رسائل إلى أهل السنة (16-20)

الرابط المختصر
Image

(16)

الإصلاح مقصد أساسي لدعوات الرسل والأنبياء، وقد صرح بذلك شعيب عليه الصلاة والسلام فقال: "إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت"، ولذلك أمر الله عز وجل مرارا في كتابه بالإصلاح واتباع المصلحين.
وأهل السنة مدار دعوتهم في هذا الزمان على إصلاح عقائد وعبادات ومعاملات وأخلاق الناس، وذلك بتعليم الناس ووعظهم وتذكيرهم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ولما كنا نعيش في مرحلة زمنية تشهد تبدلات كبرى على مختلف الأصعدة والمجالات، وهي تبدلات سلبية في غالبها، وتشي بأن كثيرا من أبواب الإصلاح العام وقنواته قد تغلق أو أغلقت في العديد من الدول، وأن هناك حالة استكبار ورفض للإصلاح سواء من قوى دولية تغتر بقوتها وسيطرتها وتريد فرض رؤيتها على البشرية جمعاء وتجعل من رؤيتها (نهاية للتاريخ) أو تمنح نفسها حق تعديل أديان الآخرين لتكون أديانا متنورة ومعتدلة، وخاصة دين الإسلام، فيطرح مركز راند (إسلاما مدنيا) يدعو لنبذ السلفية والتمسك بالصوفية والأشعرية وأفضل منهم التفسير الحداثي العلماني للإسلام!
أو من قوى طائفية صاعدة تحدث نفسها وتمنيها بالتوسع والتمدد في فضائنا تحديدا لقلة تديننا وضعفنا وتفرقنا، ومن قبل قوى محلية ترفض الإصلاح حفاظا على مكاسب غير مشروعة وهيمنة موروثة ستفقدها بالإصلاح، فلذلك توصد الأبواب في وجه أي إصلاح، وتكتفي بإطلاق شعارات الإصلاح لتفريغ شحنات الغضب عند الجماهير.
لهذا كله فإن معرفة أهل السنة بالمساحات المتاحة من الإصلاح وما هو الإصلاح الممكن في زمن رفض الإصلاح لهو من أهم أبواب الوعي والفهم المطلوب.
إذا كان باب الإصلاح من خلال مؤسسات الدولة كالتعليم والمساجد والإعلام قد أغلق أو قيّد كثيرا فإن باب العمل في الفضاء العام والشعبي والمدني مفتوح على مصراعيه، ويجب على أهل السنة حُسن استغلال هذا الفضاء الواسع والحرص على بقائه مفتوحا، حيث أن دعاة الليبرالية والحريات الممسوخة كحريات الإلحاد والردة والشذوذ والفواحش سيتحالفون مع دعاة البدع والضلال لمحاولة حرمان أهل السنة من هذه الحرية الحقة في تناقض صارخ مع ليبراليتهم من جهة، كما أن دعاة البدع سيحاربون حرية أهل السنة في بيان معتقدهم مع ترحيبهم بحريات الملحدين والشواذ لضمان بقائهم في المشهد العام!
ولذلك على نخب أهل السنة زيادة وعيهم واستغلالهم للمكتسبات الممكنة من الحقوق المدنية التي يتحاكم لها الناس اليوم في عالمنا، وإن الحرص على بقاء هذه الحريات هو من باب دفع أعلى المفسدتين بارتكاب أخفهما، فغياب الحريات يعني القمع والتعذيب والمنع الشامل من التدين كحال إجرام الصين بحق المسلمين الإيغور فيها.
أما غاية الإصلاح الذي ننشده فهو المستقبل، فإذا تعذر الإصلاح اليوم فلنعمل للمستقبل وذلك من خلال مواصلة نشر العلم والدعوة والتوجيه للناس كافة في كل مكان وزمان ووسيلة ممكنة بحيث نحافظ على بقاء وجود التدين الصحيح الخالي من الشرك والبدعة والجهل حاضرا بقوة في حياة الناس، ونرفع مستوى العلم والوعي الذي يجنب شبابنا وشاباتنا تكرار أخطاء الحاضر والماضي سواء أخطاء الإفراط والغلو والتشدد والعنف والتكفير، أو أخطاء التفريط بالتميع والتساهل والشهوات.
ليكن غاية إصلاحنا هو المستقبل من خلال المساهمة في بناء الأجيال القادمة التي تطبق الإصلاح في واقعها بعلم وحكمة، واتضاح هذا البعد المستقبلي في إصلاحنا سيكون من أسباب توفيق الله عز وجل لنا بعدم اليأس والقنوط وترك مسار الالتزام والإصلاح من جهة، أو الوقوع في فخ الاستعجال والتهور والإقدام على حماقات قاتلة.
كلما أدركنا الساحات المفتوحة لنا اليوم، وهو الفضاء العام، وركزنا جهدنا فيها أثرت جهودنا وتجاوزنا حالة الارتطام المتكرر بالجدران الصلبة دون فائدة، وكلما أدركنا غاية الإصلاح اليوم وهو إصلاح المستقبل تجاوزنا ألغام الشيطان باليأس والقنوط والنكوص أو التهور والانتحار، والله الموفق لا رب سواه.

