المتابع لأحوال العالم والبشرية اليوم يرى وبكل وضوح التخبط الذي تعيش فيه البشرية، فمجلس الأمن يحمى المجرمين ويعرقل المظلومين، وفي الوقت الذي تدعو فيه الأمم المتحدة للمساواة والعدالة ترسخ التمييز والعنصرية بنظام الفيتو، الذي هو السبب في استمرار الإرهاب والإجرام والاحتلال اليهودي لفلسطين والأقصى من 70 عاما، ويرعى بقاء بشار في الحكم منذ أكثر من 5 سنوات برغم قتله 600 ألف شخص من شعبه! وهذا هو الحال المائل مع كثير من شعوب الأرض المحتلة والمستعمرة أو المستغلة من أصحاب عنصرية الفيتو.
وعلى صعيد البيئة تتواصل جهود الإفساد من قبل الدول العظمى والشركات الكبرى بخرق كل القوانين البيئية لأنها فوق القانون ولا يمكن محاسبتها، فهي تدفن نفاياتها النووية في الدول الفقيرة برشوة الفاسدين فيها، وهي بصناعاتها سبب رئيس في تلوث البيئة بالكربون وخرق طبقة الأوزون، ولكنها بدلاً من القيام بمسؤوليتها في علاج تلك الانبعاثات تحاول استغلال ذلك لفرض ضرائب على الدول المصدرة للنفط وليس لمن يستهلك النفط في الصناعات الملوثة دون تقيد بالمواصفات! كما أن هذه الدول العظمى أخذت تتحجج بالمواصفات العالمية لحماية البيئة -والتي لا تلتزم هي فيها- لمنع وتعطيل نقل التكنولوجيا للدول النامية!
وعلى صعيد الصحة لا تزال الشركات الكبرى تحتكر حق صناعة بعض الأدوية التي يحتاجها ملايين المرضي من الفقراء في العالم وذلك في سبيل بقاء أرصدتهم تتزايد سنوياً بأصفار متعددة مقابل تزايد أعداد ملايين الموتى من المرضى الفقراء!
أما على صعيد الأخلاق فالعالم يعاني من انحلال أخلاقي وقِيمي كما تجسد ذلك تجارة الدعارة والمخدرات التي يفوق حجمها حجم تجارة النفط في العالم والتي تتجاوز 800 مليار دولار، أو من خلال ترويج مفاهيم منحرفة للعلاقات الأسرية من خلفيات علمانية واشتراكية تبنتها الأمم المتحدة كوثيقة سيداو لم تنتج إلا الأمراض الجنسية المهلكة وتفكك المجتمعات وأزمة الإنسان وغربته ووحدته الباردة والقاسية، وفي تلك المجتمعات التي تجاوزت مفهوم الأسرة الطبيعي وهي تتمتع بوضع اقتصادي مرتفع ترتفع حالات الانتحار ففي اليابان هناك 4 حالات انتحار كل ساعة!
وبرغم أن العلمانية نجحت في غزو كثير من دول العالم فأخرجت أوروبا عن مسيحيتها لكنها لم تستطع أن تملأ الفراغ الروحي لأهلها، فاستوردت الأديان الشرقية والفلسفات القديمة، وأيضا تزايدت نسبة الإقبال على الإسلام برغم كل حملات التشويه والتحريض ضده.
هذا الواقع البائس للبشرية يؤكد حاجتها لحلٍّ من خارج أهوائها ومصالحها المتناقضة وشهواتها اللا منتهية، لا بد من حل من الخارج، يعرف حل كل المشاكل وكيفية مراعاتها بدون أعراض جانبية، ولا يظلم جهة لحساب جهة أخرى.
حل يمنع وقوع المشاكل قبل حدوثها، ولا يقتصر دوره على إطفاء الحرائق بعد نشوبها وحصول الخسائر، حل يجلب المصالح للجميع ويحمي الجميع من المخاطر.
وهذا كله لا يتوفر إلا في الإسلام والرسالة المحمدية الخاتمة والتي لها هدف واضح قال تعالى: "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" (الأنبياء: 107)، فالرسالة المحمدية هي رحمة لكل الوجود (العالمين)، وهي لعموم البشر، قال تعالى: "وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد" (آل عمران: 20).
والرسالة المحمدية هي دعوة للبشرية كلها للاجتماع على الطاعة والحب لله عز وجل وحده ونبذ ما عداه من الآلهة الباطلة أو من استكبار بعض الظالمين على بقية الناس وهو من أكبر أسباب الظلم والفساد وغياب العدل والفقر بين الناس، قال تعالى: "فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون" (البقرة: 22).
وفي مقابل ذلك يدعو الإسلام إلى مساواة الناس جميعاً بكونهم عبيدا لله عز وجل ولا فرق بينهم إلا بالتقوى وعمل الخير "إن أكرمكم عند الله أتقاكم" (الحجرات: 13)، فتوحيد المعبود والمطاع وهو الله عز وجل وتوحيد الناس بأنهم عبيده وسواسية في طاعته سبحانه وتعالى هو أصل دعوة الإسلام عبر تاريخ البشرية، والتي متى ما سادت وقادت عمت البشرية السعادة والطمأنينة.
