يأتي هذا الكتاب ضمن سلسلة دراسات في الحالة الإسلامية، التي يصدرها مركز نماء للبحوث والدراسات، والكتاب من تأليف محمد توفيق، وجاء في 220 صفحة من القطع المتوسط، وكانت طبعته الأولى سنة 2015 في بيروت.
يبدأ المؤلف كتابه بتمهيد حول معنى النقد وغايته، وأن القصد منه التقويم والبناء والترميم لا الهدم، وهذا يقتضى مراعاة الظرف السوسيولوجي (الاجتماعي والثقافي) – النفسي الذي يخضع له الطرف المنقود، حتى يحقق فائدة النصح والتقبل.
ويوضح الكاتب غرض الدراسة بأنه تقديم تصور أكثر موضوعية وعلمية في دراسة وبحث جماعات القتال والعنف من خلال استنطاق قادة الجماعات، والجماعات نفسها، في مقابل الكم الكبير من الدراسات الخارجية عنهم، والتي تتصف بالجهل وعدم فهم كثير من منطلقاتهم، خاصة أن الجماعات القتالية تتميز بالتعقيد في أفكارها وعلاقاتها وذلك بسبب كثرة التقلبات الفكرية والتنظيمية والحركية، وفرط سيولة مواقف هذه الجماعات مع الأحداث، كما أنها تتميز بالأنا الجهادية الاحتكارية للحق والحقيقة! هذا كان الفصل الأول من الكتاب.
جاء الفصل الثاني ليعرض في المبحث الأول 3 نماذج من النقد لأفراد من هذا التيار وهم: أبو الوليد المصري (مصطفى حامد)، وأبو مصعب السوري، وأبو أيمن الحموي.
وأبو الوليد المصري له العديد من الكتب والكتابات النقدية لجماعات القتال، وهو مؤيد لحركة طالبان، ينتقد أبو الوليد على جماعات القتال أنها منغلقة على نفسها وتحارب بأفرادها أمتها باعتبارهم في معسكر الأعداء بخلاف طالبان التي تحارب بمجتمعها عدوها وعدوهم الخارجي، لكنه يأخذ على طالبان تقصيرها في توظيف الإعلام كسلاح في معركتها، وينتقد بساطة تصور طالبان والقاعدة للمواجهة مع أمريكا، وبسبب السذاجة السياسية وضعف تقدير الواقع كان من السهولة اختراق أجهزة المخابرات لصفوفهما.
أما أبو مصعب السوري فهو ينتقد رفض التيار الإسلامي بعامة، والجهادي بخاصة، للنقد والتقويم والمراجعة بسبب التمسك بالمألوف وتقديس الرجال والقيادات وممانعة المستفيدين من الأوضاع المائلة!
ويلخص واقع العمل الإسلامي الجهادي بقوله: "في خلاصة مسارنا عبر أربعين سنة ما يمكن تلخيصه في كلمتين (لقد كسبنا معارك كثيرة ولكننا خسرنا الحرب في كل الميادين)".
ويجمل أخطاء التيار القتالي في:
1- خطأ في التفكير كالتشدد والتكفير، وضعف التربية الواعية وغياب فقه الواقع والسياسة الشرعية.
2- خطأ في بنية التيار كالسرية والهرمية والقطرية، وغياب الشوري وانعدام الحس الأمني.
3- خطأ في الأسلوب بالصدام مع بقية الإسلاميين والمواجهات الطويلة.
أما أبو أيمن الحموي فركز على نقد إعراض الجهاديين عن التعلم من أخطائهم واستعلائهم وتكبرهم على بقية المسلمين وتحول شرعي التنظيمات الإسلامية لعلماء سلطان لصالح قياداتهم التنظيمية، وغيرها.
وجاء المبحث الثاني ليستعرض نقد أفراد لأفراد من التيار القتالي وعرض 10 نماذج، هي:
1- نقد أبي الوليد المصري لسياسات ابن لادن المخالفة لأوامر الملا عمر أمير المؤمنين!
2- نقد المقدسي للزرقاوي في العمليات الاستشهادية وقتل المدنيين وتوسيع دائرة الصراع والتهديدات الإعلامية الجوفاء للعالم وترك القيادة للعراقيين أبناء البلد.
