الوحي الرباني كيفياته وطرقه وروده

الرابط المختصر
Image
الوحي الرباني كيفياته وطرقه وروده

 تعددت كيفيات وطرق وُرود الوحي الرباني على الأنبياء، عليهم الصلاة والسلام، وبيّن القرآن الكريم والسنة النبوية تفاصيل ذلك، كما بيّن القرآن الكريم والسنة النبوية أنواع الوحي وأقسامه، وهذا شأن كلّ أمر عظيم وشأن جليل، ولذلك سأل بعض الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم عن طرق ورود الوحي.
فمعرفة كيفية طرق وروده معرفة مهمة وضرورية لجنس البشرية لأن الوحي الرباني هو سبيل الهداية والنجاة للبشرية من الضلال والجهل والشقاء بما يحتويه من العلم الكامل والصحيح لما تبحث عنه البشرية دومًا من معرفة حقيقة الوجود ونشأته ومستقبله وفهم عالم الغيب والوصول لخريطة الأمن والأمان في الدنيا عبر معرفة أصول الحق والعدل في العلاقة مع الخالق والمخلوق.
لقد تعددت طرق ورود الوحي على نبينا محمد، صلى الله عليه وسلم، كما حصل مع الأنبياء والرسل من قبله لقوله تعالى: "وما كان لبشرٍ أن يكلمه الله إلا وحياً أو من وراء حجاب أو يرسل رسولاً فيوحي بإذنه ما يشاء" (الشورى: 51)، ويمكن أن نرتبها كما يلى:
1- الرؤيا الصادقة: فعن عائشة، رضي الله عنها، قالت: "أول ما بدئ به رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق البحر" رواه البخاري، ورؤيا الأنبياء وحي رباني، ودليله قوله تعالى في قصة إبراهيم وذبح إسماعيل، عليهما السلام: "إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبتِ افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين" (الصافات: 102).
2- تكليم الله تعالى مباشرة من وراء حجاب: كما حصل ليلة المعراج مع نبيّنا، وفي الطور مع موسى، عليهما السلام.
3- النفث في الرُّوع: لقوله صلى الله عليه وسلم: "إن روح القدس نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها، فاتقوا الله وأجمِلوا في الطلب ولا يحملنكم استبطاء الرزق على أن تطلبوه بمعصية الله فإن ما عند الله لا يُنال إلا بطاعته" رواه الحاكم وصحّحه الألباني.
وقال المناوي: أي ألقى الوحي في خلَدي وبالي، أو في نفسي، أو قلبي، أو عقلي، من غير أن أسمعه ولا أراه.
4 - عن طريق جبريل عليه السلام، وكان يأتيه على ثلاث صور، هي:
أ- أن يأتيه على صورته الملائكية الحقيقية التي خلقه الله عليها وحدث ذلك مرتين، قال الله تعالى: "ولقد رآه بالأفق المبين" (التكوير: 23)، وكان ذلك في غار حراء حيث رأه قد سد الأفق وله ستمائة جناح، والثانية عند سدرة المنتهي ليلة الإسراء والمعراج، قال الله عز وجل: "ولقد رآه نزلةً أخرى*عند سدرة المنتهى*عندها جنة المأوى" (النجم: 13-15).
ب- أن يتمثل له بصورة إنسان، وقد يراه الصحابة، كما في حديث جبريل المشهور، حين سأله عن الإيمان والإسلام والإحسان. وقد لا يراه الصحابة، فقد سأل الحارث بن هشام، رضي الله عنه، النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله كيف يأتيك الوحي؟ فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "وأحياناً يتمثل لي الملك رجلاً فيكلمني فأعي ما يقول" متفق عليه.
ج- أن يأتيه خِفية لا يراه النبي، صلى الله عليه وسلم، وأصحابه، لكنهم يشعرون بانفعاله، عليه الصلاة والسلام، وتلقيه للوحي، وقد أخبر النبي، صلى الله عليه وسلم، عن هذه الحالة لما سأله الحارث بن هشام عن كيفية الوحي بقوله: "أحياناً يأتيني مثل صلصلة الجرس، وهو أشدّه علي، فيفصم عني وقد وعيت ما قال" متفق عليه. 
