النفوذ الإيراني في قطاع غزة الشواهد والدلالات

الرابط المختصر
Image
النفوذ الإيراني في قطاع غزة الشواهد والدلالات

هذه دراسة فريدة في موضوعها وبابها، وقام بها الباحث الغزّي د. عدنان أبو عامر، وهو متخصص في الشأن الفلسطيني ومحسوب على التيار الإسلامي مما يضاعف من أهمية الدراسة.
صدرت الدراسة باللغتين العربية والإنجليزية عن مؤسسة فريدريش إيبرت الألمانية - فرع القدس سنة 2011م، وتقع في 40 صفحة لكل لغة من الحجم المتوسط.
قضية النفوذ الإيراني في غزة قضية تثار بشكل دوري بسبب تعمد نظام الملالي التلاعب الإعلامي بها والضغط على حلفائه من حركتي الجهاد وحماس لإطلاق تصريحات إعلامية تمدح وتخدم مصالح إيران، ومن آخر مواسم هذه التصريحات الفلسطينية الداعمة لإيران تصريحات رمضان شلح، أمين عام حركة الجهاد، وموسى أبو مرزوق، القيادي البارز في حماس والمرشح لخلافة خالد مشعل، في منتصف عام 2016 برغم المجازر الإيرانية بحق الشعب الفلسطيني والسوري والعراقي واليمني!
جاءت الدراسة لتجيب عن الأسئلة التالية:
لماذا تسعى إيران إلى امتلاك دور ونفوذ حقيقي في قطاع غزة؟
كيف تنظر إيران إلى هذه المنطقة ومدى تأثير دورها فيها على واقعها الإقليمي والدولي؟
إلى أي حد تدخلت إيران في قطاع غزة لتجيير هذا التدخل لخدمة مصالحها الاستراتيجية؟
ما هي طبيعة الدور الإيراني في القطاع على مختلف الأصعدة وأثره الواقعي والعلاقة مع إسرائيل؟ 
في البداية أنبّه على أن هذه الدراسة، برغم صدورها سنة 2011، إلا أنها صالحة لهذه اللحظة وذلك حين نستحضر تصريح أبو مرزوق في بداية سنة 2016 عن أن الدعم الإيراني متوقف عن حركة حماس منذ عام 2009، وعليه فلا يحاول أحد المراوغة والخداع بزعم وجود دعم إيراني مهم بعد صدور الدراسة، نعم، بقي نوع من الدعم لحركة الجهاد في هذه المرحلة وهو دعم محدود لفصيل محدود، وأيضا تقطع هذا الدعم في نهاية سنة 2014 وحدثت أزمة دعم إيران لانشقاق حركة الصابرين عن حركة الجهاد، حتى تبدلت الأمور مطلع 2016 وعاد شلح لزيارة طهران وإطلاق سيل المديح لها عقب تجريم إيران في القمة الإسلامية بإسطنبول 2016!
في بيان دوافع النفوذ الإيراني في غزة يقول د. عدنان عامر إن إيران ترى في إسرائيل مصدر تهديد لها، ولكن لا يعني ذلك الانجرار لحرب عمياء معها، كما أن إيران ترى في نفوذها في غزة وسيلة للتغطية على خلافها الطائفي مع الغالبية السنية ودولها، كما أنها تعد إحدى أوراق إيران في معركة برنامجها النووي.
كما أن هذا النفوذ في غزة يمنحها "شيكاً على بياض" و"بوليصة تأمين" لدى الرأي العام الفلسطيني، وتملك إيران من خلال دعم الجماعات الفلسطينية المسلحة "ممتلكات احتياطية" لتكسب بها ود الرأي العام العربي ضد خصومها العرب، فضلا عن تطلعها لتوظيف هذه العلاقة من الجماعات الفلسطينية في استراتيجيتها "الدفاع غير المتماثل" ضد خصومها على غرار ما تفعل المليشيات الشيعية من مختلف دول العالم اليوم في سوريا والعراق.  
لكن يختم د. عدنان هذا المحور بالتنبيه على أن الشارع الفلسطيني سريع التغير ضد إيران عندما ترتكب عدوانا على الأمة وأهل فلسطين، وضرب مثالاً لذلك بتراجع شعبيتها في الشارع الفلسطيني عقب مساندتها غزو العراق والهيمنة عليه واضطهاد الفلسطينيين هناك سنة 2003.
أما في محور أوجه الدعم الإيراني فيرصد الباحث ما يلي:
أولاً: تؤكد حركة حماس أن الدعم المالي الرئيسي لها كان وما زال عربياً شعبياً بمساهمات القطاع الخاص في الخليج والمحيط العربي.
