رسائل إلى أهل السنة (١١ _ 15)

الرابط المختصر
Image

(11)

في الرسائل الخمس الماضية (٦-١٠) كان الحديث عن العمل والحل في المجال الفردي والشخصي غالبا، وننتقل الآن للحديث عن الفضاء والمجال العام.
فمما هو مستقر في منهج الأنبياء والصحابة والأئمة هو المشاركة الإيجابية والتفاعل المثمر مع الواقع المحيط ولو كان واقعا معاديا.
ولنا في سيرة نوح وهود وصالح وشعيب وإبراهيم ولوط وموسى وعيسى ومحمد عليهم الصلاة والسلام عبرة وقدوة.
 وبرغم كفر وعناد أقوامهم لم يتوانَ الرسل والأنبياء عن التواصل مع أقوامهم بالدعوة والتذكير والموعظة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وشمل تواصلهم العامة والخاصة.
وكان ذلك التواصل مباشرا ومتكررا وفي كل مكان وبكل وسيلة متاحة.
وعلى هذا التواصل والمشاركة درج الصحابة الكرام، فهذا جعفر وأصحابه في الحبشة لم يترددوا في مواجهة وفد قريش أمام النجاشي وبطانته، ولما وقعت الحرب بين النجاشي وخصومه، حرصوا على متابعة المعركة بشكل مباشر وقريب حتى سبح أحدهم في النيل على قربة ليتابع مجريات المعركة ويُعلم المسلمين بنتيجتها.
وسيرة شيخ الإسلام ابن تيمية نموذج في التفاعل والإيجابية، فحين تقاعس حكام الشام عن مواجهة التتار تصدى لذلك فحشد الناس والأمراء وراسل السلطان في ذلك وشارك في القتال بنفسه وكان في طليعة الجيش.
فالواجب على أهل السنة تحقيق الخيرية التي حدثنا عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المؤمِنُ الذي يُخالِطُ الناسِ و يَصبِرُ على أذاهُمْ ، أفضلُ من المؤمِنِ الَّذي لا يُخالِطُ النَّاسَ ولا يَصبرُ على أذاهُمْ" أخرجه الترمذي وصححه الألباني.
واليوم نحتاج إلى مشاركة سنية إيجابية قوية للناس بالنصيحة والتعليم والتوجيه والوعظ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حتى لا نترك الناس نهبا للباطل من الكفر الوافد أو البدع والضلالات المحلية. 
وإذا منع أهل الخير من منابر المساجد والإعلام فليحولوا كل مكان إلى منبر ووسيلة لنشر الخير والحق.
وليحرصوا على أن يستثمروا مكامن القوة التي سخرها الله لهم بمشاركة إيجابية من قوة علمية أو جاه وشرف بمنصب ووظيفة أو عشيرة وقبيلة أو مال وغنى أو شهرة ومكانة.
ولنتذكر قصة نعيم بن مسعود وكيف أن مشاركته الإيجابية أول لحظات إسلامه أثمرت تفكيك تحالف الأحزاب مع يهود المدينة في غزوة الخندق، فلتكن سيرة السلف ومنهجهم لنا قدوة وسبيل فعلا.

(12)