(17)

في ليلة السابع والعشرين من رمضان لعام ١٤٤٢هـ، والمرجو أن تكون ليلة القدر، خاض المرابطون في المسجد الأقصى مواجهات عنيفة مع قطعان اليهود، واستمرت هذه المواجهات لعدة أيام.
وقد سطر فيها المقدسيون العزّل والفلسطينيون المدنيون ملاحم أسطورية من الصمود والثبات واللجوء إلى الله عز وجل دون انتظار معونة من سلطة أو فصائل، فضلا عن دول عربية أو إسلامية، بل كان مددهم الوحيد هو دعاء إخوانهم المسلمين من كل أنحاء المعمورة، وهو نعم المدد لمن يعقل ويؤمن.
وفي هذه المواجهات المشرّفة ظهرت حقائق إيمانية وسنن ربانية كونية جديرة بالتأمل والانتباه ومن ثم التعاطي الإيجابي معها،  ولعل منها:
١-القوة الإيمانية الضخمة الكامنة في حنايا المقدسيين والفلسطينيين وعموم المسلمين، هذه القوة التي لا تملك سلاحا ولا عتادا قهرت أقوى الجيوش والجنود المدججين بالسلاح والعتاد.
٢-لقد تجسدت علنا في هذه الملاحم البطولية عقيدة أهل السنة بأن المسلم -ولو اقترف المعاصي- فإنه قد يكون محبا لله ورسوله ودينه، فقد شاهدنا الكثير من شباب وشابات القدس وفلسطين لا يظهر عليهم أثر الالتزام الشرعي لكنهم كانوا يدافعون عن مقدسات الإسلام بأرواحهم ودمائهم، مما ذكّرني بقوله صلى الله عليه وسلم: "إنه يحب الله ورسوله" لمن أُتي به مرارا ليقام عليه حد شرب الخمر!
٣- تداعى كل المسلمين الصادقين من مشارق الأرض إلى مغاربها للتضامن مع المسجد الأقصى والمرابطين فيه بالدعاء والدعم الإعلامي والتبرع المالي لمؤسسات الأقصى والضغط السياسي على حكوماتهم أو المجتمع الدولي، وهذا من علامات قوة المؤمنين المعنوية وتأثير عقيدة الولاء والبراء الكبير، والذي يدركه الكفار والمشركون ويسعون من عقود لإزالة هذه الهوية الشرعية العقدية تحت شعارات الوطنية والإنسانية والتعايش وقبول الآخر.
٤- إن هذه الحالة الرائعة في زمن الضعف والانكسار لهي نتيجة مشرقة لجهود آلاف العلماء والدعاة وطلبة العلم عبر عقود طويلة سميت بالصحوة الإسلامية والتي تهاجَم وتُذم اليوم من العلمانيين والكفار لتمرير مخططاتهم الخبيثة وأجنداتهم الشريرة.
نعم؛ شهدت الصحوة الإسلامية أخطاء وخطايا ولكن تصدى لها كثير من العلماء والعقلاء بالعلاج والإصلاح ولا يزالون، لكن هؤلاء يتخذون من هذه الأخطاء والخطايا مطية لحرب الإسلام نفسه بالكلية لا معالجة الأخطاء، وينطبق عليهم قوله تعالى: "وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ألا إنهم هم المفسدون".
والخلاصة: عليكم يا معاشر أهل السنة مواصلة جهودكم في الدعوة والتعليم لتوحيد الله عز وجل وطاعته وعبادته، والتي منها الدفاع عن المقدسات وتحريرها ونصرة المظلومين والمحتلين، ولا تتركوا مواقعكم في أي مكان كنتم، فبجهودكم البسيطة هذه تسري في الأمة روح الإيمان والعزة والولاء لله ورسوله وللمؤمنين وللمسجد الأقصى، وبهذه الروح الإيمانية ستنهض الأمة وتستعيد عافيتها ومجدها.
والمشاركة في إبقاء شعلة الإيمان وجذوة اليقين في قلوب الأمة شرف عظيم لا يحوزه إلا المصطفين من الله عز وجل، ومَن شرّفه الله عز وجل بذلك فليفرح فرحا عظيما وليستبشر بهذه الملاحم البطولية في الأقصى وبهذه الأخوة الراقية بين جموع المسلمين، وكم نحن اليوم بحاجة للفرح في هذه الأيام المباركة لنواصل المسير في سبيل الله عز وجل بالدعوة إليه والجهاد فيه والقتال دفاعا عنه.
وفقنا الله جميعا لطاعته وشرف الدفاع عن دينه ومقدساته.

