المرأة والرجل علاقة مساواة وعدل

الرابط المختصر
Image
المرأة والرجل علاقة مساواة وعدل

خلق الله عز وجل المخلوقات كلها وجعلها تنتمي لأجناس وعوالم متعددة تتشابه فيما بينها وتتباين، فعالَم المعادن مثلاً تتشابه فيه كل المعادن في خصائص رئيسة، لكن مع ذلك يبقى لكل معدن هويته وكينونته المستقلة، فالذهب ليس كالفضة، والمساواة بينهما عبث.
ومن مخلوقات الله عز وجل عالم الإنسان المكوّن من الأنثى والذكر، وبرغم الخصائص المشتركة بينهما إلا أن الأنثى أنثى والذكر ذكر، وقضية الفروق البيولوجية والفسيولوجية والسيكلوجية بين الجنسين قضية علمية محسومة لا يمكن الجدال فيها، فالتكوين البدني لكلا الجنسين مختلف، والوظائف العضوية متباينة، والتركيبة النفسية متغايرة، وآلية عمل الدماغ لكل جنس منفصلة، وعليه لا تصح المساواة المطلقة بينهما، كما لا تصح مساواة الماس بالياقوت في عالم الأحجار الكريمة على فضلهما.
هذه الحقيقة الكونية من اختلاف جنسَي الرجال والنساء تقر بها كل الشعوب والأمم على مر العصور، ومِن ذلك قول جدة المسيح عليه السلام، أم مريم: "قالت رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى" (آل عمران: 36)، ولكن بسبب الانحراف عن دين الله عز وجل والإعراض عن شرائع الأنبياء تسود حالة من الجاهلية والظلم تجاه الرجل والمرأة، ولكن يكون الظلم والعدوان على حقوق المرأة أكبر بسبب طبيعة الرجل العدوانية وما تميز به من قوة عضلية، وقد عرفت البشرية أصنافا بشعة متعددة من العدوان على المرأة عبر التاريخ لدى الأمم والشعوب، وقد استعرض كثير منها العلامة أبو الحسن الندوي في كتابه الهام "ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين".
وقصة دعوات المساواة المطلقة بين المرأة والرجل في بلاد الإسلام هي على غرار أزمة ظلم الكنيسة وتحريف النصرانية التي حاربت العلم فاتجهت أوربا للعلمانية ومحاربة الدين، ثم قلّدهم بعض جهلة المسلمين برغم أن الإسلام لا يصادم العلم، وليس في الإسلام كهنوت! فعالم الغرب شهد ظلماً كبيراً للمرأة اشتركت فيه الثقافة اليونانية والإغريقية ثم تشربته أوربا المسيحية فكانت المرأة تعد شيطانا ونجسة وسببا للخطيئة ولا تدخل الجنة و... ، فجاءت المطالبة بإنصاف المرأة بعد أن تعرفت أوربا على حالة رقي المرأة المسلمة عبر التواصل مع الأندلس أو عبر الاحتكاك بالمسلمين في الحروب الصليبية في الشرق.
وتواصلت المطالبة العلمانية بالمساواة المطلقة للمرأة بالرجل في الأمم المتحدة منذ عام 1946م، ثم تلقفها في بلادنا أذناب المحتلين دون بصيرة أو وعي، من جعل اسم الزوجة تبعاً لاسم زوجها كما في الغرب حتى تجاوزت مطالبهم اليوم المساواة في الإرث وتعدد الأزواج والإباحية والشذوذ! إلى إنكار ما جاء في القرآن مِن أن الإنسان الأول هو رجل، أي آدم عليه السلام! لأن الحكاية ليست حكاية امرأة مظلومة بل منظومة إلحاد تحاول التسرب خلف ستار قضية المرأة.
ولنا في واقع الغرب والشعوب التي قلّدته في المساواة المطلقة المزعومة عِبرة وعِظة، فبرغم كل مؤتمراتهم وقراراتهم وقوانينهم إلا أن ما تحقق فعلياً هو مساواة شكلية، فلا تزال مشاركة النساء في المناصب القيادية السياسية والعسكرية والاقتصادية جداً محدودة، وفي المقابل تدمرت الأسرة هناك بشكل هائل جدا، ولا تزال الجرائم ضد المرأة في ازدياد بحيث أن جرائم الاغتصاب هناك تقع كل بضع دقائق فضلاً عن جرائم التحرش التي لا يمكن حصرها حتى في الثواني!! مما حدا بكثير من القيادات النسائية لإعلان تراجعهن عن فكرة المساواة المطلقة بالرجل واعترافهن بخطر هذه الفكرة والفلسفة على حياتهن النفسية والبدنية وحياة أسرهن وأطفالهن.
