كيف يكون شهر رمضان شهرًا للقرآن؟

الرابط المختصر
Image
كيف يكون شهر رمضان شهرًا للقرآن؟

 رمضان شهر القرآن، ففيه أنزل من عند الله عز وجل، قال تعالي: "شهر رمضان الذي أُنزل فيه القرآن هدى للناس وبيّنات من الهدى والفرقان" (البقرة: 185)، وقال تعالى: "إنا أنزلناه في ليلة القدر" (القدر: 1)، بل تشير بعض الروايات إلى نزول كل الكتب السماوية في رمضان، منها ما أخرجه الإمام أحمد عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أُنزلت صحف إبراهيم عليه السلام في أول ليلة من رمضان، وأنزلت التوراة لست مضين من رمضان، والإنجيل لثلاث عشرة خلت من رمضان، وأُنزل الفرقان لأربع وعشرين خلت من رمضان" صححه الألباني.
ولما كان رمضان شهر القرآن كان النبي صلى الله عليه وسلم يعرض القرآن ويتدارسه مع جبريل عليه السلام في رمضان، وتدارسه مع جبريل مرتين في آخر رمضان من حياته صلى الله عليه وسلم كما روى البخاري ذلك في صحيحه.
وقد فهم السلف الصالح من الصحابة الكرام والتابعين والأئمة من ذلك أولوية الإقبال على القرآن الكريم في رمضان فيزيّنون به ليلهم ونهارهم، ولمعرفة المزيد عن ذلك أنصح بقراءة كتاب (هكذا عاشوا مع القرآن قصص ومواقف) للدكتورة أسماء الرويشد.
والمقصود مِن صلة المؤمنين بالقرآن الكريم، والذي هو كلام الله عز وجل التلقي عن الله عز وجل أوامره ونواهيه واعتقاد ما دلنا عليه من أخبار في الماضى والمستقبل والتزام صراطه المستقيم، ولذلك أمرنا الله عز وجل بتدبّر كلامه في القرآن الكريم "كتابٌ أنزلناه إليك مبارك ليدّبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب" (ص: 29).
وفي زماننا هذا الذي ضعفت فيه صلة الكثير من المسلمين والمسلمات بالقرآن الكريم واللغة العربية أصبح تدبر القرآن الكريم والفهم لأوامر الله غائبا رغم كثرة قراءة القرآن الكريم وسماعه، وهي حالة يجب علاجها وإصلاحها فورا، لأنها تحجب هداية الله عز وجل ونوره عن الناس، وتمنع كثيرا من الخير والفلاح أن يعمّ البلاد والعباد.
والمسلم الموفّق والمسلمة الموفقة مَن يبادر ليجعل من رمضان فرصة للعيش مع القرآن الكريم بالتلاوة والتدبر وتخصيص هذا الشهر للتزود من كنوزه والتعلم من مائدة القرآن المجيد التي أبدع علماؤنا في عرض كنوزها ونفائسها، لجعل رمضان شهر القرآن فعلا وواقعا حقيقياً، ويكون ذلك من خلال المقترحات التالية:
1- عقد العزم على مطالعة تفسير كامل للقرآن الكريم في شهر رمضان، والبدء بتفسير مختصر مثل زبدة التفسير للشيخ محمد الأشقر، وتفسير القرآن تدبر وعمل إصدار مركز المنهاج، أو تفسير السعدي، بحيث تطالع كل يوم تفسير جزء في حوالى 20 صفحة وهو أمر سهل أمام عظمة الأجر والعلم الذي ستناله بفهم كلام الرب سبحانه وتعالى.
2- مَن سبق له مطالعة تفسير كامل مختصر يمكنه البدء في مطالعة تفسير متوسط التوسع، بحيث يطالع تفسير نصف القرآن أو ثلثه في رمضان ثم يتمّه بعد ذلك، وهذا فيه فائدة ونفع كبير، ولعل تفسير الشيخ عمر الأشقر (المعاني الحسان) مناسب.
3- مطالعة تفسير آيات الأحكام لفهم مراد الرب من عباده، وهناك كتب عديدة في هذا الباب ومن أبرز ما صدر مؤخرا كتاب (الإلمام ببعض آيات الأحكام) للشيخ ابن عثيمين.
4- قراءة كتب متعددة عنيت بتوضيح مجمل هداية ومقاصد القرآن الكريم منها: الوحي المحمدي لرشيد رضا، تيسير اللطيف المنان في خلاصة تفسير القرآن الكريم للشيخ عبد الرحمن السعدي، المدخل إلى مقاصد القرآن للدكتور عبد الكريم حامدي.