وأن الدعم الإيراني بدأ نهاية 2002، وكان الدعم الثابت لحركتي الجهاد والحماس هو مقابل خدمة أجندة إيران السياسية والاستراتيجية، وأن الدعم العسكري جاء في توقيت رغبة طهران بإفشال المسار التفاوضي مع إسرائيل، ولكنها عادت للقبول به عبر تصريحات الرئيسين السابقين رفسنجاني وخاتمي "نقبل بما يقبل به الفلسطينيون" لكن بشرط أن تكون إيران جزءا من لعبة المفاوضات! وبرغم ذلك فإن حماس لم تحصل إلا على 20 مليون دولار سنويا ثم 50 مليونا، وحركة الجهاد على مليونين، في حين أن حزب الله حصل على 200 مليون ثم 300 عقب حرب 2006.
وعقب تشكيل حكومة حماس في 2006 دعمت إيران حماس بقيمة 250 مليونا، وفي 2007 بقيمة 145 مليونا، ولا توجد أرقام عن سنتي 2008 و2009، ثم توقف الدعم -كما يقول أبو مرزوق-، وهنا سؤال يُطرح: ماذا حدث في 2009 ليتوقف الدعم الإيراني؟
وينقل الباحث عن أحد القيادات المقربة من حركة حماس أنها قبلت الدعم الإيراني لفك الحصار رغم معرفتها أن العلاقة مع إيران تعزز مكانة الأخيرة لدى الشعوب العربية وتسمح بزيادة التغلغل الإيراني في المنطقة.
ويشير الباحث إلى أنه عقب حرب 2008 على غزة وظهور التخاذل الإيراني والاكتفاء بالتصريحات العنترية دون عمل حقيقي، توترت العلاقة وبدأت تتقلص الإمدادات المالية، وتأكد لحماس أن المطلوب من وراء المال الإيراني "تشكيل أحلاف" وأنه لا يوجد مال بلا ثمن.
أما الدعم العسكري فلا يوجد تصريح إيراني به بل تحاول إيران إنكاره! وينقل الباحث عن مقابلة مع أحد قادة كتائب القسام التابعة لحماس في صحيفة الصاندي تايمز أن إيران دربت أفرادا من القسام، وزودتهم بصواريخ، ومعرفة لتطوير الصناعة العسكرية، وأن تهريب السلاح يتم عبر الصومال والسودان مرورا بمصر وسيناء.
لكن المثير -بحسب الباحث- أن التدريبات الإيرانية لم تعد تفيد القسام كثيراً وأن الحرس الثوري يتعمد ألاّ يقدم كل ما تريده كتائب القسام من تدريب أو معرفة عسكرية، في ابتزاز واضح وسعي للحصول على تبعية كاملة!
ويختم الباحث هذا المحور بالتأكيد على أن إيران تهدف من كل ذلك إلى توظيف الجهاد وحماس في أي صراع تخوضه من خلال فتحهم لمعركة جانبية تخدم إيران، إلا أن الباحث من خلال مقابلات مع قادة عسكريين في غزة أكدوا للباحث رفضهم للرؤية والغاية الإيرانية، وأنهم يتعاملون مع إيران بوصفها دولة مؤثرة على حلفائها الفلسطينيين وليست دولة مسيطرة.
أما بخصوص الدعم السياسي والمعنوي فهو لا يزيد عن خطابات حماسية وشعارات شعبية لاعتبارات سياسية بحتة، ولذلك حين وقعت حرب 2008 لم تقدم إيران سوى تصريحات جوفاء، لأنها لن تخاطر برفع الصراع مع إسرائيل لخط المواجهة، وخروجًا من مأزقها لجأت لتوجيه الانتقادات والاتهامات للدول العربية! وحاولت الضغط على حماس برفض التهدئة والوساطة العربية لحين توفر ظروف تتوافق مع المصالح الإيرانية!
أما الدعم الإعلامي والدعائي فقد تجسد في منح الجهاد وحماس مساحة واسعة في الإعلام الإيراني وتوابعه، وبالمقابل ابتعد إعلام الجهاد وحماس عن أي قضية تزعج إيران ولو تعلق بعدوان إيراني على الدول العربية، واكتفى إعلام الجهاد خاصة بمدح إيران وتسويقها بين العرب.
تناول المحور الثالث المواقف من النفوذ الإيراني في غزة، حيث يؤكد الباحث أن هناك قناعة راسخة عند الرافضين والمؤيدين لنفوذ إيران في غزة بأن هذا النفوذ هو لخدمة المصالح الإيرانية ولو بأساليب متنوعة صراعية أو تفاوضية.
