رمضان دايت

الرابط المختصر
Image
رمضان دايت

سبق الحديث عن أن الأرض قد تفردت بالحياة من أجل إقامة العبودية لله عز وجل كما في قوله تعالى: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ " ( البقرة 21)، وأن العبادة لله عز وجل ليست محصورة في الشعائر والعبادات، بل دائرة العبادة دائرة واسعة جداً تشمل كل حياة الإنسان ولا تقتصر على العبادات فحسب، فالعبادة في الإسلام هي كل ما يحبه الله عز وجل من الأعمال والأقوال الظاهرة والباطنة، والله عز وجل يحب الحق والخير والعدل والإحسان، فالعبادات والشعائر من العبادة كما أن كل تصرف أو قول أخبرنا الله عز وجل أو رسوله أنه يحبه فهو من العبادة إذا قصد الإنسان به رضي الله عز وجل، وألتزم في أدائه طريقة رسوله صلى الله عليه وسلم الذي ما جاءنا إلا ليعلمنا بالدرجة الأولى كيفية عبادة الله عز وجل.
هذه إذن هي البداية الصحيحة لتحقيق غاية تفرد الأرض بالحياة، لكن لأن الله عز وجل خلق الإنسان وزوده بحرية اختيار الطريقة التي يسير بها في حياته، قال تعالي: " إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفورا " ( الإنسان3). لم ولن تستمر هذه البدايةً الصحيحة دوما مع كل الناس، ذلك أن النفس البشرية تنزع أحياناً للشهوة والهوى وخاصة إذا أصغت لوسوسة الشيطان ورفقاء السوء.
 وحين يترك الإنسان البداية الصحيحة فإنه يكون أمام أربعة خيارات، وهي:
1- عبادة غير الله عز وجل الخالق والرازق لهذا الوجود، سواء عبد مظاهر الطبيعة من نجوم وكواكب وأشجار وأحجار، أو عبد بشر صالحين أو فجار، أو اخترع آلهة ما أنزل الله بهم من سلطان، أو جحد ألوهية الله عز وجل وعبد هواه.
2- أن يعبد الله عز وجل ولكن لا تكون نيته خالصة لله عز وجل، بل يكون عنده نوع شرك بين الله وبين سواه من المخلوقات كما في الحديث: " إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل إمرى ما نوى "، وهذا الشرك قد يكون شرك أكبر يخرج صاحبه عن دين الإسلام، وقد يكون من الشرك الأصغر وهو من أكبر الكبائر عند الله، وهو الرياء.
3- أن يعبد الله عز وجل ولكن لا يلتزم طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهنا يدخل الإنسان في البدعة، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول " كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار"( رواه مسلم).
4- أن يعبد الله عز وجل على جهل، فلا يدرك من العبادة إلا شكلها ومظهرها دون الوصول لحقيقة العبادة وغايتها، فلا تجد للعبادة على هذا الإنسان أثر أو تأثير وكأنها لم تكن!!
وتصبح هذه العبادة مفرغة وخالية من أهدافها وغاياتها، ولعل من أبرز الأمثلة على هذه العبادة المفرغة الصيام والحجاب!!
وبمناسبة شهر دخول رمضان المبارك، سنركز على النقطة الأخيرة وهي عبادة الله بالجهل وتفريغ العبادة من غاياتها، ونعود للحديث عن الخيارات الأخرى في مرات قادمة.
للمحافظة على البداية الصحيحة وهي وعبادة الله عز وجل يلزمنا، عبادته على علم، علم بالغاية منها، وعلم بكيفية أدائها وشروطها وأركانها، وعلم بمبطلاتها ونواقضها لنتجنبها.
