بين المخدرات والتطرف يضيع شبابنا لضعف التعليم والإعلام

الرابط المختصر
Image
بين المخدرات والتطرف يضيع شبابنا لضعف التعليم والإعلام

لم يعد مجدياً انكار حالة تصاعد تسرب الشباب لعوالم المخدرات والإدمان والضياع، أو عوالم التطرف والغلو والعنف، وأصبح من الضروري دراسة المشكلة بشفافية ووضوح وصدق وموضوعية، وعدم الاختباء خلف حجج باطلة وتبريرات مضللة.
محافظ الزرقاء رائد العدوان أطلق صيحة تحذير عالية من خطر المخدرات والتطرف على شبابنا، وذلك بعد أن أصبح معدل قضايا المخدرات في مدارس الزرقاء 4 قضايا أسبوعياً، وهذا مستوى خطر جداً.
إن حجم جرائم تداول المخدرات والحبوب وغيرها من المحظورات في ارتفاع، فعدد جرائم حيازة المخدرات في عام 2012م بلغت 3811 جريمة، لتقفز في عام 2013م إلى 5417 جريمة، بزيادة بنسبة قريبة من 45%.
أما اتجاه الشباب للتطرف فهو يشهد حالة من التصاعد بسبب ما تمر به المنطقة من عدوان خارجي كالاحتلال الروسي والإيراني لسوريا والعراق، وسياسات طائفية ممنهجة ضد السنة في العراق وسوريا، ومناخ غاضب من استمرار الإجرام اليهودي تجاه المقدسات والشعب الفلسطيني المحاصر، فضلا عن سوء الوضع السياسي والاقتصادي، ويرافق هذا نشاط كبير لدعاة وجماعات التطرف عبر وسائط التواصل الاجتماعي.
فبحسب تقرير داعش الإعلامي لعام 1436ه، تم اصدار 732 اصدار مرئي، و1787 تقرير مصور يحتوى على 14523 صورة، و6 كلمات صوتية للبغدادي والعدناني، و58 أنشودة، و28 عدد من مجلات تتبع لداعش، بمجموع 2611 مادة إعلامية بواقع 7 مواد إعلامية يومياً !! كما أن لهم على توتير 46 ألف حساب.
هذا هو الواقع الذي يجب أن لا نتعامى عنه ونتشاغل بأشياء أخرى على طريقة كنس القمامة تحت السجادة، بل يجب الوقوف معه بكل شجاعة وصراحة ووضوح، وأن نفتح الجرح لتنظيفه وعلاجه رغم الألم.
إن شبابنا يضيع بين المخدرات والتطرف بسبب ضعف مناهج التعليم وفساد الإعلام، هذه هي الحقيقة التي يجب أن نعترف بها، إذ أن المسؤولية على رعاية وتوجيه الشباب قد سحبت من الأسرة بشكل كبير في عالم الحداثة بسبب ضغوط الوطأة الاقتصادية من الغلاء وقلة الرواتب من جهة وثقافة الاستهلاك التي تستنزف الدخول البسيطة، فأصبح الوالدين في دوامة تلبية طلبات الأسرة بدلاً من رعايتها وتربيتها، كما أن الإعلام سرقة الأوقات التي يفترض فيها أن تمارس الأسرة دورها في رعاية الأبناء.
فلم يبق إلا المدرسة والإعلام هم من يوجه الشباب ويحتك به فعلياً، فهل هم قائمون بالدور المنوط بهم؟
المدرسة اليوم تواجه تحديات كبرى في رعاية الطلبة، فالمعلمون يعانون من قلة الرواتب وكثرة أعباء الحياة مما يضطرهم للبحث عن أعمال إضافية مما يستنزف طاقته وذهنه، ومن جهة أخرى هناك اكتظاظ في عدد الطلاب في الفصل الواحد، كما أن نوعية الطلبة تشهد حالة تدهور، هذا كله ينتج حالة من الضعف في الأداء وعدم اكتمال العملية التعليمية بالشكل المطلوب، ولا يتيح مجال للعملية التربوية في الغالب!!
ويرافق هذا ضعف في المناهج المدرسية في مواجهة التحديات الجديدة التي تواجه الطلبة والطالبات، فهل مناهجنا المدرسية تحتوي على مواد تقنع الطلبة بخطر المخدرات والمسكرات عليهم، سواء كانت موعظة أو قصة أو قصيدة شعرية أو لوحة معبرة؟ برغم أن هناك مطالبة من عام 2003م من قبل المركز الوطني لتأهيل المدمنين التابع لوزارة الصحة بتضمين مناهجنا المدرسية والجامعية ذلك.