(18)

روى البخاري أن مصعب بن سعد بن أبي وقاص قال: رأى سعد، رضي الله عنه، أن له فضلاً على من دونه. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "هل تُنصرون وتُرزقون إلا بضعفائكم"، وعند النسائي وصحّحه الألباني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنما يَنصر الله هذه الأمة بضعيفها بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم".
فالضعفاء مظنة الإخلاص في الدعاء، ولعل هذا من مقاصد الأمر بالصدقة لعلاج المرضى "داووا مرضاكم بالصدقة"، ولقد شاهدنا جميعا قبل مدة قريبة تلك المرأة المصرية الأصيلة حين مُنحت مبلغا كبيرا عن إجابتها لسؤال بسيط، كيف أنها توقفت في قبوله وسألت إن كان حلالا لها لأنها لم تتعب فيه! في موقف يظهر الصفاء والصدق والإخلاص الذي يغيب عن حيتان الفساد في غالب البلاد.
لقد كان استبسال أهلنا الضعفاء العزل في فلسطين أمام جبروت اليهود المدججين بالسلاح، بعد تجمعهم على الصلاة بالأقصى وبأيديهم الفارغة ألقوا الرعب في قلب المعتدين، من أمثلة نصرة الله عز وجل للضعفاء.
وإخلاص ودعاء وصلاة الضعفاء بنص الحديث سبب النصر للمؤمنين بعد إعداد ما يستطيعون، ذلك أن المؤمنين ينتصرون بتوفيق الله وتسديده وليس بقوتهم المادية المجردة.
ودعاء الضعفاء هو من مقتضيات عقيدة الولاء للمؤمنين في كل مكان والبراءة من أعداء المؤمنين في كل مكان، وقد تجلّى هذا في انتفاضة الأقصى الأخيرة ومعركة سيف القدس، فقد رفعت الأكف بالدعاء لله عز وجل في أرجاء الأرض من ملايين المسلمين الضعفاء العاجزين عن نصرة الأقصى بأنفسهم، وارتفعت التأمينات على دعوات الأئمة في جنبات المساجد الثلاث وبقية مساجد المسلمين، وكان لهذا أثر عظيم شاهدناه في تثبيت الله عز وجل قلوب المرابطين في القدس وغزة، ودب الرعب في قلوب عدوهم الخسيس.
ومن أشكال الإخلاص في الولاء والبراء ونصرة المسجد الأقصى والأرض المباركة تداعي ملايين الضعفاء لملء مواقع التواصل بالدعاء لهم والترويج لنصرتهم وبث أخبارهم وصورهم، والمشاركة بالوقفات والبرقيات والمطالبات للجهات المعنية، مما جعل موازين الرأي العام العالمي تميل معنا وتتحدث عن حقنا وعدوان اليهود على أهلنا، وكسب الرأي العام غير المسلم أمر أرشدنا له النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه".
من هنا؛ فإن وعي العلماء والدعاة وطلبة العلم لمركزية دورهم في الأمة بنشر العلم والموعظة وتثبيت ورعاية وتربية الأجيال -ولو كانوا ضعفاء- هو العامود الفقري لنصرة الأمة وقوتها معنويا وماديا، كما رأينا في بث حي ومباشر من جنبات الأقصى وعموم فلسطين.
والواجب تقدير هذا الدور ودعمه من كل مخلص وصادق، خاصة وقد تكالب الخبثاء للقضاء على دور العلماء وطلابهم في الأمة، فأبعدوهم عن الإعلام والتعليم، والآن يجري العمل على إبعادهم عن منابر المساجد، وتصدير جهلة أو عبدة الأهواء والضلال والإلحاد حتى في الإعلام والتعليم والمساجد!
ومما ينبغي الوعي بشأنه أن المعارك العسكرية والمواجهات الدامية تستقطب الاهتمام خاصة مع شيوع وسائل التواصل الاجتماعي، وهذا يجلب نصرة الضعفاء ودعواتهم وإخلاصهم وصلاتهم ومشاركاتهم المباركة.
لكن حين تقف المعارك العسكرية والصواريخ وتبدأ معارك السياسة يقلّ الاهتمام الشعبي وتفقد المقاومة وقضية فلسطين الظهير الشعبي الذي هو أكبر نصير لهما بعد الله عز وجل.
لذلك من الأهمية بمكان أن يحرص العقلاء على إبقاء الظهير الشعبي مساندا لهم في معركة المساومات والمفاوضات التي تتمّ اليوم، والتي تهدف لإفراغ ما حققه الشعب الفلسطيني ومقاومته من مكاسب كبيرة وتجييرها لصالح خونة عاجزين، ومما يساعد على إفراغ العدوان السياسي إدامة الوعي لدى الجماهير بأخبار المساومات وتطوراتها والخيانات والفخاخ التي تنصب من أجلها، وجعل قبول تلك الخيانات مرفوضا شعبيا في فلسطين وسائر بلاد الإسلام، مما يحمي ظهر القضية ويثبت المكاسب لأهلها الحقيقيين، والله المعين والموفق.

