"دفاعا عن الصحيحين" كتاب قيّم وهام من تأليف الطالبة الأردنية نجاح محمد العزام، من جامعة اليرموك، صدر في عام 2009 عن دار عماد الدين بتقديم د.محمد العمري، عميد كلية الشريعة بجامعة اليرموك.
وهذا الكتاب نموذج مثالي للجهود الجادة والمتميزة لطلبة جامعاتنا الأردنية، والتي تحتاج إلى دعم ورعاية، وهو أيضاً مثال معاصر لمساهمة المرأة المسلمة في العلوم الشرعية، وعلم الحديث على وجه الخصوص، ومنذ بداية عصر الرسالة الإسلامية وللمرأة مشاركة ومساهمة فعالة في التعلم والتعليم، ومن أمثلة ذلك ما ورد في الصحيحين أن امرأة جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله ذهب الرجال بحديثك، فاجعل لنا من نفسك يوماً نأتيك فيه تعلّمنا ممّا علّمك الله، فقال: "اجتمعن في يوم كذا وكذا في مكان كذا"، فاجتمعن، فأتاهنّ فعلّمهنّ ممّا علّمه الله.
ولقد جاء زمان كانت العروس المسلمة لا تجهّز إلاّ ومعها بعض الكتب الشرعية النافعة، لِما للعلم من مكانة ولِما للمرأة من عناية بالعلم، فسبحان مغير الأحوال وأصبحنا نشاهد الجامعيين من النساء والرجال يسألون عن أبسط المعلومات الثقافية الإسلامية فيحتارون ويطلبون الاستعانة بصديق ومستشار، والذي بدوره يفشل أحيانا أيضا! كما حدث لطبيب بيطري سئل عن اسم شقيقة النبي صلى الله عليه وسلم (الشيماء)، في برنامج "من سيربح المليون" مؤخراً.
ولم يقتصر دور المرأة على تعلّم العلم بل تعدّاه إلى تعليمه ورواية كتبه وتدريسها، وقد حفظ التاريخ الإسلامي أسماء نوابغ من النساء الفقيهات والمفسّرات والأديبات والشاعرات والعالمات في سائر علوم الدين واللغة، وقد صنفت كتب خاصة بمساهمات المسلمات في العلم الشرعي وعلم الحديث منها كتاب "صفحات مشرقة من عناية المرأة بصحيح البخاري رواية وتدرسياً" وهو من تأليف د. محمد عزوز، وكتاب "عناية النساء بالحديث النبوي" للشيخ مشهور حسن.
ومن الملاحظ أن هناك موجة كبيرة في هذه المرحلة تستهدف الطعن بالسنة النبوية بعامة والصحيحين بخاصة، ومن رموز الطاعنين اليوم: جمال البنا، جواد عفانة، محمد حوّى، أحمد صبحي، إسماعيل الكردي وغيرهم، ورغم تباين منطلقاتهم ونواياهم إلا أن النتيجة واحدة: هدم السنة والتمهيد للطعن بالقرآن، من خلال الطعن بعدالة الصحابة الذين نقلوا القرآن!!
الهجوم على السنة والصحيحين يماثل الهجوم المبطن على الإسلام منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ففي بداية الرسالة والعهد المكي كان الهجوم على الإسلام والنبي صلى الله عليه وسلم هجوماً صريحاً معلناً سجله الله عز وجل لنا في القرآن بقوله عن حال مشركي مكة "وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ" (ص: 4)، لكن حين صار للإسلام شوكة ومنعة في المدينة تحول الهجوم الصريح لهجوم مبطن يستهدف زعزعة الصف وتشكيك المؤمنين، قال تعالى: "وقالت طائفة من أهل الكتاب أمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون" (آل عمران: 72)، ولما لم ينجح هذا كله برزت ظاهرة النفاق، والكيد للإسلام من داخله، فقد تداعى المنافقون لإنشاء مسجد!! قال تعالي: "والذين اتخذوا مسجداً ضراراً وكفراً وتفريقاً بين المؤمنين وإرصاداً لمن حارب الله ورسوله من قبل وليحلفن إن اردنا إلا الحسنى والله يشهد إنهم لكاذبون * لا تقم فيه أبداً لمسجد اسس على التقوى من أول يوم أحق ان تقوم فيه" (التوبة 107/108).
