عالمية القرآن الكريم والرسالة النبوية

الرابط المختصر
Image
عالمية القرآن الكريم والرسالة النبوية

إن مما يتميز به القرآن الكريم والرسالة المحمدية أنهما ربانيا المصدر، وكونهما عالميي النطاق فهما يخاطبان الناس جميعاً وحتى قيام الساعة لكونهما الوحي الأخير والرسالة الخاتمة.
وحقيقة عالمية الخطاب القرآني للبشرية جمعاء تكرر كثيراً في القرآن الكريم حتى أشار بعض الباحثين إلى أن في القرآن الكريم ما يزيد عن 350 آية تدل على عالمية القرآن الكريم وعموم مخاطبته للناس، منها 65 آية ورد فيها لفظ (الإنسان) في مخاطبةٍ لجنس الإنسان، وليس لقوم أو شعب بعينه، وأيضاً تكرر في القرآن مخاطبة جنس الناس (يا أيها الناس) حوالي 20 مرة وعدد آخر من الآيات كان النداء فيها بقوله (يا بني آدم) في إشارة واضحة لعموم الخطاب القرآني للناس جميعاً.
ومن الآيات الدالة على عموم وعالمية القرآن الكريم والرسالة المحمدية:
1- قوله تعالى: "وأوحي إليّ هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ" (الأنعام: 19).
2- قوله تعالى: "تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً" (الفرقان: 1).
3- وقوله تعالى: "وقرآناً فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلاً" (الإسراء: 106).
4- وقوله تعالى: "وأنزلنا إليك الذكر لتبيّن للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون" (النحل: 44).
5- وقوله تعالى: " قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً" (الأعراف: 158).
6- قوله تعالى: "إن هو إلا ذكرى للعالمين" (يوسف: 104)، وهذه الآية تكررت في القرآن 4 مرات لتؤكد على عالمية القرآن الكريم وعموم خطابه للعالمين، وذلك من خلال استخدام صيغة الحصْر، ومن خلال"ال" التعريف في العالمين التي تفيد الاستغراق والعموم، والعالمين جمع عالم، فهو يتناول عالم الإنس وعالم الجن كما بينت سورة الجن في مخاطبة القرآن الكريم لعالم الجن، قال جل وعلا: "قل أوحي إليّ أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرءاناً عجبا * يهدي إلى الرشد فآمنّا به ولن نشرك بِربنا أحدا" (الجن: 1-2). 
وعالمية القرآن الكريم والرسالة المحمدية الخاتمة تقوم على الأسس التالية:
1- أنها تخاطب جميع البشر والجن من بعثة النبي، صلى الله عليه وسلم، وحتى قيام الساعة، وهو ما أرشدت إليه الآيات السابقة، ولقوله صلى الله عليه وسلم: "أعطيت خمساً لم يعطهن أحد قبلي ... وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة"، رواه البخاري وعدّه السيوطي من الأحاديث المتواترة، ومن أجل ذلك أرسل النبي، صلى الله عليه وسلم، الرسل والكتب للملوك والزعماء يدعوهم فيها للدخول في الإسلام، ومن ثم أرسل الجيوش والبعوث لحماية المستضعفين ونشر الهداية والعدالة في الأرض، وواصل الصحابة من بعده مسيرة الفتوحات الإسلامية المظفرة.
2- أن عبادة الله عز وجل -وهي دعوة التوحيد التي دعا إليها كل الرسل والأنبياء السابقين- هي جوهر الخطاب القرآني والرسالة المحمدية الملزمة لجميع البشر والجن لقيام الساعة، قال الله تعالى: "يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون" (البقرة: 21)، وقوله تعالى: "وما خلقتُ الجن والإنس إلا ليعبدون" (الذاريات: 56)،
3- أن أحكام القرآن والشريعة الإسلامية ملزمة لجميع البشر وحتى قيام الساعة لأنها مقتضى التوحيد وعبادة الله عز وجل وطاعته والانقياد له وتحكيم شرعه، لقوله جل وعلا: "قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم دينا قيما ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين* قل إن صلاتي ونُسُكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين * لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين" (الأنعام: 161-163)، وقوله تعالى: "وما أرسلنا من رسول إلاّ لِيُطاع بإذن الله" (النساء: 64)، وقوله تعالى: "إنما كان قول المؤمنين إذا دُعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون * ومع يطِع اللهَ ورسوله ويخش الله ويتّقه فأولئك هم الفائزون" (النور: 51-52).
وقد شهد تاريخ الإسلام تطبيق هذه العالمية للقرآن الكريم والرسالة المحمدية من خلال دعوة جميع الشعوب والناس للدخول في الإسلام، ونتج عن ذلك قيام حضارة إسلامية عظيمة عمّت ربوع الأرض كلها تقريباً،ولم تشهد هذه الحضارة الإسلامية أي حالة نهب للخيرات وإذلال للشعوب كما شهدت الحقبة الاستعمارية الغربية، كما أن الحضارة الإسلامية مكّنت العديد من الشعوب المدعوة للإسلام بقيادة الأمة الإسلامية دون اعتبار لجنس أو عرق أو لغة أو لون بخلاف جرائم وكوارث أصحاب دعوات التنوير والتحديث في الثورة الفرنسية أو تعمير وتوحيد أمريكا الذين سفكوا الدماء وأبادوا الشعوب بكل وحشية.
كما أن من عالمية القرآن الكريم والرسالة المحمدية عالمية التشريعات الإسلامية والعبادات، والتي لا تختص بشعب أو عرق كما هو حال بعض الديانات والمذاهب، وكون الشرائع القرآنية الإسلامية في غاية الحق والعدل كما تتجلى في مقاصد الشريعة الإسلامية التي تحرص على تحقيق المصالح الكلية لجنس البشر ولا تتصادم مع الفطرة السليمة ولا تطورات الحياة وتقدم حركة التاريخ.
ولعل شهادة الصحفي النمساوي اليهودي (ليوبولد فايس) والمشهور باسم محمد أسد حول دقة وتكامل الشريعة الإسلامية وكيف أثّرت فيه للدخول في الإسلام توضح جانبا من عالمية القرآن الكريم والرسالة المحمدية الخاتمة، فيقول في كتابه (الإسلام على مفترق الطرق): "لم يكن الذي جذبني للإسلام تعليماً خاصاً من التعاليم، بل ذلك البناء المجموع العجيب والمتراص بما لا أستطيع له تفسيراً من تلك التعاليم الأخلاقية، إضافة إلى منهاج الحياة الأخلاقية، ولا أستطيع اليوم أن أقول أي النواحي استهوتني أكثر من غيرها، فإن الإسلام على ما يبدو لي بناء تام الصنعة، وكل أجزائه قد صيغت ليتمم بعضها بعضاً، ويشد بعضها بعضاً، فليس هناك شيء لا حاجه إليه، وليس هناك نقص في شيء، فنتج من ذلك كله ائتلاف متزن مرصوص، ولعل هذا هو الذي كان له أبلغ الأثر في نفسي".