجنس، فقال جلّ في علاه: "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم" (الحجرات: ١٣)، بينما كثير من النسويات لا يؤمنّ بالخالق ولا عملية الخلق، بل يعتقدن بالصدفة والتطور من حيوان!
وبينما -نحن المسلمين- نؤمن بأن الله عز وجل خلق الذكر والأنثى ليتكاملا ويعمرا الكون بطاعة الله عز وجل وعبادته، والتي تشمل إقامة العبادات وتأسيس الأسرة الهانئة والسعي في تعمير الأرض وإقامة الحضارة، ومن أجل تحقيق هذه المقاصد العظيمة فإن الله عز وجل -وهو الخالق والرازق والمالك والحاكم- قد شرع لعباده التشريعات التي تنظم علاقاتهم فيما بينهم، ومنها علاقة الرجل بالرجل والمرأة بالمرأة والرجل والمرأة وعلاقتهم بما حولهم من الحيوان والطبيعة وغير ذلك.
وعلى مر العصور كانت البشرية تنحرف عن المرجعية الربانية في قضايا متعددة فيرسل الله عز وجل الرسل لتصحيح انحرافها وتصويب أحوالها ومنها تصويبها في قضية المرأة، لأن تاريخ الأهواء البشرية مع المرأة تاريخ أسود، ولا يزال يزداد سوادا كما هو حال المرأة وتسليعها والعدوان عليها في فلسفات ما بعد الحداثة والمجتمعات العلمانية.
ولتصحيح انحرافات البشرية نزلت الآيات القرآنية تنصف المرأة وتشرع لها حقوقها الكاملة والعادلة والمحقة ومنها قوله تعالى: "وإذا الموءودة سئلت * بأي ذنب قتلت" (التكوير: ٨-٩) فأبطل العدوان على الأنثى والنظرة الدونية لها، وأرسى ثقافة النظرة المتساوية للذكر والأنثى "لله ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور" (الشورى:49) وجاءت السنة النبوية لتؤكد هذا المعنى وتجعل المزية والأفضلية للأنثى كما في قوله صلى الله عليه وسلم: "من كان له ثلاث بنات يؤدبهن ويرحمهن ويكفلهن وجبَت له الجنة البتة، قيل يا رسول الله: فإن كانتا اثنتين؟ قال: وإن كانتا اثنتين، قال - راوي الحديث- فرأى بعض القوم أن لو قال: واحدة، لقال واحدة" رواه أحمد وصحّحه الألباني.
ومنع القرآن الكريم اعتبار المرأة جزءا من تركة الميت في الجاهلية القديمة فقال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها" (النساء: ١٩)، ولا تزال الجاهلية المعاصرة لدى بعض الأمم تُحرق الزوجة حية مع جثمان زوجها! وأنكر الله عز وجل في كتابه ظلم المرأة بأكل حقها في المهر فقال عز شأنه: "وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا" (النساء: ٢٠).
وأرسى الله عز وجل قانون العلاقة السليمة بين الرجل والمرأة في قوله تعالى: "ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن" ( النساء: ٣٢)، فلكلا الجنسين فضل خاص به بسبب دوره الذي خلقه الله عليه، فللزوج فضل القوامة على الزوجة، ولكن للأم فضل بالبر على الأب، وليس هناك تفضيل لجنس على جنس، وأنصح للتوسع في فهم سنة التفاضل بكتاب حفيدة الشيخ علي الطنطاوي الفاضلة عابدة العظم في كتابها الماتع "سنة التفاضل".
هذا هو لب الحكاية في قضية المرأة، هل يكون الله عز وجل هو مرجعية التشريعات فيما يخصها ويخص الرجل أم تكون المرجعية لذلك أهواء البشر التي ظلمت المرأة والرجل دوما، وأكبر شاهد على ذلك قرارات ومواقف مجلس الأمن والأمم المتحدة التي تنتهج قانون القوة بدلا من قوة القانون، ولذلك يبقى المظلومون مظلومين والفقراء فقراء والمرضى مرضى، رجالا ونساء، ولنا في جرائم كثير من قوات حفظ السلام الأممية بحق كثير من اللاجئات نموذج لبشاعة الأهواء البشرية!
وللحديث صلة.
الله أو البشر مرجعية قضية المرأة ؟
2019/11/01
الرابط المختصر
Image