تتعدد النظريات التي تسعى لتفسير ظاهرة الصراع بين البشر، سواء داخل المجتمع الواحد أو بين المجتمعات والدول المختلفة، فهناك نظرية الصراع الطبقي الاقتصادي الماركسية، وهناك النظرية النفسية الجنسية لفرويد، ونظرية دارون الصراع من أجل البقاء، أو صراع الحضارات، وحديثا ظهرت نظريات جديدة كردّة فعل على تلك النظريات، سمّيت نظريات الصراع المعاصرة والتي لا تعتمد عاملا مفردا، بل تقوم على مجموعة عوامل متنوعة.
لكن هذه النظريات كلها تنطلق من أرضية وضعية علمانية ولذلك كلما دارت عجلة الزمان ظهر عوارها ولزم استحداث نظرية/نظريات جديدة!
بينما الرؤية الربانية للصراع والمبثوثة في القرآن الكريم والسنة النبوية تشير وبكل وضوح لهوية الصراع وأنه صراع بين الحق والباطل وأنه نتاج عدوان الباطل على الحق دوما.
ومن يتأمل الواقع اليوم يجد أنه يؤكد الرؤية القرآنية، فالعدوان اليوم على مسلمي الأيغور بالصين أو المسلمين بالهند أو المسلمين في بورما أو احتلال اليهود لفلسطين وصفقة ترامب أو تشريد الشعب السوري وغيرها من المآسي والحروب ليس لها مبرر ولا أسباب سوى مطلق عدوان الباطل على الحق.
وهذا الواقع الظالم لا تفسير له بكل هذه النظريات الوضعية العلمانية ولا علاج، لأنها خارجة عن حسابات ومقاييس هذه النظريات.
وعدوان الباطل على الحق تاريخه قديم قِدم تاريخ البشرية، ويمكن أن نمر على أبرز محطاته كما خلّدها القرآن الكريم والسنة النبوية:
*عدوان إبليس على آدم وحواء وخداعهما وإهباطهما للأرض بسبب الحسد والحقد والكبر.
* قتل ابن آدم لأخيه حسدا دون سبب أو ظلم للقاتل.
* إخراج لوط عليه الصلاة والسلام وأتباعه المؤمنين لأنهم يتطهرون ولا يمارسون الفاحشة.
* حسد إخوة يوسف ليوسف عليه الصلاة والسلام دون جريرة منه لهم.
* قتل فرعون لكل أطفال بني إسرائيل الذكور ظلما وعدوانا.
* قتل المؤمنين من أهل الأخدود حرقا بالنار بلا جريمة ولا ذنب ارتكبوه.
* عداء كفار قريش للنبي صلى الله عليه وسلم رغم أنه لم يسىء إليهم ولم يعتدِ عليهم، بل لقد لخّص حقيقة عدوان الباطل على الحق ورقة بن نوفل بجملة مكثفة عميق: ""لم يأتِ أحد بما جئت به إلا عودي" رواه البخاري.
ومَن يطالع السيرة النبوية يجد كيف اعتدى كفار قريش على النبي صلى الله عليه وسلم، فقد كذّبوه وشنعوا عليه بين الناس أنه ساحر ومجنون وحاولوا تأليب عمه أبي طالب عليه والتفاوض معه على قتله وإعطائه شابا منهم بدلا عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم وضعوا على ظهره القاذورات وهو ساجد عن الكعبة وحاصروه وجوّعوه في الشّعب ثلاث سنين ثم حاربوه وقاتلوه وحاولوا اغتياله.
أما عدوان كفار قريش على المؤمنين فقد بلغ مبلغا عظيما من الأذى والظلم كالحبس والتجويع والضرب والتحريق بالنار والصلب في الشمس والقتل، بل حتى من هرب من عدوانهم فهاجر للحبشة لحقوا بهم فأرسلوا وفدا للنجاشي يطالبونه برد المهاجرين إليهم ليعذبوهم ويردوهم عن دينهم، وكانت حجتهم في طلبهم تسليم المؤمنين الفارين من الظلم والعدوان: "إنه قد ضوى -لجأ- إلى بلدك منا غلمان سفهاء، فارقوا دين قومهم، ولم يدخلوا في دينك، وجاءوا بدين ابتدعوه، لا نعرفه نحن ولا أنت، وقد بعثنا إليك فيهم أشراف قومهم من آبائهم وأعمامهم وعشائرهم لتردهم إليهم، فهم أعلى بهم عينا، وأعلم بما عابوا عليهم وعاتبوهم فيه" وهي نفس الحجج والمبررات التي تساق اليوم في مطاردة المؤمنين من قِبل المجرمين.
