حتى تفوز بكأس رمضان

الرابط المختصر
Image
حتى تفوز بكأس رمضان

بعد يومين يهلّ علينا شهر رمضان المبارك والذي يتزامن مع بطولة كأس العالم العشرين لكرة القدم، وقد شغلت أحداثها عقول وقلوب الكثير من الشعوب والحكومات، وبينما ينظر لها البعض على أنها مؤامرة لإلهاء الشعوب وتخديرها عن قضاياها الأساسية، يرى فيها آخرون فعالية للترفيه والمتعة لكل الشعوب، ولكن ما لا يختلف فيه أحد أن هذه البطولات تتكدس من ورائها ثروات طائلة في خزائن الأثرياء من جيوب البسطاء والفقراء، من الإعلانات والمنتجات، والاتصالات وتذاكر المباريات والتعاقدات التي تتم لبناء البنية التحتية، وهذه هي سبب المظاهرات الرافضة لإقامة كأس العالم في البرازيل، والتي تعترض على الإنفاق الهائل على فعاليات البطولة مع التقصير في الخدمات الصحية والتعليمية وغيرها. وتشكل مباريات كأس العالم أزمة لكثير من الصائمين إذا تعارضت مواعيدها مع مواعيد الصلوات المفروضة أو صلاة التراويح، وستكون اختبارا حقيقيا للتقوى التي هي غاية الصيام ( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ) (البقرة، 183). ولن تقف معاناة الصائمين عند هذا الحد، فمع طول فترة الصيام هذه السنة بسبب مجيء رمضان في فصل الصيف الحار الذي يطول فيه النهار، بل هناك معاناة أخرى للصائمين تتمثل في طوفان المسلسلات التلفزيونية المُعدة لرمضان برغم تصادمها المباشر مع قيم وأحكام شهر رمضان بخاصة والشريعة الإسلامية بعامة. فهذه المسلسلات تتقصد الاعتماد على تكثيف مشاهد النساء المتبرجات والعاريات واللقطات المثيرة للشهوات، وتتناول قضايا ومسائل لا علاقة لها برمضان والصيام في أحسن الأحوال، إن لم تستهدف زرع قناعات مناقضة للإسلام كما يتردد عن نية إحدى كبرى الفضائيات الخليجية عرض مسلسل يروج لزنا المحارم في رمضان!! وقد سبق لإحدى الفضائيات وضع شعار في رمضان "مش حتقدر تغمض عنيك" !!!  من هنا يجب على الصائم الحقيقي الانتباه لهذه المشتتات والملهيات له عن فريضة الصيام، حتى يستقيم له صيامه، ويحصل له به تزكية نفسه والتقوى التي بها تنصلح سريرته ويستقيم مسلكه، ويُرضي ربه ويحوز على رضاه، فيسعد في الدنيا وينعم بجنته في الآخرة. مما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم عن أحوال المستقبل، قوله: "ويل للعرب من شر قد اقترب، فتنا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا، يبيع قومٌ دينهم بعرض من الدنيا قليل، المتمسك يومئذ بدينه كالقابض على الجمر، أو قال على الشوك. رواه أحمد وصححه الأرناؤوط، وفي رواية الترمذي: يأتي على الناس زمان الصابر فيهم على دينه كالقابض على الجمر. وصححه الألباني. ولعلنا نعيش هذه الحالة اليوم، لأن الالتزام بالدين فيه مشقة، بسبب كثرة الفتن والملهيات والمغريات، وبسبب قلة الأعوان على الحق. فلماذا يجبر المسلم الصائم على مشاهدة العورات والمنكرات في الشاشات والطرقات!! ولماذا تتقصد القنوات انتهاك قدسية وحرمة رمضان!! لماذا لا نجد اهتماماً بتهيئة الناس لشهر رمضان والاستفادة منه لشحن قلوبهم بالرحمة والسكينة والإيمان، كما نشاهد حرص الجهات المسؤولة عن توفير الطعام في الأسواق في رمضان، وكأن شهر الصيام أصبح شهر الطعام، وليس شهر الصبر والمشاركة للضعفاء والفقراء!! ولكن إذا قصر المسؤولون، وتجاوز المسيؤون في القنوات، فعلى المسلم الصائم الصابر الباحث عن التقوى، أن يقبض على دينه ولو كان فيه مشقة وألم، فإن ذلك سيكون برداً وراحة له في الدنيا والآخرة، وهذا يقتضي منه بعض الأمور، منها: تذكر الغاية من الصيام وأنها التقوى وأن الصيام هو الامتناع عن الطعام والشراب والشهوة، وبذلك تتضح له قائمة المحرمات في شهر رمضان. معرفة المعيقات والمغريات التي تتعارض مع شرع الله في شهر رمضان وغيره، وتجنبها بوعي كامل ونية مخلصة صادقة. وضع خطة لشهر الصيام فيها أهداف محددة ممكنة التنفيذ في رمضان يكون فيها نوع من التحدي للنفس، حتى يشغلها بالطاعة ويبعدها عن المعصية. البحث عن رفقة صالحة تعينه على خطته وأهدافه، ولا تثبط من عزيمته أو تغريه وتلهيه عن مساره.  وكلما كانت هذه الخطة تشمل العائلة والأصدقاء في العمل أو السكن زادت فعاليتها وسهل تحقيقها. ومن عناصر الخطة التي يمكن وضعها: حذف القنوات التي تتعارض مع قيم وأحكام رمضان، حتى لا تضعف النفس. تحديد البرامج المفيدة التي ستتابعها من القنوات التي لم تحذف. تحديد عدد ختمات القرآن الكريم لهذه السنة. مطالعة تفسير للقرآن الكريم، كله أو بعضه، وعدم الاكتفاء بقراءة القرآن فقط. المحافظة على أداء صلاة الجماعة في الصلوات الخمس. المحافظة على أداء صلاتي التراويح والضحى. المحافظة على صلاة القيام في العشر الأواخر. الحرص على القيام ببعض أعمال البر، كزيارة لمركز الأيتام، وإطعام المساكين، وعيادة مريض، وزيارة دور المسنين، ... مراجعة أحكام الصيام، بحضور درس أو دورة، أو مدارسة مع الأهل أو الأصدقاء، أو مطالعة ذاتية أو مشاهدة واستماع للعلماء عبر شبكة الإنترنت. كثرة الجلوس في المسجد لقراءة القرآن والذكر والدعاء. نصائح وتوجيهات: تجنب تضييع الوقت في السوق، وحاول شراء ما تحتاج لكل رمضان في مرة واحدة إن أمكن. احذر تحول اجتماعك مع الأصدقاء للتعاون على الطاعة في رمضان، ليصبح جلسة سمر وانبساط مما لا يتحقق معه المقصود. لا تبالغ في أهدافك ولا تشدد على نفسك. الصيام طاعة وصبر، وليس مبررا للعصبية والغضب، أو التقصير في الواجبات. أكثر الناس يكون ذا عزيمة في أول رمضان ثم يفتر، ويضيع عليه زبدة رمضان وهي العشر الأواخر منه. لا تخرج من رمضان إلا وقد اكتسبت طاعة جديدة وعادة حميدة وتخلصت من سلبية. بهذا أرجو الله لي ولك قارئي الكريم أن نصل نهاية شوط رمضان المبارك ونكون من الفائزين والمستحقين لكأس رمضان المبارك إن شاء الله تعالى، وتقبل الله طاعاتكم.