(19)

مما ينطبق على زماننا قول النبي صلى الله عليه وسلم: "يبتلى المرء على حسب دينه" رواه الترمذي وصححه الألباني، وهذا الابتلاء لا يقتصر على الأفراد بل يشمل المجتمعات أيضا، فالهجمة الضاغطة اليوم على مجتمعاتنا الإسلامية من مختلف الاتجاهات والمستويات تدل على عظم مقدار تقييم الخصوم لحالة التدين في الأمة بشكل عام وعظم تصنيفهم لانتشار الثقافة السلفية في جنبات المجتمعات المسلمة. 
وهذا أمر ملحوظ، فغالبية مظاهر الشرك والوثنية ضعفت، والاعتزاز بالقرآن والسنة هو الغالب على الناس، وتعظيم الدين واحترامه واحترام شعائره هو الغالب، وحرص الناس على السؤال عن مشروعية أعمالهم منتشر بكثرة والحمد لله، وتروج بين العامة ثقافة التدقيق على صحة الأحاديث. 
من أجل هذا كله نجد أن الهجمات على الإسلام تتعاظم من كل الاتجاهات حتى وصل بعضها لحد التفاهة والحقارة، كما فعل ذلك الأحمق الذي جعل من علامات انحراف المجتمع السعودي تداول كلمات "السلام عليكم" و"جزاك الله خيرا" !! 
ولذلك في إحدى الندوات حول الحالة السلفية مؤخرا، تحدث مدير الندوة عن خطورة (تسلف) كثير من الحرمات الإسلامية! بل إن الأخطر من ذلك انتشار الثقافة السلفية بين الناس، ويعنى كثرة التزام الناس بالسنن النبوية والآداب الشرعية، ولذلك كثرت حملات التشكيك في الحج والعمرة والأضحية وأن دفع أموالها للفقراء أولى، ومعلوم أن أهل الحج والعمرة والأضحية هم من أكثر الناس زكاة وصدقة ومعونة للفقراء، ولكن هذا خطاب تشكيك وصد عن سبيل الله لأن هؤلاء لا يستنكرون صرف الملايين على الراقصات والمغنيات والممثلات وعلى الخمور والمخدرات بدلا  من إنفاقها على الفقراء! 
المهم أن حالة التدين في مجتمعاتنا حالة صلبة في حقيقتها، مهما حف بها من منكرات ومعاصٍ، فكثير من هؤلاء في قلبه جذوة إيمان وهداية "والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، وجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله تعالى فيغفر لهم" رواه مسلم. 
من هنا يجب علينا مواصلة الحفاظ على حالة التدين في المجتمع قوية من خلال التواصي بالحق والصبر فيما بيننا من خلال كل منبر او منفذ للدعوة والتركيز على أسرتنا الصغيرة والكبيرة ودعوة المحيط لنا بشكل مباشر أو عبر وسائل التواصل. 
ومما يعزز ذلك التركيز على غرس وتفعيل عدد من الأصول المهمة في قلوب الناس،  منها: 
* تعظيم أمر الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم الوارد في القرآن والسنة الصحيحة. 
* أولوية التوحيد الصحيح لله عز وجل وتجنب الشرك والبدع الضالة. 
* فريضة تعلم أصول الدين وأركان الإيمان والإسلام ومهمات الدين. 
الحرص على سلامة النية والحذر من الشرك والرياء. 
* المحبة الحقيقية للنبي صلى الله عليه وسلم التي تكون باتباع سنته والتقيد بها والتخلق بأخلاقه وشمائله. 
* الحرص على أداء الصلوات الخمس يوميا، وأركان الإسلام في مواسمها. 
* دوام الاستغفار والتوبة وعدم الإصرار على الذنب. 
* المحافظة على وِرد من القرآن والأذكار.  
* الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله وبذل النصيحة. 
* كثرة الدعاء بالاستقامة والثبات والزيادة في العلم والعمل. 
* تعويد النفس على العمل الصالح وربط العلم بالعمل. 
 
