برغم المِحن فأمتنا بخير!

الرابط المختصر
Image
برغم المِحن فأمتنا بخير!

نعم هذه قناعتي الأكيدة، فبرغم الحصار الجائر على غزة من سنوات، وبرغم المجازر الوحشية الطائفية الشيعية ضد أهلنا في العراق وسوريا ولبنان واليمن وإيران وغيرها، وبرغم الإبادة للمسلمين في بورما وأفريقيا الوسطى، وبرغم المؤامرات ضد الإسلام في مصر وليبيا وتونس، وبرغم تقسيم السودان، وبرغم رعاية داعش والحفاظ على وجودها وانتشارها، وبرغم سيل الشبهات والشهوات عبر الفضائيات، وبرغم وبرغم وبرغم... فإن هذا كله علامة خير وصحة لأمتنا!!
فقد روى الترمذي وصحّحه ووافقه الألباني، عن مصعب بن سعد عن أبيه، قال: قلت: يا رسول اللَّه، أَيُّ النَّاس أَشَدُّ بَلَاءً؟ قال: (الأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الأَمْثَلُ فَالأَمْثَلُ، فَيُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلَاؤُهُ، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَمَا يَبْرَحُ البَلَاءُ بِالعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الأَرْضِ مَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ).
فالبلاء يكون اختباراً ويكون كفارة ويكون عقوبة، ويكون بحسب درجة التدين ليزيل الذنوب ويصقل الإيمان ويكون مفتاح النصر والتمكين.
ويمكن إدراك هذا بوضوح حين نقارن بين حال أمتنا قبل مائة عام واليوم، فقد كانت الأمة أيضاً تتعرض لهجمة استعمارية ظالمة نشرت القتل والتخريب والدمار في ديارنا، ورسّخت الجهل والفحش والكفر في أهلنا، ويكفي أن تطالع أي كتاب للرحالة الأوربيين لتجد العجب العجاب من انتشار الجهل والكفر والخرافة والفحش بين المسلمين.
فها هو جون بيركهارت الرحالة السويسري، مكتشف البتراء من جديد، يسجل مشاهداته عن أحوال بلاد المسلمين عام 1808م، فيقول عن رمضان في مكة المكرمة: "يضاء الحرم في ليالي رمضان بالآلاف من المصابيح مما يجعله ملاذا لأهالي مكة والغرباء حيث يمضون الليل يسيرون حوله أو يجلسون للتسلية حتى الصباح، فيصنعون ما تصنع بعض المجتمعات الأوروبية أثناء احتفالها بعيد نصف ليلة رأس السنة فتسمع الضحك والقهقهة والمزاح وما إلى ذلك ولا ينقصهم إلا النساء ليكتمل المنظر"، ورغم أنه لا يزال شيء من هذا موجودا وخاصة مع موجة الأبراج الكبرى حول الحرم، إلا أنك تجد أيضاً الآلاف من المصلين والطائفين والتالين للقرآن والمعتكفين والذاكرين، من مختلف البلاد والأعمار والأجناس، رجالاً ونساءً، كباراً وصغاراً، وهذه علامة تقدم وخير عن حالنا السابقة.
ويقول بيركهارت عن حال الشام وحلب الشهباء: "التعليم في حلب في أدنى مستواه، وقد طغت التركية على العربية حتى أنه لا يوجد في كل مدينة حلب سوى ثلاثة يتقنون العربية الفصحى تماماً (اثنين من الأتراك وواحد نصراني) وهذا أمر عجيب! فدون العربية سيضيع القرآن"، ولكن حلب اليوم تزخر بحفظة القرآن الكريم وقرائه، وإن كانت العربية الفصحى لا تزال ضعيفة، وهذه علامة تقدم وتحسن.
فما يجب إدراكه أننا اليوم -برغم المحن الكثيرة- في حال أفضل بكثير من قبل على صعيد انتشار العلم والمعرفة، وازدياد ورسوخ التدين، والخروج من حالة التبعية المطلقة للمحتلين، وانتشار روح الجهاد للأعداء، وانحسار الفقر الشديد عن أجزاء واسعة من البلاد الإسلامية، وأن ما نعانيه اليوم هو جزء من تراكمات سابقة وابتلاء وتمحيص لهذه المجاميع المؤمنة.
والمنهج الشرعي الصحيح في التعامل مع المحن هو بالصبر عليها ومواجهتها بالأسباب الصحيحة دنيوياً والتمسك والزيادة من الطاعات والقربات، وبذلك تكتمل دائرة الأسباب السليمة والبركة الشرعية الصحيحة، وعندها تصعد الأمة في سلم الدنيا والدين.