أينما تلفتّ اليوم رأيتَ أو سمعتَ إعلانا جذابا يدعوك لامتلاك السعادة واللذة، أو يفرض عليك الإعلام أغنية أو فيلما عن جمال الحب والرومانسية أو روعة المغامرة والتحدي، وإذا تجاوزت هذا فلن تَسلم من أحاديث الناس عن فوائد ومنافع منتج جديد أو برنامج شاهدوه، أما الشباب والشابات في المدارس والجامعات والنوادي والمعاهد وعبر وسائط التواصل الحديثة فكثير من دردشاتهم هو ترويج وتزويق لعادات وأشياء وأفكار أدهشتهم!
ولكن سرعان ما ينكشف أن المتعة والرجولة التي طالما روّجتها الإعلانات والأفلام عن لذة التدخين والسيجارة هي طريق سريع لجحيم مرض السرطان في الدنيا، ثم تأتي الأخبار المؤكدة بالدراسات العلمية عن المخاطر الجسيمة لتصديق دعايات الوجبات السريعة، حيث ثبت أنها سبب مؤكد للسمنة وأمراضها، خاصة إذا رافقها إدمان مشاهدة الأفلام وبرامج التلفزيون حيث تتضاعف الأخطار بسبب محتويات هذه الوجبات وقلة الحركة وما يصاحب ذلك من إفراط في تناول المشروبات الغازية والعصائر المصنّعة والحلويات.
أما عالم الأحلام الوردية بالتفوق الدراسي الذي وُعد به الطلاب بتناول المنشطات والمخدرات فسرعان ما ينفجر ويتحول لجحيم وخيم بالإدمان والإهمال والتوهان وضياع المستقبل إن لم يذهب ضحية جرعة زائدة.
وعلى نفس المنوال أكاذيب الرفاق حول الرجولة والسعادة الكامنة في كأس الخمر، والذي في الحقيقة هو غصّة ومرارة لا لذة فيها، بل أمراض وآفات مضرة وضياع للعقل والوقار.
وحتى الربا الذي أعلن الله عزوجل عليه الحرب أصبح يقدَّم للناس بأنه حل للمشاكل وتأمين للمستقبل وفرصة للربح في السحوبات! وتقوم دعايات الربا على الكذب والخداع والتلاعب بينما الحقيقة العارية تجدها في سجلات المحاكم وغرف السجون وساحات الحجز على المركبات وإعلانات التصفية والحجز في الصحف!
أما لذة عرض الجمال بالتبرج والعري والاختلاط وكسر الحواجز الشرعية بين الرجال والنساء الذي تروّجه الأفلام وبرامج التوك شو والأغاني والصحف والمجلات والشعراء وغيرهم فقد تفاقمت بسببها جرائم الزنا والاغتصاب والتحرش الجنسي وحالات الطلاق، فضلا عن الأمراض الجلدية والسرطان والعيش في عالم القلق والاكتئاب.
ومثلها جاءت شعارات المساواة والتحرر والتقدم التي تدغدغ عواطف النساء اللاتي وقع عليهن ظلم كبير بسبب الانحراف عن شريعة الرحمن، فكثير من الأديان تحتقر المرأة أو تظلمها، وجاءت العلمانية لتزيد من ظلم المرأة وجعلتها وسيلة وسلعة تتاجر بها كما هو واضح في غابة الإعلانات، وحتى بين بعض المسلمين حين قدم العادات الجاهلية على أحكام الإسلام فحرمها من الميراث ومنعها حقها الذي أعطاها إياه الرحمن الرحيم.
المهم؛ جاءت هذه الدعوات لنصرة المرأة فخلطت الحق بالباطل، فدعت إلى أمور سليمة كالمساواة في الأجر لنفس العمل وحقوق العاملات وغيرها، لكنها تجاوزت ذلك لتفرض أجندتها في الأخلاق والعلاقات الأسرية التي تتجاوز القيم والأخلاق الأنسانية والإسلامية، فهي تقاتل لمنح الصغيرات حريتهن الجنسية دون رقابة من الأسرة أو المجتمع وتعتبر ذلك كبتا وتقييدا للحريات، بينما تقاتل على الجانب الآخر بمنع الزواج الشرعي للصغيرات، في تناقض فاضح يكشف حقيقة الأغلفة البراقة لهذه الشعارات!
أما خيالات الحب والعشق التي تمتلئ بها الأغاني والأفلام فهي فقاعة كذب كبيرة، فلا تكاد تجد مغنيا أو مغنية أو ممثلا أو ممثلة يعيشون في حبّ وسعادة، بل أخبار طلاقهم وانفصالهم هو السائد وكذلك أخبار انتحارهم وجرائمهم وإدمانهم على المخدرات والخمور!
