"النص الشرعي بين الأصالة والمعاصرة" هذا هو عنوان المؤتمر الأول للجمعية الأردنية للثقافة المجتمعية والذي عقد يومي 28-29/4/2012 بعمان تحت رعاية د. أمين القضاة عميد كلية الشريعة بالجامعة الأردنية، وكان د. محمد خالد منصور رئيس اللجنة التحضيرية للمؤتمر، حيث استقطب المؤتمر العديد من الباحثين والمتخصصين وطلبة الدراسات العليا ومحبي العلم الشرعي، فممن شارك من الأردن د.علي عجين، د. عطا الله المعايطة، د. سامى عطا، د. أنس المصري، د. عبدالله الخطيب، ومن السعودية شارك كلاً أ د. عبدالرحمن المحمود، د.حسن عبد الحميد البخاري، أ د.محمد عبد العزيز العواجي، ومن مصر شارك أ د. عبد الله شاكر رئيس جماعة أنصار السنة المحمدية، ومن الجزائر د. عز الدين الأخضر، ود. محمد عبد الحليم بيشي، والباحث محمد رمضاني، ومن المغرب أ د. يو سف العياشي. وكان من أبرز رعاة هذا المؤتمر جمعية الكتاب والسنة بالأردن ومجلة البيان المعروفة والتي حضر رئيس تحريرها د. أحمد الصويان جلسات المؤتمر، بالإضافة لعدد من الشركات التجارية. ولقد كانت جلسات المؤتمر مليئة بالأوراق العلمية رفيعة المستوى، والتي قوبلت بالكثير من المداخلات الراقية والإضافات الدقيقة، ومن أجمل ما شهده المؤتمر تلاقي وتلاقح أفكار باحثي المشرق بنظرائهم من المغرب العربي الذين قدموا أبحاثاً متميزة ذات نكهة خاصة تكشف عن رقي وتطور مدهش لم نطلع عليه بشكل كاف بسبب عامل اللهجة المختلفة وقلة توفر الكتب والمجلات التي تصدر هناك فضلاً عن قلة الزيارات لرموز المغرب العربي للمشرق مع الأسف. أهمية المؤتمر تأتي من ناحيتين، الأولى: أهمية الموضوع وهو النص الشرعي المتمثل بالوحي الإلهي قرآناً وسنة صحيحة، وهو النص الإلهي الوحيد على الأرض المحفوظ والمعصوم، ومن ناحية أخرى: اللحظة الزمنية التي تشهد صعود وتقدم الخطاب الإسلامي المستند على النص الشرعي بسبب موسم الربيع العربي الواعد. فمما يجب أن يكون واضحاً لكل مسلم وفرد في أمتنا أننا الأمة الوحيدة على الأرض التي تملك النص الإلهي الصحيح والمعجز، والذي يحتوي على الحقيقة المطلقة " قل يا أيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنا عليكم بوكيل " (يونس، 108)، ومن هنا فإننا يجب أن نفتخر بذلك أولاً، وأن نتقيد بتوجيهاته ثانياً حتى نصل للسعادة التي يبحث العالم عنها دون جدوى، وهذا لا يكون إلا بتقدير واحترام وإجلال النص الشرعي الإلهي، والاهتمام بدراسة وفهم واتباع هذا النص الإلهي المعجز والمتجدد العطاء والذي يحتوي من الأسس والكليات ما يكفي حاجات البشرية من جهة ويصلح أحوالها من جهة أخرى، قال تعالى: " ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء " (النحل، 89). وقال أيضاً عن أتباع النبي صلى الله عليه وسلم الذين قبلوا القرآن وتقيدوا به: " فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون " (الأعراف،157) فهم مفلحون في الدنيا كما حدث للصحابة والتابعين ومن سار على دربهم الذين ملكوا الدنيا بالحق وساروا فيها بالعدل، ومفلحون في الآخرة بدخول الجنة ومرافقة النبي صلى الله عليه وسلم ورؤية الله عز وجل فيها وهو أكبر النعيم. محاور المؤتمر تناولت القضايا التالية: تعظيم النص الشرعي، جهود في حراسة النص الشرعي، النص الشرعي والاجتهاد، التعدي على النص الشرعي، الحداثيون والنص الشرعي. ومن أهم القضايا التي اتفق عليها المؤتمرون أن النص الشرعي له خصوصية فريدة تمنع من التعامل معه على غرار النصوص الأخرى سواء الدينية أو البشرية، فالنص الشرعي الإسلامي هو نص إلهي معصوم ومحفوظ ومعجز، بخلاف النصوص الدينية الأخرى التي لا يزعم حتى أصحابها أنها نصوص إلهية معصومة ومحفوظة، ولذلك فهي لا تخلو من خطأ أو تناقض أو نقص أو عيب بخلاف النص الشرعي الإسلامي، وهو الأمر المجمع والمتفق عليه بين الباحثين على اختلاف أديانهم. كما أن النص الشرعي الإلهي لا يصح بأي حال من الأحوال