فضائل بيت المقدس في القرآن والسنة

الرابط المختصر
Image
فضائل بيت المقدس في القرآن والسنة

من الثوابت الإسلامية قدسية بيت المقدس وبركتها التي شملت ما حولها، وهذه القدسية قديمة ضاربة الجذور في تاريخ الأرض والبشرية، فالمسجد الأقصى في بيت المقدس هو ثاني المساجد في الأرض بعد الكعبة،  ففي صحيح البخاري عن أبي ذر الغفاري - رضي الله تعالى عنه - قال: قلت: يا رَسول الله أَيُّ مسجد وضع في الْأَرْضِ أَوَّل ؟ قَال: المسجد الحرام، قَال: قلت ثُمَّ أَي ؟ قَال: المسجد الْأَقْصى، قلت: كم كَان بينهما؟ قَال: أربعون سنة"، قال تعالى: (سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله) [ الإسراء 1].
والراجح أن آدم عليه السلام هو من بنى الكعبة والأقصى أول مرة، ثم تتابع الأنبياء عليهم السلام على إعادة تعميره الأقصى وترميمه، فقد عمره ورممه خليل الله عز وجل إبراهيم عليه السلام، وواصل من بعده أبناه إسحاق ويعقوب عليهما السلام المهمة، كما أن داود بدأ ببنائه وأكمله سليمان عليهما السلام، فعن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" لما فرغ سليمان بن داود من بناء بيت المقدس سأل الله ثلاثا: حكما يصادف حكمه، وملكا لا ينبغي لأحد من بعده، وألا يأتي هذا المسجد أحد لا يريد إلا الصلاة فيه إلا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه"، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أما اثنتان فقد أعطيهما وأرجو أن يكون قد أعطي الثالثة". (صحيح رواه ابن ماجه والنسائي وأحمد).
 ومن هنا فبرَكة وقدسية بيت المقدس مرتبطة منذ بداية خلق البشر بالأنبياء وتوحيد الله عز وجل ودين الإسلام، قال تعالى: (ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين) [آل عمران 67]، وقال تعالى: (أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحداً ونحن له مسلمون) [البقرة 133]، وبذلك تكون قدسية بيت المقدس سابقة على رسالة يعقوب وموسى عليهما السلام، وهذا يبطل مزاعم اليهود بأحقيتهم ببيت المقدس، ويثبت أنها حق للمسلمين الموحدين عبر التاريخ، أما بنو إسرائيل الذين كانوا في فترة من الزمن أفضل الناس في زمانهم بالإسلام والتوحيد، لكن لما كفروا بربهم وأشركوا به زالت عنهم الخيرية والأفضلية، وضُربت عليهم اللعنة والمسكنة.
1- حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِير
وقد لخص شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه (مناقب الشام وأهله) فضائل بيت المقدس عبر التاريخ فقال: "فيها المسجد الأقصى، وفيها مبعث الأنبياء، وإليها هجرة إبراهيم، وإليها مسرى نبينا، ومنها معراجه، وبها ملكه، وعمود دينه وكتابه، والطائفة المنصورة من أمته، وإليها المحشر والمعاد.
كما أن مكة المبدأ، فمكة أم القرى من تحتها دحيت الأرض، واليها يحشر الناس كما في قوله: "لِأَوَّلِ الْحَشْرِ" نبه على الحشر الثاني، فمكة مبدأ، وإيلياء معاد في الخلق، وكذلك بدأ الأمر فإنه أسري بالرسول من مكة الى إيلياء، ومبعثه ومخرج دينه من مكة، وكمال دينه وظهوره وتمامه حتى يملكه المهدي بالشام، فمكة هي الأول، والشام هي الآخر في الخلق والأمر، في الكلمات الكونية والدينية، ومن ذلك أن بها الطائفة المنصورة إلى قيام الساعة".
وهذا تفصيل بعض هذه الفضائل المجملة:
1- بيت المقدس هي أرض المحشر والمنشر، فعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الشام أرض المحشر والمنشر). أخرجه الربعي في فضائل الشام وصححه الألباني.
2- وصية النبي صلى الله عليه وسلم بالسكن والإقامة في بيت المقدس وما حولها، فعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنكم ستجندون أجناداً جندا بالشام ومصر والعراق واليمن). قالوا: فخِر لنا يا رسول الله؟
قال: (عليكم بالشام)، قالوا: إنا أصحاب ماشية، ولا نطيق الشام، قال: (فمن لم يطق الشام فليلحق بيمنه، فإن الله قد تكفل لي بالشام). رواه البزار وله شواهد تصححه.
وعن واثلة بن الأسقع الليثي قال: سمعت رسول الله يقول لحذيفة بن اليمان ومعاذ بن جبل وهما يستشيرانه في المنزل فأومأ إلى الشام ثم سألاه فأومأ إلى الشام، قال: (عليكم بالشام فإنها صفوة بلاد الله يسكنها خيرته من خلقه فمن أبى فليلحق بيمنه وليسق من غدره فإن الله تكفل لي بالشام وأهله)، صححه الألباني.
ويوضح الباحث محمد عبدالله في رسالته الجامعية "بيت المقدس في الكتاب والسنة" -والتي أستند إليها في هذا المقال- الأسباب التي من أجلها ينصح النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بسكنى الشام، بما يلي:
أ - أنها خيرة الله من أرضه، وصفوته من بلاده.
ب - فيها خيرة الله من عباده، يجتبيهم إليها.
ج - فيها معسكر الإيمان والأمن والطمأنينة عند الفتن.
د - تكفل الله تعالى بالشام وأبنائها بالحفظ والعناية والرعاية.
ه - فيها خيرة الأجناد وقلب الدفاع عن الدين والأمة الإسلامية، وغيرها من الأسباب.
3- بيت المقدس أرض الرباط والجهاد، فعن سلمة بن نفيل الكندي قال: كنت جالسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رجل: يا رسول الله! أذال الناس الخيل، ووضعوا السلاح، وقالوا: لا جهاد! قد وضعت الحرب أوزارها! فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجهه، وقال: (كذبوا الآن، الآن جاء القتال، ولا يزال من أمتي أمة، يقاتلون على الحق، ويزيغ الله لهم قلوب أقوام، ويرزقهم منهم، حتى تقوم الساعة، وحتى يأتي وعد الله، والخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، وهو يوحي إلي أني مقبوض غير ملبث، وأنتم تتبعوني أفنادا، يضرب بعضكم رقاب بعض، وعقر دار المؤمنين الشام). رواه النسائي وصححه الألباني.
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لتكونن هجرة بعد هجرة، إلى مهاجر أبيكم إبراهيم صلى الله عليه وسلم حتى لا يبقى في الأرض إلا شرار أهلها، وتلفظهم أرضوهم، وتقذرهم روح الرحمن عزّ وجل وتحشرهم النار مع القردة والخنازير، تقيل حيث يقيلون، وتبيت حيث يبيتون، وما سقط منهم فلها)، رواه أحمد في المسند وقال الألباني رجاله ثقات.