5- ألّف بعض العلماء والمفكرين والدعاة كتبا حول تدبراتهم وتأملاتهم في القرآن الكريم ومنها: قواعد قرآنية (50 قاعدة قرآنية في النفس والحياة) للدكتور عمر المقبل، إشراقة آية للدكتور عبد الكريم بكار، ليدبروا آياته لعصام العويد، ثلاثون مجلسا في التدبر إعداد اللجنة العلمية في مركز تدبر، مجالس القرآن للدكتور فريد الأنصاري، المواهب الربانية من الآيات القرآنية للشيخ عبد الرحمن السعدي، ونفائس التدبر لجمال القرش.
6- أيضا هناك كتب عنيت بتعليم تدبر القرآن الكريم ككتاب المراحل الثمان لطالب فهم القرآن للدكتور عصام العويد، وتدبر القرآن لسلمان السنيدي، ومنهج تدبر القرآن الكريم للدكتور حكمت بشير، والخلاصة في تدبر القرآن الكريم للشيخ خالد السبت، وكتاب نمّ تفكيرك في تدبر القرآن لجمال القرش.
7- وأيضا مما يفيد الراغب حقا في جعل رمضان شهر القرآن استغلال وقت قيادة السيارة للاستماع للدروس المحاضرات المتميزة في التفسير وعلوم القرآن والتدبر وكيفيته من خلال تنزيل هذه المحاضرات على الهاتف الجوال والاستماع لها بدون حاجة لشبكة الانترنت، واستغلال فترة الذهاب والعودة للعمل والازدحام في تعلم المزيد من هدايات القرآن الكريم، وبحمد الله هناك مئات المحاضرات والدروس والسلاسل متوفرة مجانا على مواقع مثل طريق الإسلام، وإسلام ويب، والشبكة الإسلامية، ودليل سلطان للمواقع الإسلامية.
8-هناك جهات متخصصة بتفسير القرآن وتدبره ولها مواقع نشيطة على شبكة الإنترنت ومنها الهيئة العالمية لتدبر القرآن الكريم، ومركز تفسير، وموقع القرآن الكريم التابع لوزارة الأوقاف السعودية، وفي هذه المواقع الكثير من الإصدارات والبرامج المتميزة والتي تخدم القرآن الكريم والباحثين عن هدايته وأنواره، وتوجد أكاديمية التفسير الإلكترونية للدراسة عن بعد.
9- من التطبيقات الرائدة في خدمة القرآن الكريم تطبيق آية، وهو مما يساعد المسلم والمسلمة على الارتباط بالقرآن الكريم.
10- متابعة برنامج أو أكثر مما يتعلق بالتفسير وتدبر القرآن في الفضائيات أو الإذاعات المحافظة.
هذه بعض المقترحات والأفكار لاستغلال شهر رمضان ليكون شهرا للقرآن الكريم، تلاوة وفهما ودراسة وتعلما وتدبرا وعملا بأحكامه والتزاما بأخلاقه ومفاهيمه وتصوراته.
فكن جادا وإيجابيا، واعْمل على أن تختلي بنفسك اليوم ساعة من الزمن وتحدد لك هدفا قرآنيا في رمضان من هذه الأفكار أو غيرها، ثم اكتب هذا الهدف بشكل علمي بحيث يكون: واضحا ومحددا، وله وقت معلوم بداية ونهاية، وممكنا تحقيقه وقابلا للقياس والتقويم، ثم تحدد ما يلزمك لتحقيق الهدف من شراء أو استعارة بعض الكتب، أو تنزيل بعض المواد من شبكة الانترنت، أو تنزيل تطبيق، أو عمل بحث بخصوص ذلك.
ثم تبدأ تتمرن هذه الأيام على تنفيذ الهدف حتى يدخل عليك شهر رمضان وأنت مستعد ومهيأ لتحقيق هدف رمضان القرآني.
ولو أنك بحثت في شبكة الإنترنت في هذه الأيام قبل رمضان عن مقالات أو مواد تتعلق بتدبر القرآن الكريم وأهمية ذلك وعظيم الأجر والفائدة في ذلك مما يكون محفزا لك فهو خير على خير.
وفي الختام؛ شهر رمضان غايته تقوى الله عز وجل، وخير ما يحقق التقوى ويرسّخها في القلب والبدن الإقبال على كلام الله وكتابه بالتلاوة والتدبر، فإياك إياك أن تغفل عن غاية رمضان الكبرى ويكون حالك في رمضان مع القرآن كحالك معه في غيره من الشهور، وإياك أن يكون حالك مع القرآن في رمضان كرمضان الماضي، بل لا بد أن تتقدم في العلاقة مع القرآن في كل رمضان يتجدد، وبذلك ترتقي في عالم القرآن الكريم وتغوص في أعماق التدبر وتفكر الوحي الرباني المقدس، تقبل الله منا ومنكم وجعلنا من التالين لكتابه والمتدبرين لوحْيه.