ولو طبقنا هذا على صيام شهر رمضان لوجدنا أن الغاية من الصيام هي التقوي، لقوله تعالي: " كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون " (البقرة 183)، فالتقوي وهي الخوف من الله عز وجل والبعد عن المحرمات التي نهى عنها وزجر، هي الغاية من الصيام، والمطلوب في الصوم بينه الله تعالي في الحديث القدسي : " إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به يدع شهوته وطعامه من أجلي " ( رواه البخاري) لكن لو تأملنا في الغاية من الصيام وفي ما يصومون عنه كما يمارسها كثير من المسلمين اليوم، هل سنجد أن الغاية هي تقوى الله عز وجل؟ أو أنهم يدعون شهواتهم لله ؟؟
لا شك أن الإجابة ستكون – للأسف – بالنفي، وذلك أن شياطين الإنس والجن قد اجتمعت وخططت بإتقان على تفريغ رمضان من غايته مع بقاء شكله ومظهره عند كثير من المسلمين، فلا بأس أن يمتنع المسلم عن الأكل والشرب وأيضاً الدخان، ولكن إياك والصوم عن الشهوات!! وإلا خابت جهودهم، فهم يريدون منك أن تجوع وتعطش فقط دون أن تتذكر أحوال البائسين والفقراء على الأرض من حولك فتأدى حق الله فيهم من الزكاة والصدقة،ولا يريدونك أن تتخيل العطش والجوع يوم الحساب فتعمل الصالحات لتروي عطشك من حوض النبي صلى الله عليه وسلم يوم الحساب، وأيضاً يهدفون صرف انتباهك عن كون رمضان فرصة للتخفف من الإقبال على الدنيا وزخارفها والتركيز على الصلة بالله عز وجل الصوم والصلاة والقيام وقراءة القرآن، فجعلوا رمضان موسم للتنافس على أطيب الأكلات وأغرب الوصفات، فتتسابق المطاعم والفنادق على إغرائك بالتخمة والسمنة فبدلاً من الإفطار على تمر تفطر على تخت شرقي!! وبدلا من صلاة المغرب تشاهد (سكتش)!! وبدلاً من صلاة العشاء والتراويح تسمح المواويل!!
ومن أثار تفريغ رمضان من معنى الزهد والصبر ومشاركة الفقراء وإعادة تأهيل الجسد، تكالب الناس على أسواق المواد الغذائية ليلة رمضان، حتى تكاد تظن أن إعصار (غوستاف) سيمر بنا وليس بأمريكا.
ومن لم يحالفه الحظ بزيارة الفنادق والمطاعم والمقاهي فالقنوات الفضائية كفيلة بأن لا يصوم عن الشهوات حيث أعدت له ما لا صبر عليه من المذيعات والمغنيات والراقصات والممثلات، وبدلاً من قراءة القرآن لن يجد وقتاً حتى لقراءة برامج وجداول الفضائيات!
وبدلا من التعب في صلاة التراويح أعد شياطين الإنسن والجن خيم تروح بها عن جوعك بمزيد من الشهوات المحرمة، وكأنهم قد صنعوا لنا رمضاناً جديداً فيه طعم الجوع والعطش ولكنه خال من كل معاني التقوي والإيمان.
وإلا فكيف ولماذا أصبح شهر القرآن هو أكثر شهر يشاهد فيه التلفزيون؟؟ هل توجد علاقة أو رابطة بين الصيام والتلفزيون؟ الإجابة لا بالطبع، من المفهوم – وليس المبرر – أن يكون الصيف موسم للمهرجانات الغنائية والسينمائية بسبب الجو والسهر وتقليد الغرب، ولكن من أين أتى حرص ( الفنانين والفنانات ) وأوليائهم من المخرجين والمنفذين على شهر رمضان!!
طبعاً لسنا بحاجة للقول أن غالب ما يتنافسون على تقديمه من مسلسلات وسهرات تحارب التقوي مباشرة دون لف أو دوران.
هل يمكن أن يفسر شعار ( أطرب عينيك ) الذي أطلقته إحدى القنوات في أحد أشهر مضان الماضية، سوى بأنه دعوة صريحة لزنا النظر؟!!
وإذا حاولنا تطبيق قاعدتي " الحاجة أم الإختراع " و " أبحث عن المستفيد " على الظاهرة الشيطانية المسماة زوراً وبهتاناً " الخيم الرمضانية " فهل يمكن أن يتصور الذهن وقوف شخص أو جهة نزيهة أو حسنة السمعة والسيرة ورائها ؟؟
هل نحتاج لكثير تفكير لنجد أن رواد الحانات والملاهي الليلية قد وجدوا في هذه الخيم بديلاً عن سهراتهم لفترة رمضان، بدلاً من توبتهم عن هذه الآثام طوال العام.
العجيب أن كل محتويات هذه الخيمة هو شيطاني وليس رمضاني، الإختلاط المحرم، العري والتكشف، الأرجيلة القاتلة، الغناء والموسيقي المنحلة، لعب الشدة والطاولة، المسرحيات وما شابه ذلك. أما ما يخص رمضان من قراءة القرآن وتدبره، أو صلاة العشاء والقيام، أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهذا لا مكان له في قاموس هذه الخيم الشيطانية.
وبعد أن أصبح رمضان دايت عند كثير من الناس، لا يحق لمن يغذيهم بالمسلسلات والسهرات والمقالات التي لا تهدف إلا إلى إفراغ صومهم من غايته وهي التقوي بالخوف من الله عز وجل وترك المنكرات، أن يعترض على سوء أخلاق بعض أصحابه من جماعة " رمضان دايت " !!
كل هذا هو من أثر الجهل بغاية عبادة الصوم والجهل بأحكام الصيام وشروطه ومبطلاته.