دين الوجود "إن الدين عند الله الإسلام"

الرابط المختصر
Image
دين الوجود "إن الدين عند الله الإسلام"

مما يؤسف له أن يجهل كثير من المسلمين والمسلمات عمق تاريخ الإسلام في الكون، وذلك بسبب المناهج التعليمية المزورة في بعض البلاد، والتي تزعم أن البشرية نشأت بلا دين ثم عرفت الوثنية ثم عرفت التوحيد على يد ملك فرعوني وحّد الآلهة في إله واحد هو الشمس!
ويساند هذه التحريفات والخرافات ما يحقن به عقول أطفالنا بشكل غير واع عبر أفلام الكارتون بأن الإنسان القديم كان جاهلا، وليس له دين، ولا يعرف الكلام، ويحسب بالأحجار، ويلبس جلد نمر و...، وهذا كله بتأثير نظرية دارون وأمثالها والتي هي نظريات ساقطة علميًا، وثبت عكس كثير من مفرداتها، وهي تتصادم مع القرآن الكريم بشكل صريح ومباشر.
فالقرآن الكريم يخبرنا وبوضوح أن هذا الكون الفسيح كله يدين بدين الإسلام، قال تعالى: "أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السماوات والأرض طوعاً وكرها وإليه يُرجعون" (آل عمران: 83)، وقال أيضاً: "ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين" (فصلت: 11)، فطاعة الله عز وجل والاستسلام والإسلام لأمره هو الحقيقة التي يدين بها الكون كله، ومن هنا يأتي نظامه وتكامله وتعاونه مع بعضه البعض.
وتديّن الكون لله عز وجل يشمل أمرين: الأول الخضوع القهري والتقيد بما وضع الله عز وجل في الكون من سنن ربانية/ قوانين يسير عليها الكون اكتشف الإنسان بعضها، وكثير منها لم يكتشف بعد، فالكهرباء سنة ربانية خلقها الله عز وجل منذ أن خلق الكون لكن الإنسان لم يعلمها إلا منذ مدة قريبة، وهناك الكثير من هذه السنن والقوانين التي لم تكتشف بعد، ويؤكد ذلك معرفة العلماء أن هناك أشياء غامضة مثل بعض العناصر في الجدول الدوري وبعض الكواكب والنجوم وبعض جزئيات الذرة والتي تشير الحسابات لوجودها مع جهل البشرية بها لحد الآن، "وما أوتيتم من العلم إلا قليلا" (الإسراء: 85).  
والأمر الثاني طاعة الله عز وجل وعبادته بالسجود والتسبيح والطواف، قال تعالى: "إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبّحونه وله يسجدون" (الرعد: 15)، وقال تعالى: "تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبّح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليما غفورا: (الإسراء: 44).
وبهذا يتبين لنا أن دين الإسلام ليس ديناً للمسلمين فقط، بل هو دين للكون كله "إن الدين عند الله الإسلام" (آل عمران: 19)، وهذا من مفاصل الخلاف بين الرؤية والعقيدة الإسلامية وبين غيرها من الأديان المحرفة أو الوضعية أو النظريات العلمانية والإلحادية، وهذا أحد جوانب عقيدة التوحيد الإسلامية التي يغفل عنها كثير من الناس والمسلمين، فالتوحيد هو توحيد الخالق والصانع والمدبر وتوحيد المعبود وهو الله عز وجل الذي له الصفات والأسماء الحسنى، وتوحيد المخلوقات كلها بأنها مخلوقة من قبل الله كلها وأنها كلها تعبد الله عز وجل كرها وطوعاً. 
وأخبرنا القرآن الكريم أن البشر وهم من جملة المخلوقين في هذا الكون الفسيح، طلب منهم ربهم الخالق الرازق المدبر أن يدينوا بدين الإسلام رغبة واختياراً كما هم مسلمون له كرها واضطرارا بخضوعهم لسننه وقوانينه في أنفسهم والكون من حولهم، وأنهم منحوا حرية ممارسة العبودية الطوعية، ولذلك سخّر لهم ما في الكون، ولكن سيحاسبون في الآخرة على الكفر بالله عز وجل أو عصيانه وتجاوز دينه، وهو الإسلام، قال تعالى: "ومن يبتغِ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين" (آل عمران: 85)، وهذا هو الفارق بين جنس البشر والجن وبقية الأجناس في الكون.
فدين الإسلام هو دين البشرية كلها من نشأتها إلى نهايتها وليس دينا خاصا بالمسلمين من أتباع محمد صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: "قولوا آمنا بالله وما أُنزل إلينا وما أُنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما آوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون" (البقرة: 136).
وجوهر دين الإسلام الذي حمله الأنبياء والرسل لأممهم عبر التاريخ هو الاستسلام لله عز وجل والاعتراف له بالطاعة، قال تعالى: "لقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال يا قومِ اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إنى أخاف عليكم عذاب يوم عظيم" (الأعراف: 59)، "وإلى عادٍ أخاهم هودًا قال يا قومِ اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون" (الأعراف: 65)، "وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون" (الأنبياء: 25).
وهذا التطابق في حقيقة دين الإسلام في رسالات الأنبياء عبر التاريخ جانب آخر من جوانب عقيدة التوحيد الإسلامية التي توحد البشر كلهم في صف واحد، لا فرق بين قديم وحديث وقادم في المستقبل، ولا فرق بين أمة وأمة بلون أو لسان أو مكان، فكلهم مطالبون بعبادة الله عز وجل وطاعة أمره واتباع أنبيائه ورسله، وهذا التوحيد للبشرية هو ما يمثله المسلمون اليوم بتنوع أجناسهم ولغاتهم وقومياتهم وبلدانهم، لكن ما يجمعهم هو عقيدة التوحيد، وهم منفتحون على كل الأمم والشعوب الذين يدخلون في دين الإسلام أفواجاً برغم كل التشويه الذي يتم بحق الإسلام والمسلمين.
