شقاء البشرية بالبعد عن هداية الكتاب والسنة

الرابط المختصر
Image
شقاء البشرية بالبعد عن هداية الكتاب والسنة

حدثنا القرآن الكريم أن الخالق سبحانه وتعالى كرّم جنس الإنسان بأن خلق آدم أبا البشر بيديه سبحانه وتعالى في الجنة، قال تعالى: "قال يا إبليس ما منعك أن تسجدَ لما خلقتُ بيديّ" (ص: الآية 75)، وقال تعالى: "وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغداً حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين" (البقرة: 35)، ولكن وسوسة إبليس زيّنت لهما مخالفة الأمر الرباني "فأزلّهما الشيطان عنها فأخرجهما ممّا كانا فيه" (البقرة: 36)، وكان هذا أول شقاء للبشرية بمغادرة الجنة دار السرور والهبوط للأرض دار الابتلاء والأحزان.
ثم توالت العقود والقرون على البشرية وهي تتنقل بين السعادة باتباع الوحي الرباني الذي ينزل على الرسل والأنبياء، وبين الشقاء حين تخالف البشرية سبيل الله عز وجل الذي جاءت به الرسل والأنبياء، حتى جاء خاتم الأنبياء محمد صلوات الله وسلامه عليه وعلى إخوته من الرسل والأنبياء، فأضاء تاريخ البشرية وعمت بمبعثه الرحمة والسرور، حيث حرر البشر من عبادة الحجار والأوثان وعبادة الطواغيت والحكام الظالمين، وقوّض الإسلامُ حكم فارس والروم الذين نشروا الخراب والظلم في ربوع المعمورة.
وأنقذ نبي الرحمة والإنسانية نساءَ العالم من الجور الواقع عليهن من الأحبار والرهبان المخالفين لدين الرسل والأنبياء وقبل ذلك الملوك والأسياد الذين يتبعون شهواتهم البهيمية.
وأنقذ محمد الأمين المستضعفين من العبيد والإماء، وجعلهم يقفون على قدم المساواة مع الآخرين، ورحم الله به الدواب والجمادات من سوء خُلق الجاهلين.
وفي نصف قرن من مبعثه عمّ نصف العالم شعاع رحمة وعدل الإسلام من الصين إلى فرنسا، بجهود صحابته المخلصين رضوان الله عليهم، الذين أخلصوا دينهم لله وأخلصوا اتّباعهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم عادت البشرية اليوم للشقاء بعد أن ضعف المسلمون بتخليهم عن هداية القرآن والسنة، فعمّ العالم الجهل والخرافة، وعمّ الظلم والطغيان، من القتل والجوع وعدم الأمن وتفشي الفواحش.
ها هو العالم يمور بالحروب والصراعات ومئات آلاف القتلى في زمن العولمة ووسائل الإعلام والاتصال، التي تنقل الأخبار لحظة وقوعها، وفي زمن الهيئات الدولية وثقافة حقوق الإنسان، لكن كل ذلك لم يُكسب البشرية السعادة ويبعد عنها الشقاء.
في فلسطين يزرع اليهود المستوطنات في كل جبل دون حسيب أو رقيب، ولما يحاول حراس الأقصى إصلاح مصطبة تقوم القائمة، وحين يقتل اليهود المسلمين هناك لا يقلق بان كي مون ولا غيره، بينما حين يثور غيور بسكين مطبخ ضد اعتداء اليهود يَصدر عن مجلس الأمن بيان تنديد!
وذلك لأن عدل الإسلام غائب، ويحضر بدلاً منه عدل "الفيتو" الذي لا يأبه بشلال الدماء الجاري في العالم وخاصة من المسلمين، ما لم تتضرر مصالحه المباشرة، ولذلك فإن سياسة مجلس الأمن هي إدارة الصراعات والخلافات لمصالح القوى الكبرى، وليس حلّها.
كم كان صادقا وزير خارجية البوسنة حارث سيلاديتش حين وصف عدالة العلمانية والحداثة التي جربها في مأساة البوسنة قبل عقد ونصف فقال: "إذا قتلتَ رجلاً تصبح مجرماً، وإذا قتلت عشرة تصبح مشهوراً، وإذا قتلت ربع مليون شخص تتم دعوتك إلى مؤتمر للسلام"، وفعلاً ها هو المجرم بشار الأسد يتفق العالم على حضور وفده لمفاوضات جنيف 3، بينما يعترض هو وروسيا على وفد المعارضة المظلوم!
فيا لشقاء العالم بغياب هدي الكتاب والسنة عنه.