هذه بعض الأسس التي حين نفعلها في دوائرنا القريبة تحدث صدى كبيرا في دائرة مجتمعاتنا الضخمة، وبهذا نكون من المجاهدين في سبيل الله عز وجل بالاستقامة والدعوة والصبر والثبات والتواصي بالحق، وبهذا تتحطم مخططات شياطين الإنس والجن في هذه المرحلة التي كشف فيها ظهر الدعوة الإسلامية وتخلى الكثير عن مسؤولياتهم في نصرة الإسلام والدين.

(20)

في القرون الأخيرة كانت سياسة أعداء الإسلام في إخفاء جرائمهم الكبرى تقوم على شعار: "الكبار يموتون والصغار ينسون"، وفعلا استخدم الاحتلال الأوربي أولا ثم الشيوعيون الروس والصينيون وأمثالهم هذه السياسة في تغطية مجازرهم المروعة التي قتلت مئات الملايين من المسلمين، في آسيا خصوصا.

واليوم تتعرض أمة الإسلام لحرب طاحنة ضروس لكنها لا تستهدف قطع رؤوسهم وإسالة دمائهم -وإن كان هذا يحدث أيضا- ولكن هذه الحرب العاتية تستهدف الكبار الملتزمين بالشبهات والفتن الفكرية غالبا، والصغار بالشهوات والفتن الجنسية.

ومن يتأمل المشهد الإسلامي بكامله يجد بوضوح تصاعد دعم وتشجيع كل فرق الضلال والزندقة على بث شبهاتها ونشر أراجيفها بين المسلمين، بل حتى رغم الصراع السياسي مع نظام الملالي بطهران إلا أن نشاط الملالي التبشيري بالتشيع والرفض بين دول ومجتمعات المسلمين لا يُعترض عليه!

ونجد بوضوح تصدير الزنادقة والملاحدة والمرتدين في وسائل الإعلام ليتحدثوا باسم الإسلام ويشرحوه للناس!

ونتيجة لذلك نرى اليوم انحراف جماعات وحركات إسلامية وأفراد وشخصيات نحو الباطل تأثرا بهذه الشبهات، فجماعات الغلو والتطرف تتزايد وتجذب الكثير من الشباب لشبهات التكفير والقتل والإجرام، وجماعات تدافع وتروج للشيعة وملالي طهران باسم الوحدة والأخوة الإسلامية والمقاومة كحركة الجهاد الفلسطينية وحماس، وجماعات إسلامية دخلت لعبة الديمقراطية وتكاد تتعلمن بالكامل كحركة النهضة التونسية وقد سبقتها في ذلك أحزاب في أندونيسيا، ودول وجماعات تحت ضغط القبول الدولي بها قدمت تراجعات فكرية ترضي المعايير الليبرالية في قضايا الردة والمرأة والحرية والانفتاح! 

