امتحان دولة ومجتمع وليس امتحان ثانوية عامة

الرابط المختصر
Image

ينشغل المجتمع الأردني حاليا بمتابعة تقديم طلبة الثانوية العامة للامتحان النهائي والمعروف محليًّا باسم (التوجيهي)، وتتركز أغلب التعليقات على تكرر بعض الأخطاء في صيغة أسئلة بعض نماذج الامتحان أو أخطاء في الطباعة وكذلك حول ارتياح غالب الطلبة لمستوى الأسئلة ومدى قدرتهم على التعامل مع طريقة الإجابة الجديدة وهي تظليل نموذج دوائر الإجابات المنفصل ليتم التصحيح إلكترونيا لأول مرة في الأردن.

عادة ما يكون انشغال الناس بالسلبيات أقوى ويضيع ذكر الإيجابيات، وقد يكون ذلك حيلة نفسية للتغطية على التقصير الذاتي وإلقاء التبعة على الآخرين، وعادة شماعة الدولة والحكومة تتحمل أن يرمى عليها الكثير من النقد والانتقاد والتهم بحق وبباطل.

وزارة التربية والتعليم في الأردن كغالب الوزارات الشبيهة لها في عالمنا العربي والإسلامي هي من أكبر الوزارات من حيث عدد الموظفين ولكن هل تكون لها الأولوية في الميزانيات الحكومية لتكون مرتباتها جذابة للكفاءات واحتياجاتها متوفرة؟ وهل نظام التعليم الجامعي يعنى باستقطاب الكفاءات لها من الطلبة أم مهنة التعليم تعد في ذيل سلم القبول الجامعي؟ لماذا الطبيب أو المهندس الذي يتعامل مع بدن الإنسان نقدمه على المعلم الذي يتعامل مع روح الإنسان وقلبه وعقله؟

أيضا كم هي كفاءة مناهج التعليم الجامعي في إخراج معلمين أكفياء، أم هم بحاجة لدورات تربوية خارج الجامعة؟

وهذا أيضا ينطبق على الكادر الإداري في الوزارة هل هو كادر نوعي تم اختياره بدقة أم كادر تقليدي كحال بقية الكوادر في الوزارات الأخرى.

حين يكون هذا هو واقع أجهزة التعليم في بلادنا فوقوع الأخطاء متوقع، وإن كان هناك مبالغة كبيرة في تضخيم الأخطاء في ظني من جهة، وتجاوز وإغفال للإيجابيات من جهة أخرى، فعقد الامتحانات بسلاسة في ظل شبح الكورونا أمر يستحق التقدير، وتوفير المراوح في قاعات الامتحانات أمر يسجل للوزارة في هذا الجو الحار فوق المعتاد، وتوفير الماء البارد للطلبة أثناء تقديمهم للامتحان نوع من الرفاهية والترف الذي لم يخطر على بال جيلي ولا في الأحلام.

لذلك دعونا نتوازن في نقد وزارة التربية والتعليم بخصوص امتحان الثانوية العامة بحيث يكون النقد متوافقا مع المعطيات والنتائج، فكادر الوزارة جزء من نسيج المجتمع وثقافته، فهل ثقافة المجتمع تقوم على الدقة التامة والانضباط والتخطيط المسبق الدقيق؟ أعتقد أن أداء الحكومات هو انعكاس لحال المجتمع قوة وضعفا، كما هو الحال بين ارتباط أداء البرلمان بحقيقة ممارسة المجتمع في اختيار النواب عند التصويت أو الامتناع بخلاف ما تسمعه من انتقادات للنواب أو من انتخبهم، ومع قرب موعد الانتخابات فإن المجتمع إذا لم يغير طريقة اختيار نوابه فلا يتوقع توقف المسلسل الكوميدي البرلماني، طبعا في حالة لم يتدخل المخرج واكتفى بقانون انتخاب أعرج وسلوك مجتمعي أحول!

لو انتقلنا للجانب الآخر من امتحان الثانوية العامة وهو السلوك المستهتر والعدواني لدى بعض الطلبة ودلالاته وهو في ظني الأخطر والأكثر كارثية، ففي إحدى القاعات وبعد أداء الامتحان قام أحد الطلبة بوضع قلمه في المروحة التي تبرّد عليه وعلى زملائه فكسرها بشكل متعمد!

في الامتحان التالي كانت القاعة حارة بشكل لا يطاق مما دفع بعض الطلبة للومه وعتابه ثم جاءت الإدارة بمروحة أخرى!

وفي امتحان آخر أشعل أحد الطلبة النار في علبة المناديل الورقية قبل بدء الامتحان بدقائق! مما أربك بقية زملائه.

هذا الطالب الذي بلغ سن الرشد ثم يفسد ممتلكات عامة علنا وهو مستفيد منها أو يفسد على أصدقائه وزملائه اتزانهم في لحظة دقيقة، كيف سيكون حاله مستقبلا كموظف أو زوج أو أب؟

ولماذا لم يفلح بيته ومدرسته ومسجده في زرع الوعي في داخله بالمسؤولية الذاتية وقيمة الأمانة وحب الصالح العام؟ أعتقد جازما أن طوفان القوة والتخريب وعدم المبالاة أو تقدير العواقب التي يستهدف بها شبابنا وبناتنا عبر الأفلام والمسلسلات وحتى أفلام الكرتون والألعاب الإلكترونية بكل ما فيها من موسيقى مؤثرة وحركات بارعة وشعارات وصيحات الانتصار فضلا عن استحسان الجمهور في الفيلم أو المشاهدين هي ما يرسخ مثل هذا السلوك في نفوس شبابنا.

وهذا الطوفان الإعلامي الممجد للقوة والقتال والتخريب لم يعد يقتصر على السينما الأمريكية بل انتشر في المسلسلات والأفلام الكورية والصينية والتركية والروسية والعربية، فكرة البطل الرامبو المافيا، وقد أصبح تقليدها في الشوارع عبر القيادة المتهورة أو عمليات السطو أو المشاجرات وغيرها متكرر.

وهذا الطوفان الإعلامي بمؤثراته وإمكانياته يتفوق على دور الأسرة والمدرسة والمسجد بطريقتها التقليدية ولا بد، فهل نعي لخطورة القادم على يد أجيالنا وأن اضطراب مفاهيمهم وتصوراتهم وغياب منظومة القيم الصحيحة هو أخطر من ضياع عدة علامات بسبب خطأ في طباعة امتحان!

إننا في منعطف حاد وحرج تجاه مستقبل أمتنا وأجيالنا ولا سبيل لنا إلا بالتكاتف حكومةً ومجتمعًا لتقويم ما يمكن في أجيالنا القادمة، وإذا قصرت الحكومة والمجتمع فعلى كل أسرة القيام بواجبها تجاه أبنائها حتى تتجنب -بتوفيق الله عز وجل- المصير البائس لانحراف الأبناء أو عقوقهم مستقبلا، فهل نعي خطورة المرحلة؟