بينما كان الصحابة يسمعون دويّا كدوي النحل عند رأسه صلى الله عليه وسلم في هذه الحالة، وقد يسمعون له غطيطا، وكان عليه الصلاة والسلام في هذه الحالة يخفض رأسه ويعرق بكثرة جبينه وجبهته، حتى في اليوم الشديد البرد، ويثقل وزنه، صلى الله عليه وسلم، جدّاً، فإذا كان راكبا على بعير لا يتحمل وزنه فيكاد يبرك، ولو كان فخذ النبي، صلى الله عليه وسلم، فوق فخذ أحد فإنه يخشى أن ترض فخذه من ثقل فخذ النبي في لحظة نزول الوحي، وكانت تصيبه شدة كبيرة ويتغير لون وجهه، وهذا كله أخبر عنه الله عز وجل في القرآن الكريم بقوله "إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلا" (المزمل: 5).
وكان صلى الله عليه وسلم يحرِّك لسانه بسرعة وشدة ليحفظ عن جبريل القرآن الكريم حتى نهاه الله عن ذلك وطمأنه أنه سيجمع القرآن له في صدره كما قال تعالى: "لا تحرّك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه فإذا قرأناه فاتّبع قرآنه" (القيامة: 16-18).
هذه هي كيفيات الوحي الرباني للنبي محمد، صلى الله عليه وسلم، ومعرفة هذه الكيفيات تسد على المشكّكين ومثيري الشبهات أبواب الفتنة، وتقي المسلمين والمسلمات كثيرا من الحيرة والفتنة التي أشاعها المستشرقون قديماً، ويجترها العلمانيون والحداثيون مؤخراً، ومنها:
ما يزعمه حسن حنفي ونصر أبو زيد من أن الوحي الرباني نوع من الخيال الخارجي للنبي أو من اللا شعور الداخلي! بينما طُرق وكيفيات الوحي تبطل هذا من خلال مشاركة الصحابة لرؤية ورود الوحي الرباني، كما في حديث جبريل وقوله صلى الله عليه وسلم: "هذا جبريل جاء يعلّمكم دينكم"، أو حين كان الصحابة بحضرته، صلى الله عليه وسلم، فيسمعون دويّا كدوي النحل ويشاهدون ثقل وزنه وتعرّق جبينه وتغير لون وجهه، فعن أي خيال ولا شعور يتخرص هؤلاء المبطلون!؟
وأي خيال ولا شعور يأتي بأخبار غائبة ومستقبلية تتحقق بتفاصيلها، ويخبر عن معلومات لا تعرفها البشرية إلا لاحقاً مع تطور العلوم والأدوات، ويقرر أحكاما وتشريعات بعينها بوصفها الأحكم والأسلم فيكون الأمر كما قرر!!
أما اعتراضات المستشرقين وأذنابهم على حديث بدء الوحي، الذي يسرد كيفية مجيء جبريل للنبي، صلى الله عليه وسلم، أول مرة في غار حراء باعتباره نوعا من خيال الرواة وأساطيرهم بزعم تعارضه مع العقل والقرآن فهي فرية صلعاء، فالقرآن الكريم أخبرنا عن صفات الملائكة وجبريل، على وجه الخصوص، وأن لهم أجنحة، وأنهم يتكلمون، فقد ذكر القرآن حديث جبريل مع مريم، وأما كون جبريل والملائكة لا يشاهَدون فكم من الكائنات حولنا وعلينا لا نراها ولم نرها إلا بعد صناعة المجاهر الدقيقة، كما أننا لا نشاهد الجاذبية والكهرباء والروح ونحن نقر عقلاً بوجودها، فكل هذه التخرصات تسقط حين نعلم ونفهم طرق وكيفيات الوحي الرباني.