في هذا الواقع الصعب لا بد من العمل لنصرة دين الله عز وجل "وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر"، ولكن العمل المطلوب كبير والجبهات التي تحتاج إلى رباط كثيرة، والأعداء والخصوم في تزايد كما أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم: "يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها"، ونحن قدرتنا محدودة والمطلوب يفوق الجهد المبذول، فما الحل؟
بداية لا بد دوما من استحضار القاعدة الشرعية في موازين الصراع بين الحق والباطل، والإيمان والكفر، والسنة والبدعة، ألا وهي أن النصر لا يرتبط بالقوة العددية والمادية بل بقوة تمسكنا بالحق، ومما ينسب للفاروق رضي الله عنه قوله: إنكم لا تغلبون عدوكم بعدد، ولا عدة، ولكن تغلبونهم بهذا الدين.
فالحرص على التمسك بديننا وبأوامر الكتاب والسنة ونهج السلف هو العمدة والأساس، ثم تتفرع منه بقية الأدوات والوسائل لنصرة الدين في هذا الوضع المستجد على كثير من شباب الإسلام الذين لم يشهدوا الضيق الذي كان فيه أهل السنة قبل بضعة عقود فقط! ولعل مطالعة معاناة الشيخ الألباني رحمه الله في سوريا تكشف لكثير من الشباب اليوم أن من فضل الله عليهم أنهم عرفوا منهج أهل السنة في حال السعة والقوة.
مما نحتاجه اليوم لتحقيق نصرة الدين مع قلة المعين التعاون والتكامل، فلا يمكن لشخص أو مجموعة أو مؤسسة أن تلبي كل المطلوب، فلا بد من التكامل والتعاون وهذا له صور عديدة:
-    الدعاء والثناء والدعم المادي والمعنوي لكل جهد وعمل صحيح في أي مكان وفي أي مجال.
-    تشجيع أصحاب المبادرات والجهود الطيبة بشكل مباشر أو غير مباشر بالكلمة والاتصال والهدية والتبرع.
-    عدم تكرار نفس الجهود في نفس المكان وعلى نفس الجمهور، بل تقديم شيء مختلف لنفس الجمهور أو العمل مع جمهور آخر.
-    مساعدة الآخرين في اختصاصاتهم، بتحويل الأسئلة والناس لهم فيما يتعلق بتخصصهم، بإهدائهم الكتب والأبحاث والمعلومات التي تخصهم ولو عبر رسالة إلكترونية، باقتراح أفكار مفيدة لهم وبنصيحتهم.
-    في مجال العمل عبر الفضاء الإلكتروني لنحرص على تقديم جهد غير مكرر بل نبحث عن سد فراغ مكشوف، بشرح مادة أو كتاب غير مشروح، أو استهداف جمهور مغفول عنه، أو شرح مادة بطريقة جديدة أكثر نفعا وهكذا.
-    إرشاد الناس للبرامج النافعة مما هو قائم حاليا أو مما هو موجود ولكن أصبح قديما قد لا ينتبه له الكثير، وتفعيل الأرشيف من البرامج في غاية الأهمية.
-    تشجيع التخصص في مجال أو جمهور، بحيث يصبح عندنا مجموعات من الدعاة في المجالات العلمية أو الدعوية أو الجمهور تختص به، ثم هي في هذا المجال نفسه تتكامل وتتعاون لتغطية كل جوانبه من ناحية المستويات العلمية (مبتدئ، متوسط، متقدم)، أو الجمهور (عامي، مثقف، طالب علم)، أو تعليم أو رد شبهات، وهكذا.
-    عدم احتقار أي جهد ومبادرة طيبة، فمن الخطأ أن يكون الجهد كله صوب جهة محددة ولو كانت الأفضل، فنحن نحتاج إلى برامج للأطفال والنساء والشباب وللموظفين وللباعة والتجار، ونحتاج أن نقدم بدائل للترفيه المباح يغني الناس عن الترفيه المحرم أو المشوب بالحرام، ولنتذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء لقبر المرأة السوداء التي كانت تنظف المسجد وصلى عليها، لأنها كانت تنصر الدين في جانب محدد بقدر طاقتها.
-    كل فرد منا من الممكن أن يكون له دور إذا آمن بالتكامل والتعاون وركز على قدرته وإمكانه وتخلص من هوى النفس بحب الظهور والتصدر والتزاحم على تقليد المشاهير. 
هذه أفكار في التعاون والتكامل يحتاجها أهل السنة لعبور هذا الزمان الصعب، والله والمستعان.

(13)

