حقيقة دور العسكريين البعثيين في داعش

الرابط المختصر
Image
حقيقة دور العسكريين البعثيين في داعش

لا تزال داعش تحظى باهتمام ومتابعة منذ ظهورها في 9/4/2013 حين أعلنت عن قيام "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، ولا يزال الجدل دائراً حول حقيقتها وغاياتها وسياساتها ونتائجها ومكوناتها وحلفائها وحقيقة تعامل الآخرين معها وحقيقة موقفها من الآخرين، وهكذا في دوامة من الأسئلة التي تزيد ولا تنقص دون الوصول لجواب شاف.
ومن القضايا المهمة في فهم داعش اليوم العودة لبدايات التأسيس وفحص حقيقة ما جرى، مما قد يساعد اليوم على فهم ما يجري.
يتفق الباحثون والدارسون والخبراء أن داعش هي تطور لتنظيم أبي مصعب الزرقاوي في العراق "جماعة التوحيد والجهاد" المكون من رفاق الزرقاوي في أفغانستان، الذين فروا منها عن طريق إيران عقب هجوم أمريكا على طالبان، وفي العراق بدأ يستقطب الشباب العرب لمحاربة الأمريكان في العراق من خلال سوريا التي تعاونت مخابراتها مع المتطوعين لتنظيم الزرقاوي لتسهيل عبورهم للعراق، حتى اشتكى نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي -آنذاك- على نظام بشار في الأمم المتحدة بهذا الخصوص، وكان هذا التعاون يتم عبر وسطاء تابعين للمخابرات السورية من أمثال الشيخ أبي القعقاع محمود قولا أغاسي، والذي كُشف النقاب مؤخراً أن الجولاني زعيم جبهة النصرة كان من المترددين عليه وأنه ذهب للعراق تلبية لنداء أغاسي!
تنظيم الزرقاوي كان مستقلا تماماً عن تنظيم القاعدة ويخالفه في الأولويات التي تركز على العدو القريب، بينما تنظيم القاعدة يركز على العدو البعيد، ثم حصلت مفاوضات طويلة بين الطرفين من أجل انضمام تنظيم الزرقاوي للقاعدة، وفعلاً تم إعلان بيعة الزرقاوي لابن لادن في 8/10/2004، ولكن بقي الزرقاوي على رؤيته، وخضعت القاعدة لشروط الزرقاوي بسبب ضعفها في المنطقة.
ولكن مع دخول تنظيم الزرقاوي في تبعية تنظيم القاعدة، إلا أنه واصل مسيرته في الابتعاد عن استراتيجية القاعدة مستغلاً قوته في مواجهة ضعف القاعدة، ثم حدثت نقطة مفصلية في رأيي وهي دخول عناصر عسكرية بعثية عراقية سابقة في التنظيم بجوار رفقاء الزرقاوي العرب غير العراقيين.
والملفت للنظر أن كثيرا من التنظيمات المسلحة الإسلامية كان العسكريون جزءا رئيسيا في تكوينها وتأسيسها مثل: الملازم عصام القمري الذي التحق سنة 1973 بتنظيم نبيل البرعي بالقاهرة، وفي نفس العام جاء من العراق د. صالح سرية وهو ضابط فلسطيني عمل في منظمة التحرير الفلسطينية وله علاقات مع حزب التحرير الإسلامي، وأسس تنظيما مسلحا نفذ حادثة الكلية الفنية بالقاهرة لقتل السادات عام 1974.
ومن هؤلاء العسكريين وكيل النيابة يحيى هاشم، الذي شكل تنظيما مسلحا عام 1969، حتى قتل سنة 1975. وأيضا لا بد من ذكر المقدم في الاستخبارات الحربية عبود الزمر الذي كان من قادة تنظيم الجهاد المصري.
وفي الجزائر شهدنا انخراط عدد من العسكريين بين فصائل العنف في التسعينيات عقب الانقلاب العسكري على الجبهة الإسلامية للإنقاذ الجزائرية، وقد تعمدوا رفع وتيرة الدموية لصالح النظام الجزائري العسكري، وقد فضح ذلك عدد من العسكريين الجزائريين في كتب منشورة.
وحتى جهيمان صاحب حادثة الاعتداء على الحرم المكي سنة 1979م كان بالحرس الوطني السعودي.
نعود لتنظيم الزرقاوي الذي بدأت تنتسب له شخصيات أمنية وعسكرية بعثية، وكانت البداية مع ثامر العطروز الريشاوي الذي كان من الحلقة الضيقة حول الزرقاوي في بداية تأسيس تنظيمه في العراق، وكان لقاء وتعارف كثير من هؤلاء العسكريين والأمنيين البعثيين مع أعضاء تنظيم الزرقاوي والقاعدة يتم غالباً في سجون العراق الأمريكية والعراقية، ومن بعدها تكاثر هؤلاء العسكريون في التنظيم وأصبح حضورهم طاغياً ومؤثراً.
