جريمة قطع يدي فتى الزرقاء وفقء عينه

الرابط المختصر
Image

من جديد، فُجع المجتمع الأردني بخبر هذه الجريمة المروعة وشكلت صدمة كبيرة جدا في أوساطه، وللأسف لم تمضِ عدة أيام حتى قام مجرم آخر بضرب شاب بساطور أو سيف وإصابته بسبب خلاف على ازدحام عند إشارة المرور!

وأمثال هذه الجرائم يتكرر في غالب الدول العربية والإسلامية، فهذه الجريمة في الأردن تشابه جريمة فتاة المعادي في مصر، وقتل الطفل عدنان بالمغرب وفي نفس الشهر!

هذه الجرائم البشعة أصبحت تقع في دولنا ومجتمعاتنا العربية والإسلامية في دورات زمنية أكثر تقاربا مما يؤشر على حالة خطيرة من الانحدار الإيماني والأخلاقي أولا، وتصاعد في حالة اللامبالاة والجرأة على الإيذاء للآخرين.

ومن مسببات الحالة الأولى ألا وهي انحدار حالة التدين عدة خطوات:

الخطوة الأولى: انحسار المد الدعوي والوعظي والإيماني، فمنذ إغلاق القنوات الفضائية الإسلامية أو تحجيمها والسيطرة عليها بعد إزاحة الرئيس محمد مرسي عن الحكم في سنة ٢٠١٣ فقدت الأمة الإسلامية غالب منابر الدعوة الإسلامية العامة التي كانت تبث العلم الشرعي والموعظة الحسنة والأخلاق الفاضلة وتجيب على استفتاءات الناس.  

ومعلوم أن القنوات الفضائية الإسلامية كان لها بالغ الأثر في توعية الناس وهدايتهم وهم جلوس في بيوتهم ومجانًا، حيث خاطبت جميع شرائح المجتمع من الرجال والنساء والأطفال، وعلى مختلف مستوياتهم التعليمية أو الاقتصادية فضلا على اتساع جغرافية تواجدهم عبر القارات.

وكانت القنوات الفضائية الإسلامية قد ورثت هذا الدور ووسّعته وطوّرته بعد مرحلة الشريط الإسلامي (الكاسيت) ثم (السيديات)، واليوم فقدنا الكاسيت والسيديات والفضائيات وحتى المحاضرات العامة الهادفة بسبب تحولات السياسة الدولية والمحلية التي قررت تجفيف منابع الدعوة الإسلامية العامة عبر وسائل متعددة كان إغلاق الفضائيات من أولها، ومن ثم بسبب تداعيات التباعد الكورونى.

ثم كانت الخطوة الثانية وهي ملاحقة الخطباء والأئمة المؤثرين في المساجد فتم إيقاف الكثير منهم، ثم جاءت سياسة إبعاد وإقصاء الأئمة والخطباء من السلفيين والإخوان المسلمين لصالح خطباء وأئمة الصوفية والأشاعرة والأحباش في تطبيقٍ لتوصيات الغرب التي قدمها مركز راند التابع لوزارة الدفاع الأمريكية ولمخرجات مؤتمر جروزني الذي رعاه بوتين من خلف الستار.

وتم فرض سياسة الخطبة الموحدة التي أصبحت تقدم خطبة باهتة غالبا في كثير من المساجد مما يضعف تأثير المسجد في المجتمع.

وشملت سياسة الإبعاد والإقصاء للسلفيين والإخوان من جهة والإحلال للصوفية والأشاعرة من جهة الجامعات ووسائل الإعلام والمدارس.

الخطوة الثالثة هي تخريب/تطوير المناهج التعليمية بتخفيف كمية المعرفة الدينية والأخلاقية التي تقدم للطلبة، والتلاعب بالأولويات في ذلك بحسب الأجندة العلمانية الحداثية المتطرفة وليس بحسب المصلحة الاجتماعية للمجتمعات المسلمة!

هذه السياسات الثلاث تساهم معا في إضعاف حالة التدين في المجتمع من خلال محاصرة وتقليل مداخل تغذية الخير والهداية في المجتمع مما يقلل مناعته ومحاربته للفساد.

أما مسببات الحالة الثانية، وهي تصاعد حالة اللامبالاة والجرأة على إيذاء الآخرين فهي:

أولا: تأثير الفساد المستورد عبر الأفلام والإنترنت على الشباب والفتيات، فأفلام العنف والقتل والضرب والتشبيح والمخدرات والجنس الجذابة تفعل فعلها في الجيل الذي تم إضعاف مناعته وضرب مواطن قوته.

كما أن انتشار الإدمان على الألعاب الإلكترونية بين شبابنا سيكون له آثار وبيلة في مدة لن تكون بعيدة مع الأسف.

ولذلك؛ لاحظوا نوعية رواج الأفلام ونوعية الجرائم التي تقع في المجتمع سترون التقليد والمتابعة فيها ظاهرة.

ولذلك أتوقع قريبا ظهور سلوكيات صادمة جدا لنا كمجتمعات مسلمة وهي تقليد بحت لما يدمن الاطفال والشباب مشاهدته في النت مثل أن نرى من يمشي وهو يجر معه شابا -أو فتاة- على أنه كلب مربوط بحبل يرافقه للمقهى ويجلس تحت قدميه، كما هو الحال في الغرب!

ثانيا: من أسباب ظاهرة اللامبالاة توفير الحماية للأشرار من الفاسدين في السلطة أو رجال الاعمال أو عائلاتهم.

ولذلك يقدمون على جرائمهم وهم واثقون بمن سيكون خلفهم!

ثالثا: حالة الضعف الأمني أو التراخي وعجز القوانين الوضعية في كل العالم عن ردع الإجرام.

فهذه الأفلام تقدم للشباب السجون -حتى سجون النساء- التي يفترض فيها أنها (إصلاحيات) فإذا هي بؤر الإجرام وتدار منها المناطق خارج السجن بل وإدارة السجن إما شريكة معها أو مغلوبة على أمرها، فكيف سيرتدع هؤلاء!

للأسف؛ هذا هو واقعنا اليوم، ولا أرى في الأفق القريب بوادر للتخلي عن أسباب محاصرة التدين والدعوة ولا أشعر بوجود نية جادة للإصلاح لإعادة ضبط القوانين بما يوافق شرع الله الحكيم ولا للجم داعمي الفساد والمجرمين.

وهذا يضاعف المسؤولية على الدعاة المخلصين ببذل المزيد من الجهد في الدعوة الفردية والشخصية وكل موقع متاح أمامهم واستغلال كل مساحة مفتوحة قبل تبدل الأحوال.

وأيضا هذا الواقع غير السار يحمّل الآباء والأمهات المزيد من المسؤولية في تعويض الأبناء ما يحتاجونه من هداية وإرشاد ديني وخلقي، وعليهم الوعي بأولوية تعويض الأبناء في هذا على أولوية التعليم عن بعد في زمن الكورونا أو أولوية توفير الموارد المالية بسبب ضعف الموارد الاقتصادية نتيجة الكورونا.

والله المستعان