ويبدو أن ما نعيشه اليوم من هجمة على السنة والصحيحين هو نفس الإستراتيجية القديمة، إنشاء مساجد ضرار لنشر الفجور بدل التقوى، وحرب الدين من داخله بدلا من الخارج.
كتاب "دفاعا عن الصحيحين" هو بحث قامت به الطالبة نجاح العزام للرد على كتاب "نحو تفعيل قواعد نقد متن الحديث دراسة تطبيقية لبعض أحاديث الصحيحين" من تأليف إسماعيل الكردي.
وقسمت نجاح العزام دراستها إلى تمهيد ومباحث ثلاثة: إسماعيل الكردي والصحابة، إسماعيل الكردي ورجال الصحيحين، إسماعيل الكردي ومتون أحاديث الصحيحين.
من أهم الملاحظات التي أخذتها المؤلفة على الكردي أنه غير مختص ولا دارس لعلم الحديث، ويعتمد على كتب الخصوم في دعاويه، وهذا خلاف المنهج العلمي.
كما أن الكردى لم يأت بجديد سوى ترديد شبهات المعتزلة قديماً والمستشرقين حديثاً، وبينت المؤلفة أن غالب هذه الشبهات قد كشف العلماء من قديم عوارها وبينوا زيفها فلماذا يكرر الكردى وأمثاله هذه الشبهات؟ ولذلك لو كانوا صادقين في بحثهم لحاولوا تفنيد كلام العلماء السابقين على هذه الشبهات، لكنهم بدل ذلك يعيدون نشر الشبهات بلغة جديدة فحسب!!
إن كل محاولات الطعن بعدالة الصحابة ومكانة الصحيحين لا تسلم أمام النقد العلمي الموضوعي، وإن سبب رواج شبهات الكردى في بعض الأوساط غير العلمية لأنهم يطرحونها في كتب ثقافية أو كمقالات في الصحافة، لكنهم يعجزون عن طرح حججهم في مجامع علمية أو مجلات محكمة موثوقة، ولأن الجمهور غير المتخصص لا يطالع الكتب التخصصية عادة فتعلق الشبهة وتصبح مع مرور الأيام وكأنها حق مسلم به، ولذلك من الواجب على أجهزة الإعلام المتنوعة فسح المجال أمام المتخصصين لبيان الأصول العلمية والموضوعية في قضايا عدالة الصحابة وسلامة الصحيحين، وبيان أوجه السبق والإبداع العلمي والابتكار في فحص الروايات وتوثيق الرجال وما تولد عن ذلك من تطور في آليات الفهرسة والتصنيف، والذي اقتبسته أوروبا قبل قرون قليلة وأصبح للأسف بعض المنبهرين بالعلوم الغريبة يعتبره مفخرة لهم وهم في الحقيقة عالة علينا لو كنا نحترم تراثنا وهويتنا!! كما يجب على المختصين بعلوم الحديث المبادرة لعرض هذه القضايا بلغة رشيقة تناسب عامة الناس عبر وسائل الإعلام المختلفة.
إن علوم الحديث من مصطلحٍ ورجالٍ وعللٍ هو من مفاخر أمة الإسلام التي تميزت بها عن سواها من الأمم، والتي يعترف المنصفون من غير المسلمين أن المسلمين بواسطتها يحتفظون بالنص الأصلى لكتابهم ويستطيعون معرفة دقائق حياة نبيهم وأحواله وأقواله بعكس من سواهم من الأمم والشعوب التي رغم أنها لم تكن أمية كحال العرب المسلمين إلا أنهم يعجزون عن إثبات حرف من كتابهم أو خبر عن نبيهم!!
فلماذا يحرص هؤلاء على سلبنا كل كرامة وفضيلة لنا؟ ولمصلحة من يفعلون ذلك؟
دفاعا عن الصحيحين
2014/05/01
الرابط المختصر
Image