ورغم أن قضية المرأة في عالم الإسلام -في حقيقتها اليوم- هي نفس قضية الرجل وهي حالة التخبط والقلق والظلم بسبب البعد عن تطبيق شرع الله عز وجل والتحاكم إليه، فالمرأة تُظلم في ميراثها بسبب العوائد الجاهلية والتقاليد البالية وعدم التزام تطبيق الشريعة من الرجال والنساء -برغم أن بعضهم يحج ويصوم ويصلي ويزكي- وليس بسبب أحكام الشريعة، والمرأة والرجل يتعرضان للعنف والعدوان من الأفراد والمجتمع والدولة بسبب غياب تحكيم شرع الرحمن.
الإسلام يقيم نظرته لعلاقة المرأة والرجل على أساس المساواة في غالب الجوانب والعدل في قسم قليل منها، والعدل مرتبة فوق المساواة، وفوق العدل مرتبة الإحسان.
فالإسلام يأمر ويقرر المساواة بين المرأة والرجل في الجوانب التالية:
1- المساواة بالإنسانية "يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً" (النساء: 1).
2- المساواة بالتكاليف الدينية "والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم" (التوبة: 71).
3- المساواة بالثواب والعقاب في الدنيا والآخرة "من عمِل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينّه حياة طيبة ولنجزينّهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون" (النحل: 97)
 "والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالاً من الله والله عزيز حكيم" (المائدة: 38).
4- المساواة المالية "للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قلّ منه أو كثر" (النساء: 7).
5- المساواة بالحقوق والواجبات الزوجية والحياتية والمدنية في غالبيتها "ولهنّ مثل الذي عليهن بالمعروف" (البقرة: 228).
وبخلاف هذه المساحات الواسعة جداً من المساواة بين المرأة والرجل التي شرعها الإسلام والتي سبق بها كل مواثيق حقوق الإنسان المعاصرة، فإن هناك مساحات محدودة في علاقة المرأة بالرجل تعامل معها الإسلام بالعدل وليس المساواة، حيث راعى طبيعة المرأة واختلافها عن الرجل فشرع لها يناسبها، وهي تنحصر في:
1- تخفيف بعض التكاليف الشرعية عن المرأة كصلاة الجماعة والجهاد، واختصاصها بتكاليف أخرى كالحجاب.
2- جعل دية المرأة المقتولة خطأ بمقدار نصف دية الرجل.
3- جعل نصيب الأخت في الميراث نصف نصيب الأخ، بينما في حالات أخرى في الميراث تتساوى الأم مع الأب، وهناك حالات في الميراث يفوق فيها نصيب المرأة نصيب الرجل.
4- جعل شهادة المرأتين في القضايا العامة تعدل شهادة الرجل، بينما تقبل شهادة المرأة منفردة في القضايا التي لا يطلع عليها الرجال غالبا من الولادة والرضاعة وما شابه.
5- جعل قوامة الأسرة بيد الرجل.
وهذه القضايا تَعامل الإسلام فيها بالعدل وليس المساواة وذلك حتى يتمكن كل من الرجل والمرأة من التكامل وأداء دوره ووظيفته، ولتقريب الفكرة نضرب هذا المثال: إن أصابع اليد الواحدة متشابهة ولكن ليست متساوية لاختلاف وظيفة كل أصبع، ولو تخيلنا تساوي أصابع اليد في الطول مثلاً هل كانت اليد تستطيع إنجاز كل الوظائف كما تفعل الآن مع اختلاف وعدم تساوي الأصابع؟
وهذه القضايا التي تعامل معها الإسلام بالعدل وليس بالمساواة تحتاج إلى مزيد من التفصيل بسبب كم الإشاعات والأغاليط التي يروجها دعاة العلمنة عنها، فندعها للمرة القادمة بمشيئة الله.