بالعلم والتفكير السليم ندفع الكفر والتكفير

الرابط المختصر
Image
بالعلم والتفكير السليم ندفع الكفر والتكفير

في أمسية لطيفة مع عدد من أساتذة الجامعات وغيرهم تناولنا فيها مواضيع كثيرة، لكن من أبرز ما طرح فيها من قضايا وهموم كان موضوع ما يعاينونه في واقع الشباب والشابات وما يتعرضون له من شبهات وإغراءات وفتن، تستقطب أعدادا كبيرة منهم، وهي دائرة تزيد اتساعاً كلما اتسعت دائرة علاقاته بوسائط الاتصالات والتواصل الاجتماعي الالكتروني خاصة.
وهذه الشبهات والإغراءات والفتن التي يتعرض لها الشباب والشابات تشكل مروحة واسعة جداً تبدأ بالكفر والإلحاد وإنكار وجود الله عز وجل وتمر بعبادة الشيطان واللاأدرية والشك وأمثالها من الأفكار الهدامة، ثم تنتقل لمساحة الشهوات من الشذوذ والإباحية والانفلات والمخدرات والخمر والتسيب الأخلاقي، ثم تنتقل للجهة المقابلة لهذا التفريط بالإفراط، من التشدد والغلو إلى التكفير إلى القتل والتفجير.  
وقد سمعنا من عدد من الأساتذة قصصا واقعية لبعض طلابهم أو أبناء أصدقائهم، عرضوا فيها مآسي وكوارث أضاعت مستقبل هؤلاء الشباب، ودمرت حياتهم، وجلبت لأسرهم التعاسة والهمّ، والسبب هو تورط شاب أو شابة في العائلة في إحدى هذه الطامات.
وكان هناك اتفاق على أن هذه الظاهرة السلبية تصيب جميع شرائح الشباب والشابات سواء من ناحية التحصيل الدراسي، أو الوضع الاقتصادي والاجتماعي للشباب وعائلاتهم، فضلاً عن قربهم أو بعدهم عن الدين والتدين.
وحين انتقلنا في الحديث لمربع البحث عن حل لهذه المشكلة، وعدم البقاء في مربع المشكلة وتشخيصها، وهو المربع الذي يستغرق فيه كثير من الناس حتى يغرق فيه ويبقى يدور حول المشكلة دون أي خطوة للبحث عن حل، وينتج عن هذا تكون نفسية سلبية يشع منها الإحباط والتذمر، وتصبح مع الأيام عائقا في طريق أي محاولة لحلّ المشكلة!
في مربع حل المشكلة طُرحت نقطتان، هما:
العلم، فالجهل هو الأساس الأول لتورط غالب الشباب والشابات في كثير من الأفكار والأديلوجيات والسلوكيات، وهذا الجهل يقع جانب من مسؤوليته على الشباب والشابات خاصة طلبة الجامعات لأن سنه ودراسته تحتمان عليه الوعي والتعلم، والجزء الأكبر يقع على عاتق الأسرة والمدرسة، التي يفترض فيها أن ترعى هؤلاء الشباب والشابات وتعلمهم، ولكن هل هذا هو الواقع؟
ومظاهر الجهل تجدها عند الشباب والشابات من خلال كره بعضهم أو كثير منهم للقراءة والمطالعة! واقتصار علاقته بالكتاب على الكتاب المقرر، بل وعلى الصفحات والأسطر المقررة للامتحان، وهذه العلاقة السيئة بالكتاب نشاهدها الآن يومياً على أبواب المدارس مع موسم امتحانات الفصل الأول، حيث تمتلئ الشوارع التي قرب المدارس بصفحات الكتب الممزقة.
ومن مظاهر الجهل عند الشباب والشابات ضعف الثقافة العامة والدينية على وجه الخصوص، مع تدني مستوى اهتمامات ومتابعات الشباب والشابات للبرامج الجادة والرصينة في وسائل الإعلام.
ومن هذه المظاهر أيضاً سيطرة أخبار الراقصين واللاعبين والممثلين على حواراتهم، وبرامج الشعوذة والأحلام والسحر والمواهب التافهة هو الغالب على مشاركاتهم وتعليقاتهم وتصويتهم في المواقع، وربطهم حياتهم بكذبات زوايا الأبراج وقراءة الطالع والكف والفنجان.
فطالما بقي الجهل سائداً بين المتعلمين وطلبة الجامعات! طالما بقوا ضحية متوقعة لمروحة فتن وإغراءات الكفر – التكفير؛ ولا يحارَب الجهل إلا بتكاتف الأسرة والمدرسة والإعلام والمسجد والجامعة، على نشر العلم والمعرفة وحب القراءة والمطالعة، وتعديل سلم الأولويات والقيم عند الشباب والشابات.
