كورونا غيرت العالم فماذا عنك؟

الرابط المختصر
Image

يتفق غالب المحللين على أن العالم بعد كورونا كوفيد ١٩ ليس كالعالم قبله، فالظاهرة العولمية ستتراجع مع تزايد النزعات الوطنية على صعيد الصناعة والتجارة والسياحة، والليبرالية الفردية ستتقلص لصالح ضبط الحريات والمصلحة العامة، وستتبدل مواقع القوى الاقتصادية في العالم -غالبا- مع ثبات ترتيب القوى السياسية لفترة غالبا، وعلى الصعيد الوطني سيكون هناك قبول أوسع لدور الدولة، بل والمطالبة بترسيخها وتقويتها بعد أن عرّى فايروس الكورونا مظاهر الضعف والخلل في البنية التحتية لكثير من الدول (المحترمة) خاصة في القطاع الصحي.

ومع عدم توفر علاج ولقاح يقي من الفايروس قبل سنة من الآن فاستمرار نهج التباعد الاجتماعي سيكون شبه ضرورة وسيفرض تعزيز سياسة التعليم عن بعد وتفعيل الخدمات الحكومية الإلكترونية وزيادة استخدام التطبيقات الذكية وخدمات التوصيل في سلوك الناس التسوقي.

هذه كلها تغيرات شهدها العالم في فترة وجيزة ودون سابق إنذار، حيث فرض الفايروس حجرا صحيا على نصف البشرية تقريبا، فماذا عنك عزيزي القارئ الكريم، هل تغيرت؟

١-تعترف دول العالم كله اليوم -رغم عظمتها وقوتها وتقدمها وعلمها- بعجزها عن صد هذا الفايروس الصغير!

فهل تغيرت نظرتك لميزان القوة الحقيقي وعدم الانخداع بالمظاهر الزائفة، وأن قوة الحياة الدنيا كلها ضعيفة وأن المخفي عنا منها أكثر مما نعرف "يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون" (الروم: ٧).

٢- لاحظ الجميع الفارق في سلوك المسلمين تجاه الأزمة عن غير المسلمين، فالإيمان بالقضاء والقدر -وهو أحد أركان الإيمان الستة- منحهم الطمأنينة في التعامل مع خطر الموت بالكورونا، وفي نفس الوقت كان دافعا ومحفزا للأخذ بالأسباب الوقائية، والتي جزء مهم منها وهو الطهارة عادة تعبدية متأصلة فيهم.

فهل دفعك ذلك لفهم المزيد من عقيدة الإيمان بالقضاء والقدر وتفعيلها في قلبك وعقلك لتكون أكثر اطمئنانا وإيجابية؟

٣-  الحجر وحظر التجول منح الجميع أوقاتا واسعة كان الجميع يشتكي من غيابها وانعدامها، فهل استثمرت ذلك في الأعمال الفاضلة من الطاعة والعبادة سيما وأن هذا الوباء فيه ابتلاء وامتحان وعقوبة وتأديب لا بد أن يعالج بالتوبة والتضرع؟

وهل استثمرت هذه الفسحة في الوقت واقتراب شهر رمضان للزيادة في أداء النوافل والسنن الرواتب وذكر الله عز وجل وقراءة وتدبر القرآن الكريم؟

وهل إذا كنت مقصرا في الفرائض الدينية تداركت نفسك بالتوبة والإنابة وبدأت بها لتعتادها في مرحلة الفراغ هذه وتصبح مرافقة لك بعد انتهاء الأزمة قريبا بإذن الله؟

٤- من آفات العولمة التي فرضت على مجتمعات المسلمين تفكك الأسر وانشغال الأباء والأمهات عن الأبناء لأسباب شتى، فهل كان هذا الاجتماع الأسري القسري فرصة لترميم العلاقات الأسرية ورعاية الأبناء وتعهدهم وتفقدهم؟

٥- في هذه المرحلة اختفت أنشطة التسوق الاستهلاكي ولكن الحياة استمرت! بل بعض الأسر أصبح لديها وفر مالي بسبب غياب تلك الأنشطة المستنزفة للدخل والصحة كحفلات الأرجيلة في المقاهي! ومتابعة موجات الموضة! والتي كانت تفرضها على الناس عقلية القطيع الاستهلاكية بواسطة حملات الإعلام والاعلان المضللة.