قد يتساءل البعض: وكيف سيحل التوحيد مشاكل البشرية؟ وهو سؤال وجيه وجوابه سهل، إن سقوط التصورات الباطلة عن وجود آلهة عنصريين يفضلون شعباً أو عرقاً دون غيره مما يبيح لهم الإرهاب والجرائم تجاه غيرهم سيخفف من الظلم في العالم، وسقوط التصورات الباطلة عن أنسنة الإله مما يسقط هيبته ويجرئ الأشقياء على ظلم الضعفاء، وجعل البعض الآلهة سببا لنشر العنصرية وفكرة الطبقات العنصرية بين البشر مما أفسد النفوس وشحنها بالحقد والكراهية، أما من عبدوا الحيوان والجماد فقد أزروا بإنسانيتهم وعقلهم ولذلك اضطربت أحوالهم ولم تسلم لهم دنياهم، وسقوط خرافة عدم وجود رب وإله وعدم وجود يوم آخر يحاسب فيه المجرمون، كل هذا يعدل التفكير والسلوك على المستوى الفردي والجماعي.
وتصحيح التصور عن الله عز وجل يصنع من المؤمنين وأتباعه شعوبا حرة كريمة لا تقبل بالعبودية لغير الله عز وجل الرحمن الرحيم بالمحسنين والغفور للمقصرين وشديد القوة والعقاب بالعصاة المستكبرين.
وتساوي البشر تجاه بعضهم البعض في عبادة الله عز وجل واتباع أمره وتجنب نهيه يسقط الكثير من المظالم والمفاسد ويحصر الشر في دوائر محدودة، وهذا على مستوى الفرد والجماعة والدولة.
إن الإسلام والرسالة المحمدية يقدمان للبشرية المعيار الذي يجب أن توزن به الأشياء، فشقاء البشرية هو في تنازعها على المعيار، ألم تروا في جلسة مجلس الأمن بخصوص مأساة حلب المندوبين السوري والروسي يزعمان أن بلديهما يحميان المدنيين ويقدمان الإغاثة للمحاصرين! وبعد أن رفض البقية هذه المزاعم لجآ للفيتو لبقاء الإبادة متواصلة، أليست هذه المعايير الظالمة هي سبب شقاء البشرية!
الإسلام ينشر السلام والأمن والسعادة حين يدعو أتباعه لنشر العدل والعلم والخير لكل البشر، وهو يحرّم عليهم الظلم والجهل والشر، فلا يتعاطونه ولا يقبلون به أن يطالهم، ويأمرهم بنصرة الضعفاء الذين لا يقدرون على دفعه، وهذا ما يجعل الطغاة عبر التاريخ يعادون الإسلام ويكرهونه.
الإسلام يأمر أهله بالعمل والجدية فيه والإتقان، ويأمر بعمارة الكون والسعي في أرجاء الأرض والتعرف على الشعوب والثقافات الأخرى والتعاون معها على الخير والحق، وينهاهم عن إضاعة المال في المضار والتوافه، ومتى ساد هذا في العالم خفت الأمراض بترك كثير من العادات والسلوكيات السيئة مثل تناول المخدرات والتدخين وتناول الأطعمة المسببة للسمنة والسكري والجلطات، وتراجعت الأزمات الاقتصادية الناتجة عن العادات الاستهلاكية الترفية التي تفقر البسطاء والدول النامية وتتكدس في أرصدة الرأسماليين الجشعين.
الإسلام في إسعاده للبشرية يزاوج بين الحلول الفردية من خلال تطبيق المسلمين لأحكامه وتوجيهاته في كافة مناحي الحياة، وبذلك تنصلح كثير من جوانب حياتهم العامة، لأن تطبيق الشريعة في غالبه هو تطبيق فردي لا يتوقف على وجود الدولة، فأركان الإسلام الخمسة هي تطبيقات فردية، أما بر الوالدين، البيع والشراء، الزواج والطلاق، مساعدة الفقراء، عمل الخير، و... هذه كلها من جوانب الحل الإسلامي للبشرية، ولذلك تنعم المجتمعات الإسلامية بكثير من السلم والأمن المجتمعيين أكثر من المجتمعات غير المسلمة.
وهناك الحلول الإسلامية على مستوى الدولة وكلما اقتربت الدولة من التزام أحكام الشريعة تقدمت وازدهرت أمورها، وكلما التزمت الدولة العدل واتباع الحق ومراعاة أحكام الشريعة ورعاية الضعفاء قويت وازدهرت.
ومن تأمل تاريخ الإسلام والمسلمين وجد هذا واضحاً، وهذا هو جوهر قوة الإسلام في أفراده ومؤسساته ودولته، تصحيح التصورات يصحح السلوكيات، وللتصورات الصحيحة والسلوكيات الصحيحة نتائج مادية ملموسة تتمثل بتجنب السلوكيات السيئة الناتجة عن التصورات السيئة، وهذا يوفر الصحة والقوة والمال، وينمي جوانب الخير والعدل والصواب في المجتمع، وبذلك تتكامل الدائرة لوجود مجتمع مؤمن قوي عادل وفعال.
وهذه الفاعلية والإيجابية الذاتية في الإسلام لأنه دين الله عز وجل الذي خلق الوجود، فهو يتناغم معه، وهو سبب صمود أهل الإسلام لليوم برغم كل ما يلاقون من تكالب الأعداء، إن الصمود الأسطوري لأهل حلب تجاه العدوان الظالم ضدهم هو نموذج مصغر لما يمكن أن يفعله الإسلام بأهله حين يسقط من قلوبهم عبودية الآلهة الباطلة من الطغاة العلمانيين والطائفيين والأديان المحرفة، ويكون شعارهم (ما لنا غيرك يا الله).
سبيل رشاد البشرية "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين"
2016/12/01
الرابط المختصر
Image