ثلاث وقفات على هامش هجوم الركبان

الرابط المختصر
Image
ثلاث وقفات على هامش هجوم الركبان

مرة ثانية، في فجر اليوم السادس عشر من رمضان هوجم غدراً، وبسيارة مفخخة، موقع متقدم للجيش الأردني مهمته تقديم المساعدات والمعونات لمخيم الركبان للاجئين السوريين الذي يحوي قريب من 100 ألف لاجئ، هذه الجريمة الإرهابية الجديدة زادت من اللحمة الوطنية والوعي بخطر التطرف والإرهاب الذي تتعرض له المملكة من جهات عدة، فداعش تعلن عداوتها للأردن، وإيران ومليشياتها تهدد وتتوعد، وأتباع بشار مثل (أحمد شلاش) عضو البرلمان السوري تشفى بالهجوم على الجيش الأردني وهدده بالحذر من غضب جيش بشار الأسد!
وهذه وقفات سريعة مع الحدث لفهم بعض أبعاده واستثماره لمزيد من حماية أوطاننا وشبابنا من فكر الغلو والتطرف، وكف يد العابثين في وقت الأزمات والمحن لتمرير أجندات مشبوهة.
الوقفة الأولي: هذه الجريمة جاءت بعد قرار محكمة أمن الدولة بسجن العراقي العميل للمخابرات الإيرانية مدة 15 سنة بسبب نقله 45 كغم من المتفجرات في الأردن لصالح المخابرات الإيرانية، كانت إيران زرعتها من التسعينيات! مما يؤكد أصالة إيران في نواياها العدوانية تجاه الأردن، وأن التهديدات التي تصدر من مليشيات شيعية عراقية وغيرها تتبع لإيران هي تهديدات ذات جذور عميقة، ويؤكد ذلك التصريحات المنسوبة لقاسم سليماني عن نيّته استهداف الأردن في العام المقبل، وقد شهدت الأيام الماضية هجومين إلكترونيين من هكرز إيرانيين على موقع وكالة بترا وموقع مديرية ضريبة الدخل.
وقد أصبح من المعروف عند المختصين أن إيران تخترق كثيرا من الجماعات المتطرفة والإرهابية وتستخدمها لضرب خصومها، وقد حدث هذا في السعودية واليمن والعراق وسوريا عبر تنظيمي داعش والقاعدة.
وسِجل إيران في دعم واحتضان ورعاية قادة التطرف والإرهاب سجل حافل، يبدأ بقادة الجماعة الإسلامية المصرية مطلع ثمانينيات القرن الماضي وقادة الفوضى في الجزائر في التسعينيات منه، وقادة القاعدة بعد تفجيرات 11/9 في أمريكا، وأبو مصعب الزرقاوي، ثم التخادم مع داعش في ضرب المقاومتين العراقية والسورية وتركيا.
فهل هذا الهجوم في الركبان ومن قبله مكتب المخابرات في البقعة، تقف خلفه إيران بشكل أو آخر؟ وهل كان التدبير إيرانيا والتنفيذ لداعشي أحمق يَتلاعب به عبر الإنترنت ضباط استخبارات إيرانيون؟
الوقفة الثانية: تكشف الدراسات الإحصائية بشكل عام تراجع شعبية التنظيمات الإرهابية بشكل كبير عقب كل جريمة ترتكب بحق الأبرياء، وهذا كان ملموساً عقب تفجيرات فنادق عمان العام 2005، وعقب جريمة إحراق الطيار الكساسبة، وهذا يدل على أن وعي الشارع والمجتمع بالفارق الحقيقي بين شعارات هذه التنظيمات التي تدغدغ المشاعر الدينية والعاطفية وبين واقع جرائمها، يعمل بقوة وكثافة في تغيير اتجاهات التعاطف والتفهم لها لموقف نابذ لها ورافض.
وفي علم السلوك يقولون إن تغيير القناعة والتوجه يتم إما بسبب صدمة أو قناعة، وفعلاً رأينا الصدمات تخفّض شعبية هذه التنظيمات في الشارع، فهل نبقى ننتظر الصدمات = الكوارث لتغيير قناعة الشارع وتحصين الشباب؟ هل هذا منطق؟
المنطق أن نركّز على تكوين قناعات لدى الشارع، والشباب خصوصاً، من خلال دوام وتكرار تقديم معلومات صحيحة وموثقة وتحليل قائم على فكرة قوية بأن هذه التنظيمات غير صادقة في شعاراتها أولاً، وأن منهجها من الناحية الدينية الإسلامية خطأ وانحراف، وأن مسارها السياسي مسار كارثي لا يحقق نتائج صحيحة، وهذه القناعة تكون من خلال قيام الإعلام والتعليم والتوجيه الديني بدوره الحقيقي في التوعية السليمة.