نعيش اليوم مرحلة جديدة نشهد فيها محاصرة لدعوة أهل السنة ودعما للدعوات الباطلة من قبل الزنادقة كشحرور وأضرابه أو دعاة البدعة من المتصوفة و"المتمشعرة".
ومما زاد الأمر سوءا تبعات جائحة كورونا التي أفرزت إغلاق المساجد وتعطيل صلاة الجمعة والتراويح وحلقات التحفيظ والدروس.
هذا كله يدفع العقلاء والنابهين والطامعين بالأجر والثواب والحرص على مصلحة الإسلام والسنة إلى العناية بالدعوة إلى الله عز وجل على علم وبصيرة وبحكمة وروية عبر الفضاء الإلكتروني وتفعيل التواصل المباشر وغير المباشر.
وهذا يشمل جميع أهل السنة على اختلاف مراتبهم، ويشمل كافة العلوم والفنون.
ولقد رأى الجميع كيف تألقت دورة مهمات العلم هذا العام برغم أنها عقدت عبر البث المباشر لكافة أنحاء العالم.
وكلما سارع العلماء والدعاة للتواصل مع جمهورهم وغيرهم عبر الفضاء الإلكتروني كانت النتائج أفضل ولم نسمح للباطل أو الجهل بالتمدد.
وهذا يقتضي من العلماء وطلبة العلم مراعاة متطلبات ذلك من حسن التعامل مع البرامج الإلكترونية أو الكاميرا والميكرفون فضلا عن تفعيل أدوات الشرح والتعليم عن بعد لديهم.
وبالمقابل؛ على الناس وطلبة العلم الحرص على التأقلم على التعلم عن بعد، والذي يحتاج إلى جدية وحرص أكثر برغم أنه سهل من جوانب متعددة، فيمكن التعلم في أي وقت ومكان يناسبك ولست ملزما بموعد ومكان، ويمكنك إعادة المادة مرارا، وتستطيع التعلم بقدر ما تريد، وتوفر تكاليف المواصلات والجهد.
إن التعلم عن بعد مفهوم قديم وليس حديثا، ومن أمثلته الدراسة بالمراسلة أو عبر البرامج المسجلة على أشرطة كاسيت أو عبر برامج الراديو والتلفاز.
وقد مارس بعض الأئمة ذلك فقد كانت إجابات العلامة الألباني على اتصالات الهاتف واللقاءات ثم تسجيلها ونشرها في العالم شكلا مبكرا من أشكال الدعوة عبر الوسائل التقنية.
وكذلك مشاركات العلماء، وخاصة الشيخ ابن باز، في برنامج نور على الدرب تعليما غير مباشر لآلاف الناس عبر أثير إذاعة القرآن الكريم، والتي كان طلبة العلم يتفرغون لسماع البرنامج والفتاوى منها بشكل يومي عن بعد.
وها نحن من جديد نواجه ضرورة الاعتماد في الدعوة إلى الله عز وجل على الوسائل التقنية وعدم انتظار انجلاء الغمة ورفع الحظر عن المساجد والمنابر من جائحة كورونا أو جائحة التصوف والتمشعر، بل لنسارع بملء الفراغ بالنافع والمفيد من العلم والدعوة، ونراعي التكامل والتعاون والتنوع والتدرج.
ونخصص شيئا لطلبة العلم بنفس طويل لعله يستغرق سنة، وشيئا عاما سريعا للعامة وهكذا.
وعلى طلبة أهل السنة وشبابهم الحرص على اعادة نشر وبث المقاطع المفيدة والمناسبة لمحيطهم من أهل وأقارب وجيران وزملاء ومعارف.
والتنافس في استخراج الكنوز والدرر من إرث العلماء في دروسهم وتسجيلاتهم وإعادة إحيائها ونشرها، أو التنافس في تصميم اللوحات والجداول النافعة والمفيدة، وليستحضروا الأجور العظيمة الدائمة في نشر العلم والعمل به.
والنساء والفتيات هن كذلك مطالبات بدخول ميدان المنافسة على الأجور والثواب العظيم للدعوة "ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله".
وفّق الله الجميع لطاعته والمساهمة في مجال الدعوة إلى الله عز وجل.

(14)