ويخبرنا القرآن الكريم أن اشتراك رسالات الأنبياء في حقيقة الإسلام وهو عبادة الله عز وجل هو سبب توحد مظاهر العبادة الكبرى بين الأمم كالصلاة والصيام والزكاة والحج، قال تعالى: "ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا وقال الله إنى معكم لئن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وآمنتم برسلي وعزرتموهم وأقرضتم الله قرضا حسنا لأكفّرن عنكم سيئاتكم ولأدخلنكم جنات تجري من تحتها الأنهار" (المائدة: 12)، وقال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا كُتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون" (البقرة: 184)، وقال تعالى: "وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا واتخِذوا من مقام إبراهيم مصلى وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركّع السجود" (البقرة: 125).
ومن هنا يتبين لنا أن القرآن الكريم يقدم لنا رؤية تاريخية موحدة لأمم المسلمين عبر تاريخ البشرية، فربها واحد ودينها واحد وعبادتها واحدة، وعلى صعيد الأنبياء فهم يحملون نفس المبدأ وهو عبادة الله وتوحيده، وأن الإسلام وعقيدة التوحيد هما الدين الذي يطلب من البشر في كل محطات التاريخ البشري، قال تعالى: "قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألاّ نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنّا مسلمون" (آل عمران: 64).
وبهذا ينكشف لنا جانب مغيب من تاريخ البشرية بسبب النظريات العلمانية والإلحادية في تفسير تاريخ البشرية وظهور الدين فيهم، فالرؤية القرآنية تؤكد بأن الكون ومنه البشر كلهم متدينون بدين الإسلام، وبهذا يتضح أن تاريخ الإسلام يمتد في التاريخ عميقاً وقبل خلق الإنسان وآدم أصلاً، قال تعالى: "وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبّح بحمدك ونقدّس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون" (البقرة: 30)، فدين الإسلام وعبادة الله عز وجل من الملائكة وغيرهم كانت موجودة قبل خلق الإنسان والبشر، هذا هو الحق الذي يجب أن يسود وليس نظريات علمانية لا دليل عليها سوى أهواء مغرضة لأصحابها ولذلك تتعدد وتتناقض تصوراتهم.
والقرآن الكريم يخبرنا أن الإسلام هو الدين الذي عرفه البشر منذ لحظة الخلق الأولى لجنس البشر، وأن أصل الإنسان، وهو آدم عليه السلام كان مسلما قال تعالى: "فتلقّى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم" (البقرة: 37)، وكان آدم عليه السلام (نبيا مكلما)، وهذا هو الحق الذي يجب الإيمان به، وليس الخرافة القائلة بأن التوحيد أسسه أخناتون الفرعوني، الذي وحّد الآلهة في إله الشمس! وقد فشل في ترسيخ ذلك في أتباعه ولكن فتح الطريق لليهودية والمسيحية والإسلام للتبشير بالتوحيد!
وهذا قلب للتاريخ على رأسه، فالبشرية خلقت موحدة ومؤمنة وذلك راسخ في فطرتها "فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله" (الروم: 30)، والأصل فيها هو التدين والإسلام، وهذا ما يعترف به علماء الآثار والتاريخ بشكل منقوص حيث يقولون: تخلو بعض الحضارات من بعض مظاهر المدنية، لكن لم نجد حضارة تخلو من الدين، ولكن ما فاتهم أن يدركوه هو أن الإسلام هو الدين الأصلي والأساسي، ثم حدث الانحراف عنه بارتكاب المحرمات وترك الواجبات والشرك بعبادة غير الله عز وجل.
وقد سجل القرآن الكريم وقوع الشرك في قوم نوح عليه السلام، وهو أبو البشر الثاني، فقال تعالى: "ومكروا مكرا كُبّارا وقالوا لا تذرنّ آلهتكم ولا تذرنّ وَدّاً ولا سواعاً ولا يغوث ويعوق ونسرا" (نوح: 22- 23)، فهؤلاء كانوا رجالا مؤمنين صالحين، فلما ماتوا غلا فيهم الناس فرسموا صورهم في الأماكن العامة ليتذكروهم ثم بالغوا في تقديرهم حتى عبدوهم، وبهذا ظهر الشرك في عبادة الله عز وجل بين البشر، نستخلص من هذا أن الشرك والوثنية هما الطارئان على تاريخ البشرية.
ولكن النظرية العلمانية والإلحادية تعتبر الإنسان جاء من الصدفة أو تطور من حيوان وتزعم أن الإنسان كان لا دين له ثم عرف عبادة الطوطم ثم الكائنات ثم الآلهة المتعددة ثم التوحيد وهكذا، وليس لهؤلاء في كل ذلك دليل يعتمد عليه إلا أهواؤهم وآراؤهم المتعارضة المتناقضة!
إن الحقيقة التي يؤكدها القرآن الكريم هي أن الدين والإسلام والتوحيد هم الأصل في جنس البشر الذين كرّمهم الله عز وجل وأسجد الملائكة لأبيهم آدم، وعلم أباهم الأسماء كلها، فلم يكن جاهلاً ولم يكن حيواناً ولم يكن بلا دين، وأن الإسلام وعبادة الله عز وجل هما دين البشرية كلها على طول تاريخها، وأن الإسلام هو الدين الذي لا يقبل سواه حتى تنتهي حياة البشرية على الأرض "ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى وإلى الله عاقبة الأمور" (لقمان: 22).
والعاقل هو من ينخرط في دين الإسلام في عصره ويتمسك به حتى يسعد في الدنيا وينجو في الآخرة.