فهل امتلكت الوعي بنمط الاستهلاك المناسب لدخلك واحتياجاتك لتخرج من دوامة الديون والقروض الاستهلاكية المدمرة؟

٦- ومع توفر الوقت إجباريا للجميع هل استثمرته في عادات مفيدة كنت تتمنى اكتسابها كعادة القراءة والمطالعة سواء للكتب والمجلات الورقية أو الإلكترونية؟

ما أجمل أن تطالع في وسائل التواصل الاجتماعي أخبار التنافس في مطالعة الكتب بين أهل الهمم، لماذا لا نتغير في مثل هذه الفرصة الذهبية ونكون إيجابيين.

ومما يلحق بالقراءة والمطالعة المشاركة في الدورات العلمية والبرامج التعليمية عن بعد، والتي تفيدك في تربية الأبناء أو وظيفتك أو معارفك وثقافتك العامة.

٧- هذه الأزمة فرصة لتغيير العادات الضارة بالصحة كإدمان التدخين، حيث أن المدخنين أكثر الفئات عرضة لمضاعفات فايروس الكورونا كونه يهاجم الجهاز التنفسي، ومعلوم أن المدخن يمتلك جهازا تنفسيا معطوبا أصلا!

ولذلك فإن المدخنين هم أكثر من توفي بسبب الكورونا وخاصة بين الشباب!

فهل تغير هذه العادة السيئة والمحرمة، وتستبدلها بعادة المشي والرياضة لتنعم بصحة أفضل مع توفر الوقت الكافي؟

٨- من الظواهر السلبية والمحرمة شرعا تداول الإشاعات، لما لها من آثار سيئة أولها أنها كذب والكذب بذاته لا يجلب إلا الفساد والشر، والإشاعات ونشرها تعيق نشر الحق والصدق وهذا كاف في فهم خطورته.

وللأسف أن الكثير من الناس مع سهولة تبادل الأخبار في وسائل التواصل يهملون الأوامر الشرعية بالتثبت من الأخبار، وسلامة النية ليست مبررا لنقل الأكاذيب.

فلماذا لا تتعهد لنفسك بالتثبت من الأخبار قبل بثها، وقد أصبح هذا ميسورا اليوم إما بالبحث عن صدق الخبر أو بالرجوع للمواقع المتخصصة بتفنيد الإشاعات مثل مواقع: فتبينوا، المسبار، هيئة مكافحة الإشاعات.

٩- الكل فينا ينتقد من يخالفون القانون، لكن هل فعلا نحن نلتزم بالقانون؟

رأينا جميعا كيف أن خرق البعض لتعليمات حظر التجول أو الحجر الصحي تسبب بإصابة العديدين بفايروس الكورونا.

ورأينا سلوكا سلبيا عند قطاع واسع من الناس حين أعلن عن حظر التجول الكامل، من التجمهر المؤذي والاختلاط الممنوع!

فهل وقفنا مع أنفسنا وراجعناها ووطناها على التزام القانون والتعليمات حتى يكون ذلك سجية لنا في كل وقت، وبذلك نطبق مبادئنا وشعاراتنا على أرض الواقع فعلا؟

١٠- مجتمعنا فيه كثير من مظاهر الخير والإيجابية، ولكن أيضا لا تزال فيه ممارسات سلبية فادحة، كشفت أزمة الكورونا عن مظهر خطير منها، وهو ظاهرة التكالب على تكديس الخبز ثم رميه في حاويات القمامة!

وهذه ظاهرة تتكرر مع كل منخفض جوي للأسف، فمتى يتحكم عقلنا بعواطفنا؟ ومتى نخضع سلوكنا للعلم والمعرفة؟

هذا التكالب على الشراء من المخابز فيه نوع خوف من الجوع، ولكن في كل سنة تأتى المنخفضات الجوية وتذهب ولم نجع ولكن رمينا الخبز بالقمامة! وهذا سوء تقدير وعدم خضوع للعلم بمدة المنخفض.

وفيه أيضا "استرخاص" لنعمة الخبز التي حرمها أناس غيرنا، فمتى نتغير في تعاملنا مع نعمة الخبز ونأخذ حاجتنا فقط؟ ومتى نحترم نعمة الخبز فنخزنه بالثلاجات أو نوزعه بدلا من رميه في القمامة؟

العالم تغير مع كورونا، فتغير أنت أيضا للأفضل وإلا ستكون ضحية له بطريقة أو أخرى.