نشهد في هذه الأيام حملة إعلامية وسياسة منظمة تهاجم البعد الديني والإسلامي للدولة الأردنية، والدافع لها استغلال حالة التعاطف في حرب التطرف المتمثل بتنظيم داعش وأمثاله، ويقوم بهذه الحملة أبواق يسارية مأجورة في غالبها للنظام السوري ويشترك بهذه الحملة شخصيات غير مسلمة مما يعطى الموضوع بعداً خطيراً.
وتناولت هذه الحملة الاعتراض على ابراز الراية الهاشمية الإسلامية في احتفال استقلال الجيش، واعتبرت أن اعتزاز الدولة والجيش بإرثهما الإسلامي خطوة للخلف وترسيخ للتطرف في المجتمع الأردني من خلال ترسيخ البعد الديني في الصراع مع داعش!
وتطاولت على المناهج المدرسية حتى كادت تطالب بعلمنة شاملة للمناهج تزيل كل أثر للإسلام منها، وتوسلت لهذه الغاية الخبيثة بدراسات منحازة وغير موضوعية كما ظهر من رد إدارة المناهج بوزارة التربية على هذه الدراسات والمؤتمرات المشبوهة.
واجتمعت أبواق الحملة على التشهير بالشيخ محمد العريفي الذي زار الأردن في شهر رمضان وقدم عدد من المحاضرات التي لقيت حضوراً جماهيرياً كبيرا، فرماه شبيحة بشار الأسد بتهم التطرف والدموية، دون أن يطرف لهم جفن من صور الأطفال الذين قتلهم وليهم بشار في نفس اليوم بالبراميل المتفجرة!
وقد أصبح من الضروري توعية وتذكير المجتمع والناس بأن الدولة الأردنية قامت على مشروعية دينية إسلامية من اليوم الأول، ولا يزال شعار (الله، الوطن، الملك) هو ما يتصدر كل منشأت الدولة والجيش الأردني، حيث تعلو كلمة الله على كلمتي الوطن والملك، في ترتيب واضح وصريح لمنطلقات وأسس الدولة الأردنية، فهل يعي هؤلاء الموتورين والحاقدين على الإسلام خطورة اللعب بهذه المنطقة الحساسة!
إن ما كشفت عنه الأجهزة الأمنية من إحباط مخطط إرهابي إيراني يستهدف الأردن، ليس بأكثر خطورة مما يقوم رجالات بشار الأسد في الأردن من محاولة تفجير الدين والإسلام وإلغائه من حياتنا، بحجة الداعشية، فكما كان يخطط قادة الحرس الثورة من تنفيذ تفجيرات تنسب لداعش، يفترى هؤلاء ويكذبون أن مناهجنا التعليمية داعشية وأن دعاتنا وعلمائنا داعشيون، وهم في الحقيقة من أنتج داعش في سوريا والعراق وسينتجونها هنا إذا لم يجدوا وقفة حازمة تبطل كيدهم.
ومما يدلل على عمق الإسلام في بنية دولتنا منذ نشأة الدولة افتتاحية جريدة القبلة المكية لسان حال الشريف الحسين بن علي في الحجاز، حول وجوب تحكيم الكتاب والسنة وخضوع الدستور والقوانين الوضعية لأحكامه، وذلك نقداً ورفضاً لما يدعوا له بعض العلمانيين في تركيا ومصر من إزاحة الشريعة الإسلامية عن الحكم، فقد جاء في العدد 101، بتاريخ 18 شوال 1335هـ الموافق 6 أغسطس 1917م، مقال بعنوان: (ما فَرَّطنا في الكتاب من شيء) جاء فيه:
"ولكن كيف بنا بالقانون الأساسي وما في صراحة وصفه بالأساسية من الاستغناء عما سواه، وجعل أحكامه دستورًا لكافة الأحكام، كما هو المشهود الذي لا يختلف في حصوله اثنان، وبين أيدينا كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم... ونجده جل شأنه يقول في كتابه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه: (ما فرطنا في الكتاب من شيء)، وقال جل اسمه: (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله ورسوله)، وقال تعالى: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون)، (فأولئك هم الفاسقون)، (فأولئك هم الظالمون)، وقال تبارك حكمته: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجًا مما قضيت ويسلموا تسليمًا).
