عبر من قصة غلام أصحاب الأخدود

الرابط المختصر
Image
عبر من قصة غلام أصحاب الأخدود

خلّد الله عز وجل في كتابه الكريم، القرآن العظيم، قصة الغلام المؤمن وتضحية أهله الذين حرقهم الطاغية في الأخاديد التي أشعلها زبانيته، وذلك في سورة البروج والتي قال الله تعالى فيها: "قُتل أصحاب الأخدود * النارِ ذات الوقود* إذ هم عليها قعود* وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود* وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد" (البروج: 4-8). والقصة التي يفترض أن المسلمين بل وأطفالهم يعرفونها تتلخص في ملك طاغية ادّعى الألوهية والربوبية، وكان له ساحر فمرض وطلب أن يُحضر له غلاما يعلمه السحر، وكان الغلام وهو في طريقه للساحر يمر براهب فيراه على غير دين الملك والساحر، فتعلّم منه الإسلام وعرف بطلان دين الملك والساحر. ولما وصل الخبر للملك أن الغلام على غير دينه أمر بقتله، فلم يتمكن من ذلك برغم أنه أمر بإلقائه في البحر و بإلقائه من جبل ولكن الله عز وجل سلمه وحماه من الطاغية. ثم أرشد الغلامُ الطاغيةَ إلى السبيل الوحيد لقتله، وهو أن يأخذ سهماً من كنانة الغلام ثم يقول باسم الله رب الغلام ويرميه به فإنه سيقتله بذلك، وفعلاً فعل الطاغية ذلك وقتل الغلام، ولكن آمن الناس برب الغلام وظهر كذب الملك في ادعائه الربوبية والألوهية، وهنا أمر الطاغية بحفر الأخاديد وإشعال النيران وحرق المؤمنين فيها. وفي هذه الآيات الكريمة والقصة العظيمة عبر لنا في هذا الزمان الذي كثر فيه الطغيان واشتد فيه الابتلاء لأهل الإيمان، وتكالب الأعداء على المسلمين من جهات متعددة ومشارب متنوعة من الداخل والخارج. فأولاً: الطغاة دوماً أهل كذب وفجور، فذاك الطاغية القديم ادعى الربوبية والألوهية، وطغاة عصرنا يدعون المدنية والحداثة والديمقراطية وحقوق الإنسان والعدل و...، وهم من أشعل الحروب العالمية والنووية والذرية ويديرون الحروب الأهلية والعنصرية والطائفية ويعتدون على البلاد الضعيفة فينهبون خيراتها بحراب بنادق العسكر أو بياقات وربطات الخبراء والمستشارين. ويدّعون العلمانية ومدنية الدولة ويدعمون إسرائيل التي تسعى لإعلان يهودية الدولة، ويتحالفون مع النظام الثيوقراطي الوحيد في العالم وهو نظام الملالي في طهران. وفي عالمنا العربي يكفي أن نستحضر مثال الطاغية القذافي الذي كان فريدا في طغيانه ونقارن ذلك بشعاراته ونظرياته وكتبه الخضراء! وثانياً: إن الحق وهو دين الإسلام قوي بذاته وبجوهره، ولا يحتاج لقوة خارجية لتحمله للعالم أو لفرضه على الناس، بل حمله في تلك القصة غلام صغير لا حول له ولا قوة أمام ملك جبار طاغية. ولكن هذا الغلام الضعيف انتصر على الملك الظالم بقوة الحق وقوة الإسلام وحدها، والتي أظهرت عجزه وضعفه، ورغم أن الغلام يملك كنانة وأسهما إلا أنه لم يستعملها ضد خصمه الظالم المجرم، لأن السلمية هي الأصل والأساس في دعوة الإسلام عبر العصور. ثالثاً: إن الجمهور مهما طال خداعه والضحك عليه من قبل الطغاة وأعوانهم، إلا أنه ستأتي اللحظة التي يظهر فيها زيف الطغاة ودجلهم مهما امتلكوا من وسائل التضليل والخداع. وستظهر الحقيقة الصافية بصدق دين الإسلام وطهارة مسلكه وسلامة عواقبه في الدنيا والآخرة، وسيكون