ولما قتل الزرقاوي في 7/6/2006، تولى قيادة التنظيم أبو عمر البغدادي حامد داود خليل الزاوي، الذي كان ضابط شرطة سابقا! وفي عهده أعلن عن تطور التنظيم إلى "دولة العراق الإسلامية"!
وبعد مقتل أبي عمر البغدادي في 19/4/2010، أعلن التنظيم عن القائد الجديد للدولة وهو أبو بكر البغدادي إبراهيم عواد –الذي سيدّعي الخلافة- ومع مقتل أغلب رفقاء الزرقاوي العرب هيمن على قيادة "دولة العراق الإسلامية" مجموعة من العسكريين والأمنيين البعثيين السابقين من ذوي الرتب العالية، وهم: المقدم أبو عبد الرحمن البيلاوي، العقيد حجي بكر، المقدم أبو أيمن العراقي، مسؤول الفرقة البعثية أبو علي الأنباري، عمر الشيشاني المقاتل في الجيش الجورجي.
ثم مع اندلاع الثورة السورية وبدء المقاومة المسلحة طلب أبو محمد الجولاني من أبي بكر البغدادي أن يذهب ليؤسس نشاطا عسكريا لهم هناك عرف باسم "جبهة النصرة"، ثم رفض الجولاني أن يدمج "جبهة النصرة" في "الدولة الإسلامية في العراق"، فاجتاح البغدادي "جبهة النصرة" وأعلن قيام "الدولة الإسلامية في العراق والشام" داعش!
هذا المقدار من الحقائق هو موضع اجماع وتسليم بين الباحثين، لكن تفسير هذه الحقائق هو الذي تختلف فيه الأنظار، والسؤال المركزي هو: أي من الفريقين (الجهاديين/ البعثيين) طوع الفريق الثاني لصالحه ووظفه في مشروعه؟
تنقسم الإجابة عن هذا السؤال  إلى رؤيتين أساسيتين مختلفتين، هما:
أن هؤلاء العسكريين تحللوا من بعثيتهم وأيدولوجيتهم القديمة، وأن الجهاديين استطاعوا احتواءهم وأصبحوا "أكثر صلابة على صعيد الالتزام الديني السلفي الجهادي" كما يقول الصديقان د. محمد أبو رمان وحسن أبو هنية في كتابهما "تنظيم الدولة الإسلامية"، وأن وجود روح دينية عند البعثيين بدأ به صدام حسين في الحملة الإيمانية في التسعينيات من القرن الماضي.
والرؤية المناقضة لتلك أن هؤلاء العسكريين لم يفقدوا حسهم الأمني ورؤيتهم الخاصة، ولكنهم رأوها فرصة سانحة لتوظيف هذه الطاقات الكبيرة في مشروع العسكريين البعثيين، وينقل هؤلاء عن يونس الأحمد أحد القيادات البعثية قوله: "سنقاتل الأمريكان حتى آخر سَلفي جهادي"!!
ونقل الدكتور العراقي حيدر سعيد في مقاله "البعث وداعش 2" في صحيفة الغد الأردنية (3/6/2015) عن أحد القيادات العسكرية السابقة في داعش أنهم هم من يسيطرون على التنظيم/ الخلافة وليس الخليفة إبراهيم عواد! وأنهم بوارد البحث عن حل سياسي!
وهذا يتفق مع بعض شهادات العرب المنشقين عن داعش، والذين صدموا بقلة التدين عند القيادات العسكرية الكبرى التي تدير التنظيم/ الخلافة، وأنهم لا يقيمون وزنا للشريعة الإسلامية، مثل شهادة أبو الوليد المهاجر وشهادة أس الصراع، ومن آخر هذه الشهادات شهادة السعودي هماء الغيث التي عنون لها بـ "رأيت ولم أسمع"، مما يؤكد أن هؤلاء القادة العسكريين هم الذين يوظفون الجهاديين في مشروعهم! ولذلك تجد أن غالب منظري (التيار الجهادي) في العالم يعارضون داعش وخلافتها بشدة.
وبناء على الرؤية الثانية يمكن أن نستنتج أن فكرة قيام دولة العراق اﻹسلامية في عهد أبو عمر البغدادي هي فكرة العسكر البعثيين الذين تشكل فكرة الدولة هاجسا فقدوه بخلاف الجهاديين، ولذلك رفض كثير من أنصار قاعدة العراق فكرة الدولة أو على الأقل الشكل الذي ظهرت فيه لأنه تشويه لصورة الدولة في الإسلام ولعل من أبرز هؤلاء المنكرين على قاعدة العراق اعلان دولتهم كان الشيخ حامد العلى من الكويت.
ويلحق بهذا الاستنتاج أن سياسة دولة العراق الإسلامية في محاربة بقية الفصائل الإسلامية كما لا تزال تفعل داعش اليوم هو بدافع رفض البعثيين دوما لأي شراكة في السلطة!
وبعد أيها القارئ العزيز: هذه هي الحقائق وهذه وجهات النظر في تحليلها والأمر متروك لك!