وفي هذه الأمثلة دلالة كافية على دوام عدوان أهل الباطل على أهل الحق دون ذنب أو جريرة ولكنه الظلم والحقد الذي من طبيعة الباطل.
وقد بيّن لنا ربنا في كتابه حقيقة دافع أهل الباطل في عداوتهم للمؤمنين أهل الحق، فقال جلّ في علاه: "ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردّوكم عن دينكم إن استطاعوا" (البقرة: ٢١٧)، وهذا هو تفسير: لماذا تهدم مساجد المسلمين وتحرق في الصين والهند وبورما ودول أوروبا، ولماذا يُقتل المسلمون وهم يصلّون كما وقع في نيوزلندا مثلا، ولماذا تجبِر السلطات في الصين وغيرها المسلمين على الإفطار في رمضان ونزع الحجاب وشرب الخمر وأكل الخنزير، ولماذا يزجّون في السجون ويطردون من بيوتهم ومدنهم في الهند وبورما وتُسحب جنسياتهم، ليس من سبب إلا العداوة في الدين والكره للإسلام.
وهذا المبرر نفسه هو ما يرفعه النتن ياهو وترامب في صفقتهما المشؤومة من وجوب الاعتراف بيهودية (إسرائيل) وترحيل المسلمين العرب منها على وجه الخصوص.
وحتى ما عانى منه المسلمين في الداخل كان نتيجة انحراف البعض منهم إما نتيجة وسوسة الشيطان أو كيد الكفار ومن ثم تبنيهم للباطل ونصرته وعدوانهم على أهل الحق، فهل قتل الخليفة الراشد الثالث والمبشر بالجنة إلا بعد أن هيج ابن سبأ اليهودي الرعاع في العراق ومصر وانشب فتنة بين المسلمين طويلة الذيول؟ وهل جرائم داعش وعدوانهم على أهل الإسلام اليوم إلا بتسهيلات من أهل الباطل، فرغم قصف كثير من المستشفيات والمدارس والمساجد والأسواق والمنازل وتهجير الملايين في سوريا، إلا أن داعش وقياداتها وأفرادها تنقل بالباصات المكيفة من مكان لآخر ويقوم بعملية النقل النظام السوري ومليشيات حزب الله والجيش الروسي!
فهذه هي حقيقة الصراع الدائر وهذه حقيقة ما يواجهه كثير من المسلمين في العالم اليوم وأنه صراع بين الحق والباطل، ونتيجة هذا الصراع محسومة لصالح أهل الحق لقول الحق سبحانه وتعالى: "بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق" (الأنبياء: ١٨)، والتاريخ شاهد بذلك فأين كفار قريش اليوم وأين فارس والروم؟ وأين التتار والمغول؟ وأين جموع الصليبيين؟ وأين المحتلون لِبلاد المسلمين؟
نعم عانى المسلمون أهلُ الحق من ظلم واعتداء أهل الباطل لكن الغلبة في النهاية كانت لأهل الإسلام، وأكرم الله عز وجل الكثير منهم برتبة الشهادة وكان في تلك المحن أسباب للعودة لرب العالمين والتمسك بالدين الحق كما رأينا في هتاف الثورة السورية "ما لنا غيرك يا الله"، ولذلك بيّن الحق سبحانه وتعالى متى ينتصر جنده فقال: "قل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا" (الإسراء: ٨١)، فمتى جاء أهل الحق بالحق -أي بأسباب النصر الحقة من الإيمان الصادق والأسباب الصحيحة وقاموا بما عليهم- يزهق الباطل فورا، ومتى بقي الباطل كان هناك خلل في حق أهل الحق، وهو الأمر الذي يجب أن نعالجه في واقعنا اليوم لنفرح بزهوق الباطل فإنه قد طغى وتجاوز كثيرا.
عدوان الباطل سبب المآسي والحروب
2020/03/01
الرابط المختصر
Image