ذلك بأيسر الوسائل وأقل التكاليف. رابعاً: إن الإيمان الصادق إذا لامس القلوب المخلصة استقر فيها استقرارا لا ينزعه شيء، فهاهم أهل الغلام حين ظهر لهم صدق الغلام وكذب الملك الطاغية، لم تثنهم النيران عن إيمانهم بل تسابقوا إليها حماية لإيمانهم وطمعاً في رضوان ربهم ودخول جنته. خامساً: تضحية الغلام بنفسه برغم ضخامتها إلا أنها كانت السبب في نجاة قومه وأهله من نيران الآخرة، ولذلك هداية الناس وسعادتهم لا تتم إلا بتضحية المخلصين والهداة. واليوم هناك الآلاف من المخلصين والصادقين يضحون بأنفسهم وأوقاتهم وأموالهم وأرواحهم لصد عدوان الطغاة سواء من المحتلين والغزاة وعلى رأسهم إسرائيل، أو لصد عدوان البغاة والظلمة المتلحفين برايات الإسلام سواء كداعش أو الميلشيات الشيعية الطائفية هنا وهناك، أو صد هجمات الحاقدين على الإسلام وأهله والذين يتسترون بحرب التطرف من أجل حرب الإسلام نفسه سواء كانوا من الداخل أو الخارج. وعلى هؤلاء المخلصين والصادقين تعقد الآمال ليقودوا مسيرة الأمة نحو الوعي والعلم والمعرفة فيسود بيننا السلام والأمن والإيمان والسعادة والهداية. سادساً: لن تضيع هذه التضحيات من المصلحين هباءً، ولن تضيع تضحيات المؤمنين المستجيبين للمصلحين، فكما خلد الله عز وجل ذكر الغلام وأهله في قرآن يتلى إلى يوم القيامة، فإن ذكر المصلحين والصابرين والمضحين سيكون منشورا ومشهورا في الدنيا بين الناس أو في الآخرة بين الملائكة. سابعاً: فإن البعض في ظلمة المحنة وضيق الأزمة يذهل عن سعة رحمة الله عز وجل وعن بالغ حكمته، فإن في امتحان الناس واختبارهم نعما ومنحا جزيلة، فمنها: تذكيرهم بربهم واللجوء إليه، فالشدائد تذكّر الإنسان الغافل بأصدقائه الصادقين، ومن باب أولى أنها تُذهب عنه الغفلة عن اللجوء لباب الرب عز شانه. ومنها أنها أخرجت كثيرا من أبناء الأمة من حالة اللهو والعبث إلى حالة الصحو والوعي بحقيقة الدنيا وبحقيقة ما يجرون إليه من قبل الأعداء عبر الشهوات والمغريات ليكونوا غائبين عن الوعي بل مشاركين في أزمة الأمة. ومنها أنها تكشف للمؤمنين حقيقة الأعداء المتخفين في ثياب الأصدقاء. ومنها أنها تستصفي الأولياء والشهداء والأبطال. ومنها أنها تقوي الأمة في النهاية، كحال الأمراض وما تخلفه من قوة ومناعة وكما قالوا: وربما صحت الأجسام بالعلل، فكم مرّ على الأمة من محن وكوارث زالت ولكن الأمة أصبحت أكثر قوة ورفعة. وختاماً: يا أيها المسلم (والمسلمة) لا تبتئس بما ترى وتسمع من أخبار المحنة والفتنة على المسلمين والمسلمات هنا وهناك، فهذه ليست المرة الأولى ولن تكون المرة الأخيرة، فثقتنا بوعد الله عز وجل بنصر دينه وأوليائه ثقة لا تتزعزع، فقد رأينا في وقائع التاريخ انتصار الإسلام وأهله كلما أصابتهم محنة، فسرعان ما تزول، وسرعان ما يستعيد المسلمون صلتهم بالله عز وجل فتكون الغلبة لهم، لأنهم لا يغلبون عدوهم بقوة عتادهم أو أموالهم، بل بقوة الحق الذي يحملونه. وها هي الأخبار تصل من أوروبا وفرنسا بالتحديد، أنه برغم الدعاية الشديدة ضد الإسلام، والتي تقوم على الكذب والتزوير وتشترك فيها جهات كثر، إلا أن الإسلام يتفوق عليهم وتزداد نسبة إقبال الفرنسيين على الإسلام، ولله الحمد أولاً وآخراً وعلى السراء والضراء.