أيضاً هل مناهجنا الجامعية والمدرسية تكسب طلبتنا الحصانة من المفاهيم المغلوطة دينياً والتي يستند إليها دعاة الغلو والتطرف؟ هل تدلهم على منهج التفكير الصحيح دينياً في تلقى الشبهات والمزاعم العصرية والمتجددة؟
وأيضاً هل مناهجنا تحصن الطلبة والطالبات من الأفكار الوافدة والمنحرفة كعبدة الشيطان والإيمو والماسونية وأمثالها والتي تنتهي بكثير منهم في حفرة الإدمان والشذوذ؟
هل مناهجنا تغرس في الطلبة القدرة على التحكم بالذات والقدرة على التعامل الإيجابي مع ما يبثه الإعلام وما يحتويه من مضامين مضمرة وغير معلنة، لكنها مدمرة ومضرة بمستقبل الشباب والشابات؟
إن مناهجنا المدرسية بحاجة إلي تطوير إيجابي أكثر من خلال اكساب الطلبة والطالبات المعرفة الكافية بالأخطار العصرية التي تهددهم من الإدمان والشذوذ والتطرف والانحراف الفكري والاعلام المضلل، بشرط أن لا يكون ذلك بطريقة تلقينية بل بطريقة إقناعية حتي يمكنهم التعامل مع أي تهديدات مستجدة.
وبالمقابل يجد العمل الجاد والحقيقي على تطوير وضع المعلمين مالياً برفع الرواتب وتقليل الأعباء عليهم، وتطوير معارفهم التربوية والثقافية ليتمكنوا من رعاية أبنائنا بشكل سليم.  
أما الإعلام فهذا الذي لا يمكن التحكم فيه في زمن الفضاءات المفتوحة، فجماعات التطرف تستغل هذه الحرية المنفلتة لبث أفكارهم وأديلوجيتهم المدعومة بتقنيات إعلامية محترفة تتلاعب بحرفية عالية بوتر العواطف والدين.
ويقابله الاعلام السيء والمخدر لطاقات الشباب والشابات والذي يزيف وعيهم بالواقع من خلال خلق واقع غير حقيقي عبر الشاشات يعيشون فيه، وهذا يفسر جانباً من الانزواء والانسحاب الذي بدأنا نلمسه في الجيل الجديد.
هذا الإعلام الذي يسلب عقول الشباب ليسلمهم لعوالم من المتعة واللذة عبر تمجيد القوة والبطش في أفلام العنف والتي يرافقها مشاهد المخدرات والجنس والخمر والفرح والسرور!
وقد تحقق اجتماع هذا المزيج في واقع داعش، حيث تحول كثير من مدمني المخدرات والجنس إلى "مجاهدين" في داعش يقتلون ويفجرون بكل فرح وسرور في تطبيق عملي لنظرية "فوق الواقع"، ويشكل إبراهيم عبد السلام أحد انتحاري تفجيرات باريس، والذي يملك حانة للخمر في مدينة بروكسيل البلجيكية، وأيضا حسناء آية بولحسن قريبة العقل المدبر للتفجيرات والملاحقة على خلفية تهريب للمخدرات تشخيص مثالي لهذا المزيج من واقع "فوق الواقع".
وتكون النتيجة أن الشباب الغاضب مما تعرضه نشرات الأخبار من مشاهد الدماء وأصوات الانفجارات وتواصل العدوان على مقدساته وأهله وأمته لا يجد أمامه إلا إعلام داعش الذي يناديه ليعانق الحور العين في الجنة، أو إعلام العولمة والحداثة والذي يمسك به ليعانق اللذة والجمال والمتعة في التو والآن إما "بالواقع المشهدي" من خلال الإدمان على المشاهدة، أو بالبحث عن هذه العوالم اللذيذة في البارات والحانات وقاعات الرقص وعلى الشواطيء!
أما ما يعرضه بعض الاعلام من برامج ضد العنف والتطرف، فالغالب عليها أنها برامج تقليدية لا روح ولا حرارة فيها، تتحدث بلغة لا تناسب سرعة الشباب وقلة عمقهم، وتتجنب الدخول في التفاصيل وتكتف بالعموميات، ولذلك تكون ثمرتها معدومة ولا يتابعها الشباب.
ومن هنا فإن محاصرة إعلام التطرف والغلو من الأولوية بمكان، وتطوير مكافحة التطرف عبر وسائل الإعلام بمنهجية مختلفة، تقوم على فهم حقيقة الخلل والتلاعب المتعمد في توظيف الدين والإسلام لخدمة التطرف، والقدرة على تفكيك خطاب التطرف بلغة سهلة ومقنعة في برامج تخاطب الشباب مباشرة بطرق عصرية ومناسبة لهم، خطوة تأخرت كثيراً جداً.
ومع هذا كله لما بقيت الحالة الظالمة قائمة من عدوان خارجي على أمتنا وطائفية وفساد واستبداد داخلي، سيبقي المناخ صالحاً لاستنبات المخدرات والتطرف بين شبابنا.