كثير من الشباب الذي تعاطف مع هذه التنظيمات أو انخرط فيها صُدم بواقعها، سواء ما ظهر من سلوك داعش وجرائمه التي عايشها أو سمع عنها، لكنه لو كان لديه وعي بأن هذه الجرائم والسلوك والمنحرف هو سمة لازمة لكل جماعات الغلو والتطرف لوفّر على نفسه وأمته فتنة التأييد والتعاطف أو الانخراط في هذه التنظيمات.
لماذا يقصر إعلامنا في توضيح جرائم هذه التنظيمات عبر تاريخها الأسود، بحيث ينقل بأمانة وموضوعية ما تسبّبت به هذه التنظيمات من كوارث ومصائب في مصر والجزائر والسعودية واليمن والصومال وأفغانستان والأردن والمغرب وغيرها من الأماكن؟
لماذا لا يزال كثير من الناس لا يعرف أن غالب جرائم داعش نفذت -وأبشع منها- من قبل، لكن لم تجد تصويرا سينمائيا كما تفعل داعش، فبذلك يدرك شبابنا خطورة وخطأ هذا المسار؟
لماذا لا يجد شبابنا بين يديه كتبا مختصرة توضح له ماذا جنت هذه التنظيمات السيئة على مسار الدعوة الإسلامية ومساعدة المحتاجين، وتعطيل مسار التنمية وإدخال البلاد في دوامة الفوضى؟
لماذا لا يصل الشباب بسهولة ويسر لشهادات وتجارب مَن تراجعوا عن مسار العنف والتطرف حتى يسمعوا منهم العبرة والعظة، ولماذا يبقى ذلك محصورا على الخبراء والمختصين وعدد قليل في قاعات الفنادق، بدلاً من أن تكون هذه الشهادات والتجارب مبذولة للشباب في شوارعهم ومساجدهم وجامعاتهم؟
أوجه ندائي للقائمين على محاربة التطرف: سهّلوا للشباب التعرف على تاريخ العنف والتطرف الأسود ليكتسب الحصانة من تجارب الآخرين، وليس من تجربته هو.
الوقفة الثالثة: كعادة الحروب ينشأ على جوانبها تجار الحروب الذين يستغلون الجراح والآلام لتحقيق مصالحهم الذاتية، وفي الحرب على التطرف والإرهاب تظهر فئة تدعي مقاومة التطرف والإرهاب عبر رفع شعارات المواطنة والتعايش والتعددية والقبول بالآخر، كمكافئ موضوعي لشعارات داعش والقاعدة من تحكيم الشريعة الإسلامية ومحاربة الكفار، والحقيقة أن الطرفين يحاربان الإسلام نفسه!
فداعش لا يحكّم الشريعة في واقع الأمر، بل لعل من أهم أسباب بقائه ودعمه الخفي أنه يقدم أكبر خدمة لتشويه الإسلام وتطبيق الشريعة لصرف الناس عن الإسلام، كما أن داعش يقاتل ويحارب المسلمين أكثر مما يحارب الكفار، وجرائم داعش تقدم المبررات الكثيرة للتضييق على المسلمين في أنحاء العالم وحرمانهم من حقوقهم وتعطيل وعرقلة مسار الدعوة الإسلامية بين غير المسلمين.
أما مدّعو محاربة داعش والتطرف وكثير منهم مؤيد لجرائم بشار الأسد والمليشيات الشيعية الطائفية تناقض عجيب بين رفع شعارات الليبيرالية والحداثة واليسار وتحالف مع قوي طائفية تعد أخر نماذج الثيوقراطية في العالم كنظام الولي الفقيه في طهران!
فدعاة المواطَنة هؤلاء عندهم المواطنة لا تتم إلا بتعديل الإسلام نفسه وتطويعه لرؤيتهم، وهذه حقيقة شعار التعددية والقبول بالآخر! وهم في ذلك يتابعون وصفات مركز راند لتحديد المعتدل الإسلامي، الذي ليس هو المسلم غير العنيف، بل هو المسلم المعتدل ثقافيا بما يتوافق مع قيم العولمة والحداثة، فالمسلم المعتدل هو من يعدل إسلامه ليتوافق مع مؤشرات مركز راند، أو النقاط الرمادية لمعهد كارنيجي.
العجيب أن غلاة العلمانيين من اليسار والليبرالية وبعض متعصبة المسيحية هم دواعش في الحقيقة، لأنهم لا يقبلون بالتعايش مع الآخر المتمثل بالمسلم الذي لا يتوافق معهم، فداعش يكفره ويقتله ويفجره، وهؤلاء يدعشنوه ويحرضون عليه حتى يسجنوه مثل د. أمجد قورشة!
وهذان الطرفان سيجران الغالبية من الناس لدوامة العنف المجتمعي، إما بالاستقواء بالسلطة كما في حالة القلة العلمانية، أو بتحريض الشارع في حالة القلة الداعشية، لكن المجتمع بأكمله هو من سيكتوي بالعذاب والألم، وهنا يأتي دور العقلاء في نشر الوعي الصحيح بالدين والإسلام والسياسة والواقع وتحدياته، وكفّ يد العابثين بحزم من كلا الطرفين.