من الأحاديث المتفق على صحتها قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يُبقِ عالمًا اتخذ الناس رؤوسا جهالا، فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلّوا وأضلّوا".
وهذا الحديث يبين لنا جانبا من سنة الله الكونية في كيفية انحسار العلم وفشو الجهل، وأن الجهل التام يحدث بغياب العلماء بالموت وقبض أرواحهم، وموت العلماء أصبح ظاهرة واضحة منذ عدة عقود وتزايد مع جائحة كورونا بشكل خاص.
وفي هذه المرحلة العصيبة التي يعيشها أهل السنة فعددٌ من علمائهم ودعاتهم اليوم إذا لم تقبض أرواحهم بالموت فإن أبدانهم قبضت بالسجون وآخرون قبض علمهم عن البث عبر وسائل الإعلام من القنوات والإذاعات بل وحتى من منابر المساجد ومحاريبها!!
وهذا كله أنتج ما أخبر عنه المصطفى من تصدر الرؤوس الجهال من الصوفية والأشاعرة والمتمذهبة وأهل الأهواء والانحراف بتوجيهات من العلمانيين في الداخل والخارج.
وتكاثر هؤلاء الرؤوس الجهلاء الضالون حتى أصبح من الصعب التحذير منهم كلهم أو التحذير من كل ضلالاتهم وجهالاتهم التي لا تنتهي والتي تشمل كل شيء من هدم أصول الدين كما في ترويجهم لفرية الديانة الإبراهيمية، أو تحريف أحكام الشريعة لمجاراة مخططات الكفر العالمية كما فعل علي جمعة في تكذيب نفسه بزعم عدم جواز ختان الإناث في الشريعة بعد أن كان قبل سنوات يقر بالختان ومشروعيته في الإسلام في كتبه ولقاءاته وبرامجه!
ومن آخر رموز الضلال التي ظهرت على الساحة الجاهل الأفاك جابر البغدادي الذي يخدع الجماهير بعذوبة لسانه فيمرر عليهم الأكاذيب والخرافات التي ينسبها للنبي صلى الله عليه وسلم ولسنته وشريعته زورا وبهتانا.
والواجب على أهل السنة مدافعة السنن الكونية بالسنن الشرعية، وقد بيّن ذلك ابن تيمية في كتابه (العبودية) من خلال نقله كلام عبد القادر الجيلاني: "إن الكثير من الرجال إذا وصلوا إلى القضاء والقدر أمسكوا، إلا أنا، فإنه انفتحت لي فيه روزنة، فنازعت أقدار الحق بالحق للحق".
ومن مدافعة السنة الكونية بقبض العلماء وانتشار الجهل باتخاذ الرؤوس الجهال، الحرص على التعلم من العلماء الباقين وطلبة العلم، والحرص على تبليغ العلم لأمره صلى الله عليه وسلم: "بلغوا عني ولو آية"، وقوله: "خيركم من تعلّم القرآن وعلّمه".
ومن توفيق الله ومنته على أهل زماننا يسر نشر علم العلماء بالتقنية الحديثة التي سجلت علوم العلماء بالصوت والصورة ولو رحلوا عن دنيانا، وكذلك عبر ما دوّنوه في الكتب.
فالواجب على أهل السنة تداول العلم بينهم بمطالعة علم السابقين أولا، ثم نشر علومهم بكل وسيلة وقد كثرت هذه الوسائل اليوم بفضل الله عز وجل، فإذا حُرم علماء ودعاة السنة منابر المساجد والفضائيات فإن منابر "الإنترنت" ومنصاتها متاحة مبذولة مجانا في كل وقت ولكل مكان.
فلْيحرص علماء أهل السنة وطلبة العلم فيهم على استغلال منابر التقنية الحديثة لبث الهدى والتوحيد والإيمان والسنة والموعظة الحسنة والأخلاق الكريمة بين جموع المسلمين، وليقدروا هذه النعمة العظيمة التي اختصهم الله عز وجل بها، ولنتخيل كيف كان ليستغلها علماؤنا وأئمتنا السابقون، ويكفي لذلك أن نستحضر كيف وظّف الشيخ ابن عثيمين على وجه الخصوص نعمة الهاتف في إقامة الدروس والمحاضرات والدورات لدول أخرى وهو جالس في بيته أو مسجده، فكيف اليوم وقد أصبح يمكن نقل ذلك بالصوت والصورة والتفاعل المباشر بيسر وسهولة بعد أن كان ذلك يكلف أموالا طائلة.
 وليحرص شباب وشابات أهل السنة على مدافعة بدع وخرافات رؤوس الضلال التي يراد لها أن تروج من خلال نشر العلم النافع والسنة الصحيحة والمعلومة الوثيقة عبر هواتفهم وأجهزتهم المحمولة بين أصدقائهم وأقاربهم وزملائهم.
وهذا شرف عظيم في زمن الفتنة والغربة.

