اختص شهر رمضان دون سائر الشهور بالذكر بالقرآن وذلك لارتباطه بالقرآن الكريم قال تعالي: " شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن "(البقرة 185)، و لهذا عرف شهر رمضان بشهر القرآن، فكان النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان يتدارس القرآن مع جبريل عليه السلام، ولا تزال هذه الظاهرة الإيجابية مستمرة لليوم في حياة الأمة بحرصها على القرآن الكريم وخاصة في رمضان، من تنافس أفراد العائلة المسلة على التفرغ لقراءة القرآن، وأيضاً ما نراه من التنافس الجميل في مسابقات حفظ القرآن وتجويده، بل أصبح لدينا مجموعة من القنوات الفضائية متخصصة بخدمة القرآن الكريم " وفي ذلك فليتنافس المتنافسون " (المطففين 26).
ولأن المطلوب من المسلم تجاه القرآن لا يقتصر على قراءته وحفظه وتجويده فحسب، بل المطلوب يمتد ليشمل: التدبر " أفلا يتدبرون القرآن " (النساء 82)، التفكر " لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون" (الحشر 21)، الدراسة " أم لكم كتاب فيه تدرسون" القلم 37).
وللوصول والحصول على هذه المعاني المهمة ( التدبر و التفكر و الدراسة )، لا بد للمسلم من يتعرف على عالم القرآن الرحب، من خلال مطالعة وتعلم العلوم الخاصة بالقرآن الكريم، وهي علوم عديدة ودقيقة وضعها العلماء الذين تعرفوا ودخلوا عالم القرآن، فسطروا لنا كتباً متعددة تتناول تفاصيل ودقائق من عالم القرآن، تدل على مدى العناية والاهتمام بالقرآن مما يدخل في " إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون" (الحجر 9) .
في كتابه " أنواع التصانيف المتعلقة بتفسير القرآن الكريم " ، يقدم لنا د.مساعد الطيار رؤيته لترتيب علوم القرآن من واقع تدريسه لمادة علوم القرآن في الجامعات كما يلي:
أولاً: علم نزول القرآن، ويشمل: 1- أحوال النزول من ترتيب النزول بحسب الزمن، وما نزل في الحضر أو السفر، والصيفي والشتائي، والليلي والنهاري.... ، 2- أسباب النزول، 3- المكي والمدني، 4- الأحرف السبعة، 5- كيفية الوحي، 6- الألفاظ المعربة.
ثانياً: علم جمع القرآن، ويشمل تدوين المصحف وتاريخه، ورسم المصحف (الرسم العثماني).
ثالثاً: علم القراءات، ويشمل : طبقات القراء، أنواع القراءات، آداب القراءة، تجويد القرآن.
رابعاً: علم معاني القرآن، ويشمل: غريب القرآن، إعراب القرآن، مشكل القرآن، إعجاز القرآن، متشابه القرآن.
خامساً: علم التفسير، ويشمل: تاريخ التفسير وطبقات المفسرين، أصول التفسير، الناسخ والمنسوخ، الوجوه والنظائر، أمثال القرآن، المحكم والمتشابه، مناهج المفسرين...
سادساً: علم سور القرآن، ويشمل: معرفة أسماء السور، وترتيب السور وأسرار الترتيب، ترتيب الآيات وأسرارها.
سابعاً: علم فضائل القرآن، ثامناً: علم أحكام القرآن ووجوه الاستنباطات، تاسعاً: علم الوقف والابتداء، عاشراً: علم جدل القرآن.
وبعد أن ذكر د. الطيار هذا الترتيب لعلوم القرآن أخذ يذكر الكتب المصنفة في كل علم من هذه العلوم مما يجعل المسلم يتعرف على ثروة كبيرة من العلوم والكتب المصنفة في علوم القرآن، مما يساعد المسلم الجاد في تدبر القرآن والتفكر فيه والدراسة له على الوصول لمبتغاه.
