تؤكد الحقيقة القرآنية أن السعادة والأمن والازدهار رهن بالتزام شرع الله عز وجل كما جاء على ألْسنة الأنبياء والرسل، قال تعالى: "فمن اتّبع هداي فلا يضل ولا يشقى * ومَن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا" (طه: 123-124).
ومن هنا كان الانحراف عن هدي الله عز وجل الذي جاء به الأنبياء سببا للدمار والخراب بما يرتكبه البشر من مظالم دوّنتها كتب التاريخ، والتي استحقوا عليها العذاب والنكال من الله عز وجل، وفي عصرنا هذا فإن التزام شريعة الإسلام التي جاء بها النبي الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم هو الحل الوحيد لمشاكل البشرية جمعاء.
وقد شهدت الأمة المسلمة عبر تاريخها الممتد لأكثر من 1400 عام انحرافا عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم ومنهجه عبر الغلو في الطاعة، أو تحريف معنى الأمر الشرعي، أو الإعراض عن نهج النبي صلى الله عليه وسلم، واتباع نهج غيره، وقد تسبب ذلك الانحراف بإدخال الأمة المسلمة في الضيق والضنك.
وفي واقعنا اليوم نجد اضطرابا واضحا في واقع الأمة المسلمة، ولو ركّزنا على الواقع الاجتماعي والاقتصادي فسنجد هناك تراجعا اقتصاديا عاما مع كوارث في بعض أو كثير من الدول بسبب مشاكل إدارية ترقى لدرجة الفساد المنظم أحيانا، وبسبب الإهمال والفوضى وبسبب خلل أخلاقي أيضا عند العامة موظفين ومنتفعين.
ويرافق هذا اضطراب اجتماعي من الفقر والتشرد والعوز وتأخر سن الزواج وتصاعد حالات الطلاق وكثرة الشقاق والنزاع الأسرى ومشاكل الأبناء.
وتجتمع المشكلة الاقتصادية والاجتماعية في بعض السلوكيات والأنشطة كالأفراح والأتراح حيث تم تجاوز سنة الحبيب صلى الله عليه وسلم في مجال الزواج في جوانب كثيرة منها الحرص على الدين في العروسين لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلاّ تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض" أخرجه الترمذي وصحّحه الألباني، وقوله عليه الصلاة والسلام: " فاظفر بذات الدين تربت يداك" متفق عليه، فتغير المعيار اليوم لصالح معيار الجمال أو المال أو الحسب والنسب!! وكانت النتيجة التفكك الأسري، وعدم الانسجام، والاحتفال بالطلاق تقليداً للغرب، وارتفاع نسبة العنوسة، والتحول عملياً نحو التخلي عن الزواج لصالح العلاقة العابرة في تماهٍ مع نظرة الحداثة العدائية لمؤسسة الأسرة.
أيضا أرشد النبي صلى الله عليه وسلم لتيسير الزواج فقال: "خير الصداق أيسره" رواه الحاكم والبيهقي وصححه الألباني، والصداق هو المهر، وللأسف اليوم أصبحت المغالاة في المهور من العوائق في طريق زواج كثير من الشباب والشابات، ويتبع ذلك كثرة الطلبات من أثاث البيت وحفلة الفرح، والتي فوق تكاليفها الباهظة أصبح يشترط فيها بعض المنكرات كالاختلاط والعري والغناء والرقص والألعاب النارية، فضلا عن الإسراف والمباهاة، بينما سنة الحبيب عليه الصلاة والسلام في وليمة العرس ما قاله أبو هريرة رضي الله عنه: "شر الطعام طعام الوليمة، يُدعى لها الأغنياء ويترك الفقراء" رواه البخاري، وفعلا فإن الناس تنسى الفقراء في حفلات الأعراس وتبحث عن الأغنياء! وتكون النتيجة لمخالفة سنة الحبيب أبي القاسم وبداية مسيرة الزواج بهذه المعاصي قلة التوفيق وعزوف الشباب عن الزواج وانتشار العنوسة بين الفتيات، وهذا باب شر عريض خاصة مع طوفان الشهوات عبر موجات الأثير والإنترنت، والتي يتولى كِبرها الإعلام والإعلان، والله المستعان.