والنقطة الثانية هي غياب التفكير السليم عند كثير من الشباب والشابات، وهو لازم لحالة الجهل ولذلك يتورط في اتخاذ قرارات وخيارات سيئة تفضي به إلى إحدى فتن مروحة الكفر – التكفير.
ويؤكد أحد الأساتذة الجامعيين أنه بعد تأمل لأخطاء وورطات كثير الشباب والشابات التي اطلع عليها مباشرة، وجد أنهم يعانون من مشكلة في التفكير، فهم يقبلون أفكارا وسلوكيات جديدة دون أن يطلبوا دليلا على صحتها وسلامتها، بل ينبهرون بجمالها أو قوتها أو كلفتها أو غرابتها أو منطقها، وينسون السؤال عن الدليل والبرهان على سلامة هذه الفكرة أو هذا السلوك، وبعد أن تقع الفأس في الرأس، يستيقظون على وقوع كارثة، بخلاف ما قيل لهم من قبل، فهذا قد يتورط في إدمان للمخدرات وهذه قد تتورط في جنين في أحشائها، وذاك قد يتورط في الإلحاد، وفلان قد يتحمل دماء أبرياء بتفجيرهم عدواناً وظلماً.
وهذا كله بسبب أنهم لم يتعلموا أن يسألوا عن الدليل على صحة أي فكرة أو سلوك جديد قبل الإقدام عليه، وقد علمنا القرآن الكريم هذه القاعدة الأساسية في التفكير، فقال تعالى: "قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين" (البقرة: 111)، فطلبُ الدليل هو أول خطوة في التفكير السليم.
والناس حين تطلب منهم الدليل ينقسمون لثلاثة أقسام: من يعجز عن تقديم الدليل وهذا يسقط دعواه ويبطل مزاعمه، ويصبح من الحمق اتباعه وقبول كلامه.
ومن يقدم الدليل على قوله، ويكون دليله صحيحاً وسليماً.
والقسم الثالث من يقدم دليلاً، لكنه دليل فاسد وغير سليم، إما لكونه لا علاقة له بالموضوع أصلاً، أو لكونه فاسدا وغير صحيح في ذاته، وهنا قد يكون الشاب أو الشابة على قدرة على فحص الدليل، وإما لا يستطيع ذلك، وهذا ينقلنا للخطوة الثانية في التفكير السليم، وهي:
استشارة أهل الاختصاص، وهذا ما نفعله دوماً في أمورنا اليومية، كسؤال الطبيب، أو طلب خبرة من جرب سلعة ما، ولكن قد يغفل الكثير من الشباب والشابات عن استشارة أهل الاختصاص حين يعرض عليهم دليل لفكرة أو سلوك لا معرفة سابقة لهم به، فينبهر بالدليل، ويسلم لهم، ثم لما تقع الكارثة يدرك أن الدليل كان فاسداً.
وحالهم في الحقيقة كمن يشتري سلعة بثمن غال، ثم يكتشف أنها سلعة مزيفة، وقد خدع بلونها وشكلها وتغليفها والكلام المعسول للمخادع النصاب، ولو أنه رجع لأهل الاختصاص لحموه من هؤلاء النصابين المخادعين.
وقد علمنا القرآن الكريم هذه القاعدة في التفكير السليم، قال تعالى: "فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون" (النحل: 43)
ولو أن الشباب والشابات استشاروا أهل الخبرة فيما يعرض عليهم، لحموا أنفسهم ومستقبلهم وعائلاتهم، ولكن ضعف الثقة والتواصل مع الأهل والمعلمين من قبل الشباب والشابات، هو سبب عزوفهم عن استشارتهم.
كما أن قيم الفردية والحرية والتمرد التي يشيعها طوفان الأفلام والمسلسلات والحوارات لها دور كبير في تهور الشباب والشابات وخوض المغامرات الخاسرة والمدمرة، دون استشارة ورجوع لأهل الاختصاص.
ولو أننا في أسَرنا ومدارسنا ومساجدنا، نرسّخ عند شبابنا وشاباتنا، منهجية التفكير السليم وهي السؤال عن الدليل، والرجوع إلى أهل الاختصاص لفحص الدليل، لتجنبوا كثيرا من العثرات والمصائب، والتورط في متاهات الكفر أو التكفير، وما يتبع ذلك من خسائر مادية ومعنوية على الصعيد الشخصي والأسري والمجتمعي.
نحن اليوم مدعوون جميعاً أسراً ومدارس ومعاهد وجامعات ومساجد وإعلاما ومجتمعا مدنيا لنشر العلم والمعرفة بعامة، والعلم الشرعي بشكل خاص بين أبنائنا أولاً، وتعليمهم طرق التفكير السليم حين تعرض لهم أفكار وسلوكيات جديدة ووافدة، والتي تقوم على طلب الدليل على صحتها وسلامتها، واستشارة المختصين لفحص سلامة الدليل، وذلك لحماية مستقبل أبنائنا وأسرنا ومجتمعنا.