(15)

على أعتاب شهر رمضان المبارك كم يحسن بنا أن نتذكر قوله تعالى مخاطبا نبيه صلى الله عليه وسلّم: "وأنذر عشيرتك الأقربين"، فكما أن شهر رمضان هو شهر القرآن وشهر الاستغفار وشهر الخير، فإن أنفع الخير هو الدعوة إلى الله عز وجل وهداية الناس لهداه جلّ وعلا، وخير من يستحق هذا الخير هم عشيرة المسلم وأقاربه.
وقد حرص النبي صلى الله عليه وسلم على دعوة أقاربه وعشيرته حرصا بالغا وكرر لهم الدعوة مرارا كثيرة، قبل أن يدعو بقية الناس والقبائل في موسم الحج أو عبر ذهابه للطائف وهجرته للمدينة المنورة، ثم إرسال الرسائل والسفراء لملوك الأمم والشعوب الأخرى.
وقد رتب الله أجورا عظيمة على هداية الناس لعبادته، ولكن ذلك يتضاعف بإذن الله عز وجل إذا كان على الأقارب، لأن في ذلك دعوة للخير وصلة للقريب، كحال الصدقة على ذوي الأرحام فإنها صدقة وصلة.
فلنحرص جميعا على دعوة أقاربنا وأرحامنا للخير والهدى في هذا الشهر خصوصا، وسائر الشهور عموما، وقد كانت دعوة الأقارب نهج السلف، وعليه تأسس الإسلام، فأول من آمن من النساء خديجة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، ومن الصبيان عليٌّ ابن عمه، ومن الرجال أبو بكر صديقه ورفيقه، ثم آمن عدد من أقارب النبي صلى الله عليه وسلم وعدد من أقارب أبي بكر، وكلما دخل شخص في الإسلام كان يدعو أقاربه للهداية والخير، ولم تمضِ سوى مدة يسيرة حتى أسلم جمع من أهل مكة.
وكذلك الحال عند الأنصار، فبعدما أسلم ١٢ رجلا منهم في بيعة العقبة الأولى دعوا أقاربهم للإسلام فلما جاؤوه بعد سنة كان عددهم قد تضاعف فأصبح ٧٠ رجلا وامرأتين.
وهذه البركة للدعوة إلى الله عز وجل هي سبب انتشار الإسلام عبر القرون برغم كل الصعاب والمحن والتحديات التي تعترض مسيرة الحق والهدى والخير.
وذلك أن الدعوة إلى الله عز وجل ليست مناطة بجهة أو أشخاص محددين بل هي نعمة وفضل مبذول لكل مسلم ليتزود منه فمستقل ومستكثر.
وتأثير الدعوة في الناس تأثير عجيب ويتضاعف بطريقة مهولة غير متصورة، وهي أقرب ما تكون للزيادة "الأسية" بلغة الرياضيات والتي تعني زيادة عظيمة فوق التخيل مع مرور الزمن، ومما يقرب هذه الزيادة الخيالية للذهن تصور ما يلي: رقعة لعبة الشطرنج تحتوي على ٦٤ مربعا، فلو وضعت حبة قمح في المربع الأول وضاعفت ذلك في المربع الثاني ثم ضاعفت الثاني في الثالث وهكذا ٨،٤،٢،١  فلن تصل للمربع الأخير إلا وتعجز حقول الأرض ربما عن توفير مجموع هذه الأعداد من حبات القمح!!
وهذه الزيادة الكبيرة في عدد المسلمين وقوتهم بفضل الدعوة إلى الله عز وجل والدعوة إلى التوحيد والسنة والتي قام بها سلفنا الصالح هي التي جعلت نابليون يلخص ذلك في جملته الشهيرة: "فتح العرب المسلمون نصف الدنيا في نصف قرن"، فسنة ٩٦ للهجرة كان الإسلام يمتد من الصين شرقا إلى طنجة على المحيط الأطلسي غربا.
فيا أهل السنة شمروا عن ساعد الجد في شهر رمضان في طاعة الرحمن ومن ذلك امتثال أمره "وأنذر عشيرتك الأقربين".