التعامل معه كما يُتعامل مع النصوص البشرية القاصرة والناقصة، وكما أن النصوص البشرية مختلفة بين نصوص أدبية ونصوص علمية ونصوص قانونية ولا يمكن التعامل معها بوتيرة واحدة ومنهج متماثل، فالنص الشرعي خصوصية أكثر أن لا يتعامل معه بمناهج النصوص البشرية، ولكن كما أن النص البشري العلمي يستحق منهج قراءة خاصا به عن المنهج الأدبي، فإن النص الإلهي له منهج خاص في التعامل معه، وهو ما تفردت به الأمة الإسلامية حين ابتكرت علم الإسناد الذي نتوثق من خلاله من صحة نسبة النص الشرعي، وهو ما يستحق أن نفرد له عدة مقالات لتوضيح جوانب عظمة المنهج الإسلامي وسبقه وريادته للعالم والبشرية في هذا المجال. ومن خلال ابتكار علم أصول الفقه والذي لا يزال يُعمل بكثير من جزئياته في العالم أجمع من خلال قواعد وأصول التشريعات والقوانين. واتفق الحاضرون على أن المنهج السليم لفهم النص الشرعي هو منهج سلف الأمة من الصحابة والتابعين الذين تنزل القرآن عليهم وتلقوه غضا طرياً وشاهدوا تطبيق النبي صلى الله عليه وسلم له، وكان البرهان الأكبر على سلامة منهجهم في فهم النص الشرعي وصواب تطبيقهم لمقتضياته ما شهدته البشرية من نهضة إيمانية وعلمية وخُلقية وانتشار العمران وسيادة العدل والرحمة وظهور البركة في كل مكان وصلته أنوار النص الشرعي، حيث عمت أنواره في 90 عاماً ما بين الصين شرقاً والأطلسي غرباً إلى فرنسا في الشمال وأعماق أفريقيا في الجنوب. وتناولت الأبحاث محاولات بعض المغرضين من الالتفاف على النص الشرعي بوسائل ماكرة، فبعضهم لجأ إلى الطعن بالنص الشرعي تحت حجج ومبررات شرعية إسلامية كعلاقة النص بالمصلحة، وهي علاقة أكيدة صحيحة، لكنهم لجأوا للتلاعب من خلال إحلال المصالح غير الشرعية محل المصالح الشرعية المعتبرة في علاقتها بالنص الشرعي، ومن أمثلة ذلك ما ينادي به البعض جرياً على نهج الثقافة الغربية العلمانية الوافدة التي تُعلي من شأن اللذة "النيرفانا" على أي مقابل لها، طالبوا برد النصوص الشرعية التي تتعارض مع اللذة بغض النظر عن كون هذه اللذة حقاً أو باطلاً حلالاً أو حراماً، وجعلوا كل من رفض رد النص لمثل هذه المصلحة أنه نصوصي! جامد! لا يعتبر المصالح! وهكذا في لعبة خداع وتلاعب بالمصطلحات البراقة (المصلحة) والعواطف الساذجة. كما تناولت الأبحاث كشف وفضح المنهج الحداثي على وجه الخصوص في تلاعبه ومكره مع النصوص الشرعية بالرد حيناً أو التحريف أو التأويل في أحايين أخرى، وبينت هذه الأبحاث أن محاولات الحداثيين على اختلاف مشاربهم ومناهجهم وطرائقهم تشترك في غياب الأمانة العلمية وعدم اتباع منهج موحد في البحث ولكنهم يلفقون بين المناهج للوصول لنتائج مقررة سلفاً فضلاً عن جهلهم الفاضح بالحقائق والعلوم الشرعية، واقتحامهم ميادين علمية ليست من اختصاصهم!! ومن أشهر الأمثلة على ذلك جهل نصر حامد أبو زيد والذي يعد من قامات الحداثيين الكبيرة، والذي ألف كتاباً حول الإمام الشافعي، حين زعم أن الشافعي كان مواليا للدولة الأموية ومتعاوناً مع السلطة، بالرغم أن الشافعي ولد عام 150 هـ أي في عهد الدولة العباسية الذي بدأ عام 132هـ، وهو الأمر الذي يعرفه أصغر باحث في تراث الشافعي!! وختم المؤتمر أعماله بوضع نواة وثيقة للتعامل مع النص الشرعي لتكون منهجاً علمياً مؤطراً للجهود حتى تتراكم المعرفة ويحدث التغيير المنشود من التمسك بالنص الشرعي. وقد وعدت إدارة المؤتمر والجمعية الأردنية للثقافة المجتمعية بإتاحة الأبحاث للراغبين قريباً على موقعها الإلكترونى والسعي لطباعتها لتكون في متناول الباحثين والمهتمين وترفد بها المكتبات العامة، ونسأل الله أن يكون ذلك قريباً. وفي الختام لا بد من شكر الجمعية على مبادرتها الرائعة، مع حثها على تنفيذ توصية المشاركين بعقد مؤتمر قادم بعنوان "التجديد في العلوم الشرعية بين الحاجة والمجازفة".
النص الشرعي بين الأصالة والمعاصرة
2014/06/01
الرابط المختصر
Image