وتجد أن الخيانة والكذب من المحبوب هما لبّ كلمات هذه الأغاني، وأن الخسارة والفراغ والانتهاء هي كلمات المخدوع في هذه العلاقات التي لا يقرها الدين بين الرجال والنساء، ولعل أصدق كلمة في كلمات هذه الأغاني هي: حبّك نار!!
والملفت للنظر مقدار المتع واللذة التي تقدم بها أكذوبة الحب والغرام المحرم هذا، سواء كان في الفديو كليبات أو الأفلام والدراما التي تجمّل وتسوّق بها هذه العلاقة غير الشرعية، ثم لما تقع الكارثة ويغدر (البطل بالبطلة) -وهذا أيضا من الخداع والتزوير فهؤلاء مجرمون لا أبطال- لا تقدِّم الأغاني والدراما النصيحة الصادقة والصحيحة للشباب والشابات بل تزيد في خداعهم والتغرير بهم، فتجمّل للفتاة التي وقعت في الحرام والزنا والحمل بسبب علاقة حب محرمة أن تهرب من أهلها والفضيحة لتقع بيد عصابات الإجرام أو بيوت الدعارة وإدمان المخدرات أو التسول في الشوارع!
هذه هي الحقيقة التي يقدمها أغلب الفن والإعلام خلف بهارج الجمال وخداع القلوب والأبصار بكشف العورات وجميل الكلمات وسرعة الصور وإثارة الغرائز لتمرر من خلال ضبابها السهم القاتل والتوجيه المدمر، ولتزول اللذة الوهمية على كارثة حقيقية، وتذكروا تزايد الأطفال اللقطاء في الشوارع وعلى أبواب المساجد لتعرفوا أن البداية كانت انجرارا خلف لذة مزورة!
وحتى عالم الجرائم أصبح مصدرا للكسب وجني الأموال من خلال بثّ أخبارها في الصحف والبرامج، حيث أصبحت هناك صحف خاصة بالفضائح والجرائم، وبدلاً من توعية المجتمع بهذه المخاطر أصبحت تتاجر بها، فقد وجد القائمون على هذه الصحف والبرامج الإعلامية أن هناك تقبلا، بل إقبالا وطلبا من الجمهور على معرفة هذه الجرائم، فأصبحت تتفنّن في عرض عناوينها الصارخة وترفق بها صورا فاضحة، خاصة للنساء، وبدلاً من عرضها بصورة تشمئز منها النفوس وتبغضها القلوب، أصبحت هذه الجهات كأنها مدير علاقات عامة للجرائم والمجرمين، فتعرض الجريمة بصورة مشوّقة وجذابة وتبرز تفاصيلها، ولو بالكذب، بحيث تعلّم الجاهل وتحثّ الغافل على تكرارها والحصول على لذة الجريمة والشهرة عقبها كما حصل من المجرمين من قبل!
وقد تفاقمت هذه الظاهرة حتى حذّر منها علماء الاجتماع ونبهوا على خطورة الدور السلبي للإعلام في ترويج الجريمة عبر نشر أخبارها بطريقة مغرية ومفصلة.
ويماثل ذلك أفلام الرعب والعنف وألعاب الكمبيوتر التي تمجّد القتلة واللصوص وتصوّرهم أذكياء شجعان وتجعل متابعيهم يفرحون بوقوع الجريمة وتَمكّنهم من التملص من سيف العدالة، وقد تطورت الأحوال فأصبح المشاهد يشارك في الجرائم عبر الأفلام والألعاب التفاعلية، وكل هذا يتمّ تمريره تحت شعارات على منوال: "تعالَ إلى حيث القوة"، و"مش حتقدر تغمّض عينيك"! ولذلك تفاقمت أرقام الجرائم في العالم كله تحت تأثير ما يشاهدونه في زمن القرية الواحدة، وأصبح تقليد جرائم الأفلام شيئا شائعاً.
وبالمقابل إن الشباب الذي يلتحق بداعش وأمثالها من التنظيمات إنما يجذبه فيها الشعارات البراقة مثل نصرة الدين وحماية الإسلام والجهاد في سبيل الله، وهي غايات نبيلة ومقاصد مشروعة وتفتح الطريق للجنة ونعيمها، ولكن هل هذه الجماعات هي العنوان الصحيح لنصرة الإسلام والجهاد والشهادة في سبيل الله؟ يؤكد علماء العصر أن داعش هي في الحقيقة حرب على الإسلام والمسلمين بمنهجها المنحرف في فهم الدين وبسلوكها الإجرامي العدواني مع المسلمين وغير المسلمين، ولذلك مع الأسف يقدّم الكثير من الناس روحه ودمه في العنوان الخطأ.
