في هذه الأيام التي يئن فيها محراب ومآذن الأقصى وقلوب المقدسيين والمسلمين في كل مكان بسبب ظلم وطغيان اليهود على الأقصى خاصة، وفلسطين عامة، فإن التفكير في نصرة الأقصى والقدس والمقدسيين بالأعمال والأفعال هو واجب الوقت الأول، ذلك أن هذا العدوان اليهودي المتجدد والمتعاظم يحاول أن يكرر ما سبق من ظلم وعدوان وإجرام ضد الإسلام والمسلمين والقدس والأقصى حين تمكنوا من ذلك.
فحين احتل الصليبيون بيت المقدس سنة 492هـ أقاموا المجازر الرهيبة بحق المسلمين فيه، لخّصها مؤرخ الحملة الصليبية ريموند بقوله: "لقد كان الذبح مهولًا، لدرجة أن الدماء كان تُغطي أرجلنا حتى الرُكب ولم نستطع السير في الطريق؛ بسبب أشلاء قتلى المسلمين"، ويقال أن هذا هو سبب المثل الشعبي السائر عن حالة الفوضى "الدّم للركب"!
أما المؤرخ ابن العبري فسجل لنا مدة المذبحة وضخامة ضحاياها من الأبرياء في كتابه (مختصر الدول) فقال: "لبث الفرنج في البلد أسبوعًا يقتلون فيه المُسلمين، وقُتل في المسجد الأقصى ما يزيد على سبعين ألفًا"!
ولأخذ صورة أشمل عن مدى الجريمة التي ارتكبت في بيت المقدس قديما، وما يتمنى مجرمو اليهود تكراره اليوم، لنستمع للمؤرخ الصليبي فوشيه الشارتري وهو يصف جريمة أهله: "وهرب بعض هؤلاء العرب إلى برج داود، وأغلق آخرون على أنفسهم معبد الرَّبّ ومعبد سليمان، وتَمَّ شنُّ هجوم وحشي على المسلمين في فناء هَذينِ المعبدَيْنِ، ولم يكن هناك مكانٌ يمكن أن ينجّيهم من سيوف رجالنا، ولو أنك كنتَ موجودًا هناك لغاصَتْ قدماك حتى العقبينِ في دماء المذبوحِينَ، ترى ماذا أقول؟ لم نتركْ منهم أحدًا على قيد الحياة، ولم ينجُ حتى النساء والأطفال، كم سيكون مُدْهشًا لو أنّك رأيتَ فرساننا ومشاتنا بعد أن اكتشفوا خداعَ المسلمينَ فشقّوا بطونَ الذين ذبحوهم؛ لكي يَستخرجوا من المعدة والأمعاء العُمْلاتِ الذهبية التي كان المسلمون قد ابتلعوها وهم أحياء!! ولنفس السبب قام رجالُنا بعد أيام قلائل بجمع كومة من الجثث وأحرقوها حتى صارت رمادًا، حتى يمكنهم أن يجدوا بسهولة الذهب الذي ذكرنا خبره.
عندما جرى رجالنا وسيوفهم مشرعة عبر أرجاء المدينة، ولم يُبقوا على أحد، حتى أولئك الذين يرجون الرحمة، سقط الجميع كما تسقط التفاحات العَفِنَة جميعًا من الأغصان المهزوزة، وبعد هذه المذبحة الكبيرة دخلوا بيوت السكان، واستولَوْا على كلّ ما وجدوه فيها، وتمَّ هذا بطريقة جعلت كل من كان يدخل أولاً سواء كان فقيرًا أم غنيًّا لا يجد من يُنازعه من الفرنج الآخرين، وكان له أن يحتل المنزل أو القصر، ويمتلِكُه بكل ما فيه؛ كما لو كان ملكية خالصة له، وهكذا اتَّفقوا جميعًا على هذا النمط من الملكية، وبهذه الطريقة صار كثيرون من الفقراء أثرياء" (كتابه: أعمال الفرنجة حجاج بيت المقدس). وهذا النص التاريخي يكشف لنا أن الداعشية لها جذور عريقة عند خصوم الإسلام وأن المسلمين دوما ضحايا هذه الداعشية على مر العصور!