في العالم اليوم 795 مليون إنسان لا يملكون طعاماً يكفيهم أو يشبعهم، بينما هذا العالم يستطيع أن يوزع كرات وأحذية ذهبية كجوائز للاعبين، ويوزع مئات الملايين على الفنانين والفنانات!
وفي المقابل ينفق كثير من المسلمين مئات الملايين على حفلات الأعراس والغناء والعزاء، فضلا عن إتلاف المال في شهوات تافهة جريا خلف الموضة.
وأيضا فإن بُعد المسلمين عن هدي الكتاب والسنة يجعلهم ينفقون أموالا طائلة في أمور محرمة كالمخدرات والدخان، أو في أمور مخالفة للسنة النبوية، فـثلاثة مليارات دولار هي قيمة شواهد القبور والرخام التي تغطي القبور في إسطنبول!!
أما على الشعوذة والخرافات والدجل فينفق عالمنا العربي سنوياً خمسة مليارات دولار، والعجيب أن قنوات الشعوذة هذه محصنة من الإغلاق والإيقاف برغم أنها تعارض كل القوانين الوضعية والشريعة الإسلامية، فلو صرفت هذه الأموال على فقراء البشرية لكفتهم، لكنها من شقاء البشرية بغياب هداية الكتاب والسنة عنها.
العالم اليوم يشهد مطالبات عالمية بحقوق المرأة، وإن كانت حقيقتها هي حرية الوصول للمرأة دون عقاب، وكانت نتيجتها أن زاد التحرش الجنسي وكادت تموت الأمومة والطفولة!
والسبب أنهم يجرون خلف المتعة واللذة المنفلتة دون ضوابط، فانتشرت الأمراض الجنسية والجرائم الأخلاقية دون أن يحصلوا على السعادة والهناء.
وبالمقابل لا تزال العادات الجاهلية تتحكم بالبعض من الرجال والنساء، فيتحايلون على أحكام الشريعة الإسلامية التي أنصفت المرأة في حقوقها كزوجة وأم وأخت وابنة، وجعلت لها نصيبا مفروضا في الميراث يزيد عن ميراث الرجل غالباً أو يساويه أو يقل عنه أحياناً.
لكن العادات الجاهلية تحرم المرأة من حقها الشرعي بالجبر والإكراه أو بالتخجيل والإحراج، مما يفتح الباب لأعداء الشريعة للمطالبة بنبذ هدي الكتاب والسنة، وبذلك تتخبط البشرية في الشقاء بين الجاهلية القديمة والجاهلية الحديثة!
أرشدنا القرآن والسنة للرضى والقناعة بما رزق الله عز وجل عباده، وألاّ تكون الدنيا أكبر همّنا، وأن يكون لنا تطلع للآخرة في جنة الله عز وجل، فتسعد نفوسنا وتهنأ معيشتنا، فجاءت العولمة والحداثة لتنبذ القناعة والزهد، وتفرض على البشرية قيم الجري واللهاث المسعور خلف السلع والرغبات والموضة باعتبارها حاجة وضرورة، بعد أن كانت كماليات وثانويات، فذهب الهناء والسرور خلف الحسرة على عدم القدرة على مجاراة الإعلانات والعروض الجذابة.
وتحقق في البشرية وصف النبي صلى الله عليه وسلم "تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميصة، تعس عبد الخميلة" أخرجه البخاري، فقد أصبحت البشرية تلهث خلف كسب المال بأي طريقة كانت، فماذا جنت غير الشقاء، كم هو عدد ضحايا قروض البنوك الربوية وبطاقات الائتمان وضحايا الاستثمارات الوهمية، ألم يكن الطمع والجشع دافعهم لذلك؟  
إن غياب هدي الكتاب والسنة عن البشرية سبب شقائها، والاقتراب من هدي الكتاب والسنة هو سبب سعادتها وراحتها، قال تعالى: "ومَن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى" (طه: 124)، وقال تعالى: "مَن عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة، ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون" (النحل: 97).
والمؤمنون على يقين من ربهم أنه كما سعدت البشرية بمقدم خير البرية محمد صلى الله عليه وسلم، فإنها ستسعد وتهنأ قريباً بهداية الكتاب والسنة، وما نراه اليوم من إقبال ملايين المسلمين والمسلمات على التزام هداية الكتاب والسنة، ودخول آلاف الناس من مختلف الأجناس يومياً في دين الإسلام واتباع هداية الكتاب والسنة لهو من مبشرات قرب ذلك، قال صلى الله عليه وسلم: "ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين؛ بعز عزيز، أو بذل ذليل، عزًّا يعز الله به الإسلام، وذلاً يذل به الكفر" رواه أحمد وصحّحه الألباني.
اشتدي أزمة تنفرجي        قد آذن ليلك بالبلج