المهم في هذا الموضوع حاجة المسلم والمسلمة اليوم لليقظة لخطورة أغلفة المتعة واللذة والسعادة التي تغلف فيها كثير من القبائح والمحرمات، وهي تماثل كثيرا من الإحباطات التي مررنا بها حين نشتري سلعة بناء على صورتها البراقة في الإعلان، ولكنك حين تعبر الصورة للواقع والحقيقة تصطدم بسوئها، ولكن بعد أن تكون قد خسرت مالَك ووقتك وجهدك. والأخطر في الموضوع أن تسبّب لك هذه الخسارة ما لا يمكن تعويضه كمفارقة الحياة!
لقد نبّهنا النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "حجبت النار بالشهوات وحجبت الجنة بالمكاره" رواه البخاري، فكما أن الشهوات من الخمر والزنا والقمار والربا والظلم والسرقة وغيرها هي الطريق إلى النار، فإن هذه الشهوات نفسها يغلفها أولياء الشيطان بأغلفة جذابة خداعة باسم الحرية والتحرر، والمتعة واللذة، والسعادة والانطلاق، وغيرها من الشعارات الكاذبة والجمل الرنانة، لكن عاقبتها الحرمان والمرض والخراب في الدنيا، والنار والعذاب في الآخرة.
ولذلك يلزم كل مسلم ومسلمة أن يكون لديهما من مهارات الوعي ما يمكنهما من تجنب الشهوات والملذات التي تحف بطريق النار لتجنبها في الدنيا والآخرة، ومن ذلك:
- لا تنخدع بالشعارات والصور الجذابة، وابحث عن الجوهر، وهذه قاعدة تصلح لكل جوانب الحياة، ففي الدين لا يخدعك حسن كلام بعض الناس أو شكله، وابحث هل هو مؤهّل للكلام في الدين؟ هل هو على منهج سليم يشهد له العلماء المعروفون؟ ما مدى معرفته وتخصّصه؟ وهذه أسئلة يجيب عنها لك العلماء الشرعيون وليس عابرو الطريق، كما أنك لا تسأل عن الطبيب الحاذق إلا الأطباء وليس حلاقك المعتاد!
وأيضاً حين تسمع كلاما جميلاً من الأخبار والأفكار لكنك لا تدرك حقيقته وصوابه فلا تتردد في السؤال عنه حتى تكون على بيّنة من أمرك.
- لابد أن يكون عندك ثوابت راسخة تقيس الأشياء والأفكار والسلوكيات عليها، فمن هذه الثوابت الراسخة أن كل ما عارض وتناقض مع الدين والشريعة فهو باطل وخطر، مهما عُرض عليك بشكل جميل وجذاب، وقد ثبت عن كل العقلاء أن كل ما نهى عنه الدين والإسلام فيه شرور، قد يتأخر معرفة البشر لها، لكن من المستحيل أن توجد فائدة تامة لها.
وتأمل تزايد اعتماد العالم على الاقتصاد الإسلامي الذي ينبذ الربا بالكامل لتدرك أن الباطل لا يستمر ولا ينفع مهما كابر أهله.
- العلم والتزود منه هو سلاحك لكشف الفخاخ خلف الشهوات والمغريات، وكما أن السائق الذي عنده معرفة بأمور ميكانيك السيارات يصعب خداعه من قبل عمال الصيانة، فكذلك أنت كلما كنت تعلم وتعرف لن تُخدع، فتعلّم ورسّخ حب التعلم في أبنائك.
- التأني والتفكر وسؤال أهل الخبرة والتجربة دوما يجنب المرء المشاكل والمطبات والورطات، فتعوّد أن لا تتقبل كل جديد بسرعة، خاصة إذا كان المصدر غامضا أو جهة تجارية أو لا يعرف مصداقيته ككثير من منشورات وسائل التواصل الاجتماعي.
هذه بعض مهارات الوعي التي إذا تعودتَّ عليها ستجد نفسك بتلقائية تمارس تفكيرا نقديا يجنبك الفخاخ وتكسب به الثمار والخيرات في الدنيا والآخرة، ويلزم أن نشيعها بين أبنائنا وأصدقائنا حتى نجنبهم مزالق المخدرات والإدمان والإجرام والإرهاب والمحرمات والفواحش، والله الموفق، لا موفق سواه.
خداع اللذات والمتع!
2017/03/01
الرابط المختصر
Image