3- نقد أبي مصعب السوري لأبي قتادة الفلسطيني في تهوره بتأجيج التطرف والغلو في الجزائر.
4- نقد الظواهري لسيد إمام على كتابه "وثيقة ترشيد العمل الجهادي"، وهنا عرض وجهة نظر الظواهري، ولم يعرض وجهة نظر سيد إمام برغم أنه هو الذي ابتدأ نقد مسار الظواهري.
5- نقد أحمد سلامة لوثيقة سيد إمام.
6- نقد مجلس شورى جماعة الجهاد لسيد إمام.
7- نقد أبي بصير الطرطوسي للمقدسي حول الثورة السورية.
8- نقد الطرطوسي لسيد إمام.
9- موقف عبود الزمر من مراجعات الجماعة الإسلامية المصرية.
10 – انتقادات الجماعة الإسلامية المصرية على تنظيم القاعدة.
وهذه الانتقادات تكشف عن حجم التباين والتناقض في فكر جماعات القتال والعنف بينما يظن كثير من الشباب أنها ذات موقف فكري موحد وصلب تجاه المميعين من العلماء والمنبطحين من الدعاة، وإذا بهذه الجماعات والقيادات متناحرة متصارعة لا تكاد تتوافق على مفاصل كبرى!
وجاء المبحث الثالث ليرصد النقد الموجه لتنظيم داعش، حيث رصد تطورات نقد وخلاف الظواهري والجولاني مع داعش وخليفته البغدادي، ثم نقد المقدسي لداعش، ثم نقد أبي قتادة لداعش، ثم خلافات أحرار الشام والجبهة الإسلامية مع داعش، ثم نقد إياد القنيبي لداعش.
وخصص المؤلف الفصل الثالث ليفكك الحالة النقدية لهذا التيار في 4 مباحث، هي:
1- خصائص هذا النقد الجهادي الذاتي: الوضوح والصراحة، المثالية، ردة فعل وتعليق على ما وقع، عنيف لفظيا، وكم وكيف جيد بحسب المؤلف.
2- مساحات اشتغال هذا النقد الذاتي: في الجانب الفكري والشرعي رفضت التشدد والتعصب الفكري والمذهبي، وبينت غياب فقه الواقع عن فكرهم، خلل الجهاز المفاهيمي للتيار، نقد كثير من سلوكيات التكبر والاستعلاء.
في الجانب الحركي انتقدت مركزية اتخاذ القرار، التنظيمات السرية والهرمية، خلل الحس الأمني، التهاون في تقدير قوة العدو.
في الجانب السياسي والاجتماعي كشفت ضعف الوعي الحضاري وضعف الصلة بالواقع مما أنتج تكرار الكوارث.
الجانب الأمني والعسكري كان ضبابياً وفي حالة داعش أثيرت شكوك حول تاريخ وخبرة التنظيم في تنفيذ أبشع أشكال القتل مع أرقى تقنيات التصوير والإخراج في مخاطبة الرأي العام العالمي!
3- تفسير ظاهرة النقد عند الجهاديين: وبسبب تداخل وتركيب ظاهرة جماعات القتال والجهاد فيلزم استخدام عدة أدوات تفسيرية تتنوع بين منظور علم الاجتماع الديني ومنظور تحليلي نقدي لخطابهم والمرحلة العمرية والزعامة والمرجعية وغيرها.
4- التحليل النهائي لظاهرة النقد الذاتي: يخلص الكاتب إلى أن هذا النقد يكشف عن ضعف علمي تأصيلي شرعي كما يتضح من ردود منظري هذا الفكر الجهادي على بعضهم البعض، كما يكشف عن ضعف في فهم الواقع السياسي القائم وكيفية التعامل معه، وهو ما أنتج العديد من الأخطاء والأزمات، من أهمها أن معظم ضحايا هذه التنظيمات هم أهل السنة الذين يزعم قادة هذه الجماعات أنهم يدافعون عنهم!
وأخيرا يبقي سؤال معلق ويبحث عن جواب: هل استفاد التيار من هذا النقد؟ وهل استفاد الوافدون الجدد لهذا التيار من هذا النقد؟
النقد الذاتي عند الإسلاميين 1- التيارات القتالية
2016/11/01
الرابط المختصر
Image