وكان نتيجة هذه الوحشية أن خلت القدس من المسلمين، وتم تحويل المسجد القبلي لإسطبل للخيول وحظيرة للخنازير! وهذا ما يسعى له اليهود اليوم بتهجير المقدسيين من القدس عبر التضييق عليهم في شؤون حياتهم وفرض الضرائب والرسوم الباهظة وتشجيع تداول المخدرات والتسرب من التعليم وحماية الاستيطان اليهودي حول القدس وفي داخلها ولو بالغصب والتزوير.
كما أنهم يسعون للسيطرة على المسجد الأقصى -وهو كل ما في داخل السور والسور نفسه- عبر الحفريات تحته، أو الاستيلاء على بعض أجزاء السور كحائط البراق وبعض الغرف والمدارس في السور، وعبر محاولة فرض التقسيم الزماني على الأقصى وعبر جولات السياحة لليهود في ساحات الأقصى.
وهذه الأطماع لا يجب أن تواجه بدعوات الشجب والاستنكار والمظاهرات والمسيرات والبيانات لوحدها، مع ضرورتها، بل نحتاج إلى أعمال وأفعال إيجابية تساهم بسرعة في دعم المقدسيين في القدس وعدم تفريغ القدس من أهلها، وهو ما تحقق للأعداء أيام الصليبيين وما يكاد يحصل عليه اليهود في هذه المرحلة.
ومن الأفكار التي لها دور كبير في تثبيت أهل القدس في قدسهم دعم المحلات والشركات والحرفيين في القدس، لأن بقاء هؤلاء في متاجرهم ومحالّهم يحفظ الوجود المسلم والعربي في القدس ووجود عائلاتهم، ويحمي المسجد الأقصى ببقاء المرابطين والمرابطات فيه، كما أنه يظهر هوية القدس الحقيقية لزائريها من الفلسطينيين والعرب والمسلمين وغير المسلمين.
وهذا الدعم من الممكن أن يكون عبر قيام مبادرة توأمة بين محال ومتاجر وشركات القدس مع محال ومتاجر وشركات العرب والمسلمين في العالم، حيث يقوم أصحاب المهن المتشابهة في القدس وخارج القدس بعمل توأمة فيما بينهم، ويمكن أن تتعدد التوأمة مع المتجر الواحد في القدس مع عدة أطراف من الخارج، مما يفتح المجال لأكبر عدد ممكن من الناس للمساهمة فيها، فقد يعجز البعض عن توفير كل الرسوم أو الإيجار لمتجر في القدس مثلا، فليكن هناك مساهمات متعددة كأسهم من عدة محلات خارجية.
وهدف التوأمة هو مساندة محلات ومتاجر وشركات القدس في توفير رسوم البلدية المرتفعة وتغطية الايجار السنوي ومصاريف الماء والكهرباء على الأقل، مما يحفز هذه المتاجر على البقاء والصمود، ومما يوفر لعائلات المقدسيين الحياة الكريمة التي تدفعهم لمزيد من حماية قبلة المسلمين الأولى والتضحية لصد العدوان والإجرام اليهودي.
وممّا يساعد على التوأمة قيام جهة مقدسية موثوقة بالإشراف على ذلك كلجنة زكاة القدس، فتطلق موقعا إلكترونيا بمحال ومتاجر القدس ومصاريفها، ويتم الإعلان بشفافية عن الشراكات والتوأمات التي تمت، وبذلك نقدم خدمة حقيقية وسريعة لأهل القدس وحماة الأقصى.
ويمكن لغرف التجارة والصناعة في بلاد العرب والمسلمين المساهمة في ذلك، وحث مشتركيها للمساهمة والمبادرة في نصرة الأقصى.
هذه فكرة يمكن تطويرها وتحويرها لما يحقق المصلحة الكبرى للقدس وأهلها، وآمل ممن لهم القدرة والعلاقات على تبنّيها وتفعيلها بأسرع ما يمكن حتى نوجه مشاعر الغضب ضد عدوان اليهود ومشاعر ونوايا نصرة الأقصى والمرابطين والمرابطات لعملٍ بنّاء منتج ومثمر وفي الوجهة الصحيحة بتثبيت المقدسيين في وطنهم المبارك، ومع أفكار أخرى في الأسبوع القادم بإذن الله.
توأمة مع تجار القدس لنعمل على نصرة الأقصى والقدس والمقدسيين
2017/07/01
الرابط المختصر
Image