إن مما يحتاجه المسلمون اليوم هو زيادة الصلة بكتاب الله عز وجل وهو القرآن، صلة لا تقف عند حدود قراءته وتجويده وحفظه، بل تتعدى ذلك لفهمه وتدبره وتحصل كنوزه ومعارفه، ومن بعد ذلك ينعكس هذا التدبر والتفكر والدراسة للقرآن على سلوك المسلمين ليقوموا بعمارة الأرض بالعمل الصالح بالطاعات والعبادة لله عز وجل وأيضاً بعمارة الأرض بالنهضة والتنمية المرتكزة على الإيمان بالله واليوم الآخر.
وعلى أهل العلم والدعاة والمؤسسات المعنية بالقرآن واجب نشر الثقافة القرآنية في ربوع المجتمع كافة، ومن أهم هذه الواجبات تبيسط هذه العلوم وتقريبها لعامة الناس، ليصبح القرآن حقيقة هو الموجه للمسلمين، ولذلك على عاتق كليات الشريعة تخريج المؤهلين من الدعاة لربط المسلمين بالقرآن، وعلى عاتق إدارة هذه الكليات الشرعية توجيه طلبة الدراسات العليا في قسم القرآن الكريم لاختيار رسائل مفيدة وعملية في تقريب فهم القرآن للمسلمين، بدلاً من رسائل الترف العلمي والمعرفي الذي لا يسهم في تقريب المسلمين من كتاب ربهم جل وعلا.
ومن تأثير صلة المسلمين بالقرآن ما حدث في الجزائر، حيث كان الجهل والأمية هو الغالب على المجتمع الجزائري بفضل سيطرة الطرق الصوفية المحاربة للعلم والمعرفة والتي كانت توالي القوات الفرنسية المحتلة للجزائر، فقام العلامة الجزائري عبد الحميد بن باديس يفسر القرآن الكريم للجزائريين 25 سنة حتى كانوا يأتون له في يوم التفسير على البغال والجمال من أنحاء الجزائر ، فلما انتهى من سورة الناس بعد خمس وعشرين سنة، قام وبكى أمام الألوف المؤلفة، وقال:" ليس المقصد من تفسيري لكم القرآن أن تكونوا نسخاً متكررة ميتة، إنما مقصودي أن تدمروا فرنسا" ، وفعلا بدأت الثورة ضد الفرنسيين، حتى خرجوا من الجزائر بفضل التربية القرآنية التي تربي عليها الشعب الجزائري.
هذا التدبر والتفكر والدراسة للقرآن يفتح للمسلم الباب للرقي والتقدم في الدنيا والآخرة، وهذا ما تحتاجه أمتنا اليوم لتنهض من كبوتها، فالتقدم المنشود لن يكون إلا بالعلم النافع والعمل الصالح مع الخلق القويم، وهذه الأمور تحتاج إلى الجدية وترك الكسل والتوافه ومضياع الأوقات والموارد، وأمتنا لن يمكنها الحصول على ذلك بشكل عام وشامل إلا بالدين والعودة للقرآن الكريم، لأن كل الفلسفات والآديولوجيات والنظريات المستوردة للنهوض لم تنجح في خلق شخصية جادة تتحمل مشاق السعي للمجد، بسبب انعدام الغاية الدينية الأخروية التي تحث صاحبها على تحمل المشاق فلماذا يترك الإنسان شهواته وملذاته ويتحمل مشاق العلم والصبر وهموم الأمة، إذا لم يكن ذا تطلع لرضي الله عز وجل ودخول جنته؟!!
نعم لا يزال دعاة الإسلام وأهل القرآن لم يقدموا النموذج المتكامل المطلوب، لكن الجاحد والحاسد فقط هو من ينكر أنهم كانوا الحرص على خدمة الناس والأمة ولم يساهموا في إفقارها وتبعيتها للمحتل وإغراقها في السفاسف، حتى أصبح نقباء المغنين والراقصين يتبرؤن فضائح كثير من منتسبيهم!!
في عالم القرآن
2014/05/01
الرابط المختصر
Image