وهذا كله يمكن تلافيه بتطبيق سنة النبي الحبيب عليه الصلاة والسلام بتربية الأجيال على الدين والحرص على تأسيس الأسرة على شريعة الرحمن، وتيسير أمر الزواج بتقليل المهور وعدم التكلف في حفلة العرس وطلبات البيت، والحرص على تقوى الله في حفل الزواج، وإدخال السرور على الفقراء بهذه المناسبة الغالية ليبارك الله عز وجل مسيرة العروسين ويسعدهما بإذنه سبحانه.
أما الأتراح فقد تحولت من محطة للعِبرة والعِظة ومراجعة النفس وتعديل المسار أو الزيادة في الخير والطاعة لتصبح عند البعض محطة للمباهاة والتفاخر بنوع الخيمة والقهوة والتمر والطعام الذي يقدم فيها! ومحطة كارثية عند البعض تُرتب على أهل الميت ديونا وأعباء فوق فقدهم ميتهم بسبب ضغوط عادات المجتمع السيئة والمخالفة للسنة النبوية في الأتراح من ضرورة الطعام والخيمة والخدمة!!
الموت هو فرصة للاستيقاظ من سيل الحياة المادية المتسارعة في عصرنا للتنبه للحياة الحقيقية الباقية في الآخرة، لكن الشيطان تمكّن من تحويل الموت نفسه ليصبح عادة مادية استهلاكية تبتلع كل مقاصد العبرة والعظة منه، بالانشغال بنصب الخيمة وترتيبات العزاء!
بينما سنة النبي الحبيب عليه الصلاة والسلام الاهتمام بغسل الميت وتعجيل دفنه، فإن الواقع الحاصل اليوم هو تأخير الدفن لأسباب غير هامة! وبينما سنة الحبيب إطالة الدعاء عند قبر الميت بعد دفنه، فإن الواقع اليوم هو سرعة الانصراف لخيمة الطعام!
هذا الطعام الذي سنة النبي صلى الله عليه وسلم فيه أن يقدم لعائلة الميت لانشغالهم، تحول بفعل العادات السيئة والدخيلة لأن يصبح من مسؤولية أهل الميت باستضافة الجميع، القريب والبعيد على حد سواء، بغض النظر عن فقرهم أو غناهم، وربما خصمت قيمة الطعام من تركة الميت أو استدان أهل الميت من أجله، وهذا كله باطل لا يجوز، وكم هي جميلة تلك المبادرات هنا وهناك للتوقف عن هذه العادات المنافية لسنة الحبيب عليه الصلاة والسلام والمرهقة لكاهل الناس مالياً وبدنياً.
إن التجمع للعزاء ثلاثة أيام ليس من سنة الحبيب عليه الصلاة والسلام، وفيه إرهاق مادي وبدني لأهل الميت، وفيه كذلك تعطيل لأعمال الناس ومشاغلهم، خاصة إذا كانت في أماكن بعيدة، وللأسف أن هذا التجمع لا يواسي أهل الميت المشغولين بالاستقبال والتوديع وتقديم الخدمة والضيافة! وليس فيه عبرة وعظة للحضور المشغولين بأحاديث الدنيا والضحك واللهو والتدخين!
في النهاية؛ إن مجتمعاتنا تمر بتحولات اقتصادية واجتماعية بسبب الأحوال الدولية فلماذا لا نجعل هذه التحولات تتجه لاتّباع سنة الحبيب عليه الصلاة والسلام في أحوالنا كلها من اللباس والطعام والتربية والتعامل والبيع والشراء والزواج والعزاء، وهذه متاحة وبيد الناس والأفراد، مما يقربنا أكثر من الله عز وجل ويجعل غير الممكن اليوم ممكنا في الغد، ويجعلنا على مسار "إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم"، الخلاصة: الحل الوحيد للخلاص من حالنا وأزماتنا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية هو اتباع سنة الحبيب عليه الصلاة والسلام.
سنّة الحبيب الحل الوحيد!
2018/01/01
الرابط المختصر
Image