فكيف يتسنى لمن يزعم أنه مؤمن بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم أن يحيد عن هذه النصوص الفرقانية الباهرة القاطعة الصريحة، وهل يمكنه التردد في حصول الحرج في نفوس الذين ألفوا القانون الأساسي وسنوا أحكامه ورضوه وارتضوه وجعلوه دستورًا للأعمال والأحكام؟ ولا مشاحة والحالة هذه في أنهم لا غاية لهم ولا قصد لهم من اعتنائهم والتزامهم بجمعه وتنسيقه إلا دعوى أن هنالك نقصًا أو خطأ رأوهما – والعياذ بالله تعالى – في كتاب الله وسنة صلوات الله عليه وسلامه، فأرادوا كمالهما وتعديلهما، وإلا فماذا ؟
... وهل يتصور اعوجاج أكثر مما يراه هؤلاء القوم من الخطأ أو النقص في مثل قوله جل شأنه: (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مئة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين)؟ فاتخذوا ذلك سببًا لإسقاط حكم هذا النص الجليل، وجعلوا الزاني والزانية في عافية منه، ونحو ذلك كثير مما دهيت به الإسلامية وابتلي به أبناؤها بالقانون المذكور".
وبعد عدة سنوات أعادت القبلة نشر المقال في العدد 617 بتاريخ 19محرم1341ه الموافق 11 سبتمبر 1922م، وعلقت بعده بقولها: "نحن لا نتشبث بالدفاع عن مبادىء الإسلامية وقوانينها وانتقاد من يريد الاستعاضة عنها بأنظمة ودساتير وضعية بُغضًا في المدنيّةِ الحقيقيَّةِ والعمران الحقيقي الخادم لمعاني العدل ومصلحة الاجتماع البشري، لأننا لا نتحرج أن نقول: إن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم هي خادمة لعين تلك الحقيقة، وقد أشرنا غير مرة ونؤكد بهذا أيضًا أن من له اعتراض أو شبهة على أي حكم من أحكام الشرائع الإسلامية إن كانت مما يتعلق بالماديات أو المعنويات؛ فليخابرنا، فإن أعمدة القبلة مفتوحة لإثبات أسئلتهم واعتراضاتهم ومستعدة للأجوبة عليها، ولكن ننشدكم الآن: أين هي الديمقراطية وأحكامها وأنتم تشاهدون في لبنان وما يقاسيه من أمَّ المدنية الحنون، بصرف النظر عن دمشق وأخواتها ؟ لا نسألكم عن مشاغبة العمال وأمثال ذلك بما هو جار في أمهات أمصار المدنية مما أنتجته أنظمة تلك المدنيات والحضارات والديمقراطيات؟ والجواب على هذا بسيط جدًا، يظهر مما تجريه الحضارة الافرنسية وديمقراطيتها على مسيحي لبنان كما قلنا بعالية فضلا عمّن سواهم، ومما تقوله الصحف والأندية والمحافل عن جمعية الأمم المتشكلة من خلاصة عالم الحضارة والديمقراطية وصفوته، ووصفهم لها بأنها مسوغات وآلات وستار يحول دون الحقيقة وضيائها بكل المعاني !
ولا شك أن ما في هذا البحث أيضًا هو من باب التصادف لاستلفات وجلب أنظار المدققين في مواد الدستور المصري الجديد.
وكيف لا يقال بصحة ما ذكر، وها نحن رأينا ونرى ما حل بكثير من الشعوب الإسلامية من المصائب والمحن بسبب إهمالها أوامره واسترسالهم في نواهيه؟! فإنه سبحانه وتعالى يقول: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم).
فليتق الله المسلمون في دينهم، وليرجعوا إليه، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها".
هذه هي أسس الثورة العربية التي قام بها الشريف حسين، وهذا كله قبل وجود الجماعات الإسلامية والجهادية، لأن هذا لب الإسلام وحقيقته، وعلى جميع المخلصين لهذا البلد والوطن العودة إلى التمسك بالإسلام حتى ينالوا رضا الله عز وجل والتمكين في الأرض، لما في الإسلام من حث على الأخذ بأسباب النهضة والتقدم، والذي تحقق فعلياً أكثر من ألف سنة، ولنحذر ممن يريدون اقصاء الإسلام عن حياتنا فهم الشر المستطير.
تحكيم الشريعة الإسلامية منهج الشريف حسين قبل الجماعات الإسلامية
2015/07/01
الرابط المختصر
Image