فالحركات الإسلامية كالجهاد وحماس تؤيد التعاون مع إيران باعتبارها حليفا استراتيجيا في الصراع مع إسرائيل وترى في دعمها مصدرا جديدا لمساندتها في الصراع، وتؤكد هذه القوى أن هذا الدعم هو فقط لاستراتيجية المقاومة ضد إسرائيل ولن تقبل أن تنخرط في مشروع إيران التوسعي ولن تقبل أن تكون علاقتها مع إيران على حساب علاقتها بالأطراف العربية الأخرى.
بينما يعارض هذا النفوذ الإيراني في غزة أطراف كثيرة منها حركة فتح والسلطة الفلسطينية والدول العربية، وعرَض الباحث لتصريحات إسرائيلية متباينة، بعضها يجعل من حماس أداة إيرانية بالكامل، وأخرى تصف حماس بأنها حركة قومية تعلي راية الوطنية الفلسطينية على البعد الإسلامي الذي تتشدق به إيران.
وجاء المحور الرابع لرصد الدور الإيراني في مرحلة ما بعد الحصار المفروض منذ منتصف 2006، حيث تميز هذا الدور بالكثير من الكلام والقليل من الفعل، بخلاف الدور التركي الذي فعل الكثير وقال القليل!
وشكلت سيطرة حماس على غزة منتصف 2007 فرصة وتهديدا للنفوذ الإيراني في آنٍ واحد، فهي تزيد من قوة الردع الإيرانية، ويجعلها طرفا مشاركا مباشرة وعلى تماس مع إسرائيل، لكنها تخل بسياسة إيران الثابتة أن لا تشتبك مع إسرائيل بشكل مباشر وإنما من خلال وكلاء!
تطرق الباحث لقضية التشيع في غزة، فبرغم عدم ترحيب حماس بطائفية النظام الإيراني وسعيه لنشر التشيع في العالم، وأنها تحصر العلاقة معه في البعد السياسي، إلا أن إيران لم تكتف بالدور السياسي في غزة، بل عمدت من خلال حركة الجهاد لنشر التشيع عبر مقالات وبرامج في قنواتها الإعلامية، وعبر إرسال الجرحى إلى طهران، وتأسيس جمعيات خيرية وثقافية شيعية، وغيرها من الخطوات.
وكان تصريح أحمد يوسف مستشار رئيس حكومة حماس "ما العيب أن تكون شيعيا؟ فالشيعة هم عز هذا الزمان"، مثيراً لكثير من التساؤلات عن حقيقة العلاقة بين الطرفين، وهل تسعى إيران لمشاغلة حماس بالبعد السياسي بينما هي تمرر مخططاتها الشيعية عبر الجهاد؟ أم فلت الزمام من حماس؟ برغم أن هناك قيادات في حماس الداخل والخارج تنتقد المشروع الإيراني الشيعي.
وقد رفضت حماس إنشاء إيران لمستشفى في غزة لاشتراطها وجود مشرف عليه من قبلها، ثم عاودت الطلب بأن يكون باسم الخميني، وتجدد الرفض.
وخصص الباحث المحور الخامس لبيان وجوه الاختلاف بين حماس وإيران، لبيان أن علاقة حماس مع إيران لا تصل لمرحلة التبعية والهيمنة.
فحماس لها علاقة بمختلف الدول العربية تتراوح بين الإيجابية والطبيعية، بخلاف إيران التي لها عداوات مع كثير من الدول العربية، وأدانت حماس إعدام الرئيس صدام حسين بينما احتفلت طهران بذلك، كما يتعاطى إعلام حماس بشكل مغاير عن الإعلام الإيراني بخصوص المقاومة العراقية والأفغانية التي تحاربها إيران، وأدانت حماس وكلاء إيران في العراق بشكل غير مباشر على جرائمهم بحق الفلسطينيين، وكذلك سرعة استجابة حماس للسعودية في اتفاق مكة بخلاف الرغبة الإيرانية، ونشأة حماس كانت سنية من داخل جماعة الإخوان المسلمين.
ويختم الباحث بالتأكيد على أن العلاقة ليست علاقة هيمنة ورضوخ، بل محاولة من حماس لإيجاد دعم لبرنامجها الوطني الفلسطيني، وأنها تناور في هذا المجال ولا تهدف لتوسيع دائرة أهدافها، برغم إدراكها أن لإيران مصالح يجب أن تراعى ضمن مجال المناورة.