وعلى صعيد الأفراد، تكاثر المنتكسون من كل حدب وصوب، ومن مختلف البلاد والاتجاهات، فبعضهم بلغ مرحلة الردة والزندقة وأخذ يعترض على الأحكام الشرعية أو لا يرى فرقا بين المؤمن والكافر أو أصبح يؤمن بوحدة الأديان وتعدد القوى المؤثرة!

وبعضهم حوّل هويته من داعية وطالب علم إلى متذوق للفن! أو مطبل سياسي للسلطة أو مروج للحرام باسم التيسير على الناس!

وبعضهم هزم نفسيا وأصبح يحاول أن يقدم رؤية إسلامية عصرية يقبل بها الغرب القوي ووكيله العلماني الانتهازي، فمسخ عقيدة الولاء والبراء، وتنصّل من حد الردة، واعتذر عن بعض الأحكام الشرعية كحد الرجم، وتقبل الشذوذ باسم الحرية والتعددية، وهكذا في تنازلات لا تتوقف.

وبعضهم قفز من التزام منهج الكتاب والسنة بفهم السلف لركب "التمشعر" والتصوف والتمذهب والذي يجد سندا دوليا كافرا ومحليا مسلما!

وإذا كانت نماذج المنحرفين في الماضي تعد على أصابع اليد الواحدة فإنهم اليوم يتكاثرون تكاثر الأرانب مع الأسف ومن تلك الشخصيات اليوم:

صلاح الراشد، محمد رفيقي، إبراهيم غرايبة، أسامة القوصي، حاتم الشريف، وسيم يوسف، جابر طه العلواني، أبو محمد الجولاني، صالح الأسمري، ثروت الخرباوي، أحمد خيرى العمري، محمد حبش، وغيرهم كثير.

أما على صعيد الصغار فهناك حملة شرسة جدا تفتك بهم عبر جرّهم لمستنقع الرذيلة من خلال برامج وسائل التواصل الاجتماعي وتطبيقات الأجهزة الذكية التي تنطلق من رؤية فلسفية حداثية جوهرها ولبها أن تحصيل اللذة واللذة الجنسية هو الأصل في علاقة الإنسان مع الوجود!

وهذا يفسر لنا تمحور الفن بأشكاله والإعلام والدعاية والثقافة على ترويج الجنس بأبشع صورة وبدون مواربة، ويرافق ذلك تشريع قوانين تحميه وتسهله!

وعلى صعيد آخر؛ يتم تجريف مناهج التعليم الدينية من زرع أي قيم أخلاقية لدى الجيل الصاعد تحميه من هذا الدنس، فمناهج التعليم الدينية المطورة تحديدا يتم حذف أي قيمة للطهارة الأخلاقية منها فلا تعزيز لمكانة الزواج ولا تحذير من الزنا ولا أمر بالحجاب وغض البصر ولا توعية بحدود العلاقة بين الرجل والمرأة.

من هنا؛ على أهل السنة التيقظ والعمل الدؤوب لمواجهة هذين الخطرين معا، خطر الشبهات التي تستهدف جماعاتهم ودولهم وكبارهم، وخطر الشهوات التي تستهدف صغارهم.

ويجب التيقظ أن كثيرا من الأدوات التي كانت متاحة سابقا لصالحهم عطلت أو انقلب حالها ضدهم، فالدولة غالبا تحولت من مناصر للدين إلى محايد أو خصم! ومنابر الإعلام الإسلامية يُضيق على القليل المتبقى منها، ومناهج التعليم أصبحت منزوعة الدسم، ومنابر المساجد تم التحكم في غالبها وإخراجها عن دورها في رعاية المجتمع.

لذلك المسؤولية الفردية اليوم تتعاظم على الآباء والأمهات، وعلى الدعاة والملتزمين القيام بعبء مضاعف في مواجهة هذه الحرب الضروس، والله المعين والناصر.