نحن نعيش في مرحلة تتصاعد فيها المخططات لتجفيف منابع التدين والاستقامة عن المسلمين عبر تحريف مفاهيم الإسلام بواسطة حملة منظمة داخلية وخارجية لفرض إسلام ليبرالي أو علماني يوظف لها الكثير من منابر الإعلام وتُطوع لها القوانين والأنظمة التي لا تنسجم مع هذه الرؤية المحرفة للإسلام، وقد تطال مناهج التعليم الإلزامي وكذلك خطبة الجمعة والمنابر الإعلامية الإسلامية لناحية التحجيم وتبديل المضمون.
وبموازاة تجفيف منابع التدين والاستقامة هناك حالة تغول في نشر الشهوات والملذات وتسهيل وصولها خاصة للجيل الصاعد، ومن هذه الشهوات ما يخص به "شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبيّنات من الهدى والفرقان" (البقرة: 185)، وذلك لطمس نور وبركة رمضان عن مجتمعاتنا وأمتنا.
إن أمتنا اليوم تشهد الكثير من المحن وتعاني من آلام كبيرة ومصائب جسيمة لا يمكنها من التغلب عليها إلا بصدق العودة للدين والالتجاء لرب العالمين وترك المعاصي والآثام ولا توجد فرصة لذلك مثل حسن استغلال شهر رمضان بكثرة الطاعة والإنابة والاستغفار والتضرع واللجوء والدعاء، لكن قطاع الطريق كإبليس وأعوانه يجتهدون لخطف رمضان من قلوب الناس بصرفهم عن الاستعداد له بالتفقه والتعلم لأحكام الصيام ومدارسة غاياته ودروسه ليكون الاستعداد لرمضان هو بالتباهي بفوانيس رمضان وألوانها البراقة!!
وقد بدؤوا من الآن ببث الدعايات لدراما رمضان، التي كثير منها يفسد الصيام وغايته التي بيّنها الله عز وجل في القرآن بقوله تعالى: "يا أيّها الذين آمنوا كُتب عليكم الصيام كما كُتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون" (البقرة: 183)، فهل غالب دراما رمضان يورِث التقوى في القلوب والتي عرّفها الخليفة الراشد الرابع علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، بقوله: "هي الخوف من الجَليل، والعمل بما في التنزيل، والاستعداد ليوم الرَّحيل"، ومثلها أكثر الإفطارات والسهرات الرمضانية التي تحارب تقوى الله عز وجل بكل صراحة ووضوح، فاحْذر أن يَخطف إبليس وأعوانه منك رمضان.
رمضان شهر القرآن وتدبّر كلام الرحمن، فاحْرص على كثرة تلاوة القرآن وأن تختم فيه المصحف أكثر من مرة، واحْرص أيضا أن تقرأ فيه ختمة مع تفسير مختصر كالتفسير المختصر أو الميسر، حتى تتعرف على معاني الكلمات الصعبة، وتفهم السياق العام للآيات حتى يكون "القرآن ربيع صدورنا" فعلاً وحقيقة، ويكون لنا موقف حقيقي مضاد تجاه حملات تجفيف التدين والاستقامة، واحذر أن يشغلك هاتفك الذكي عن تدبر القرآن وتلاوته، فغالبنا يقضي يوميا عدة ساعات وهو يلاحق وسائل التواصل الاجتماعي، وفي نهاية اليوم لا تكون هناك فائدة حقيقية تذكر من كل ذلك الوقت والمال الضائع، فاحذر أيضا أن يخطف هاتفك الذكي رمضان منك!
حقيقة الصيام هي ترك بعض الحلال من الطعام والشراب والشهوة امتثالاً لأمر الله عز وجل، فإياك أن تترك الحلال في الصيام وتتمسك بالحرام! فبعض الصائمين والصائمات والمصلّين والمصلّيات يضيع صلاته بسوء لباسه فتجد الشباب الطيب يتزاحم على الصلاة في رمضان لكن بلباس يبطل صلاتهم لأنه يظهر عوراتهم في الركوع والسجود! فموضة اللباس "الساحل" والـ "تيشيرت" القصير مما يجب التنبّه له لتُقبل الصلاة وتتحقق التقوى، وكذلك الفتيات فلا تجوز الصلاة بالقصير والضيق وعدم إزالة المكياج عند الوضوء، ليحذر الشباب والشابات أن يخطف إبليس صلاتهم في رمضان باتّباع الموضات الشيطانية، ولعل هذا سبب انقطاع بعضهم عن الصلاة بعد رمضان!
ومما يعين على كسب ثواب رمضان وعدم ضياعه واختطافه الاستعداد الجيد له وتهيئة المحيط له من الأهل والأبناء والزملاء عبر إعادة الاستماع لبعض المحاضرات المتميزة عن استقبال رمضان، والتي يجهلها كثير من الجيل الجديد من أبنائنا وتجدونها في موقع إسلام ويب وطريق الإسلام.
ومما يعين كذلك على حسن استغلال رمضان وعدم اختطافه من إبليس وأعوانه اعتماد خطة واضحة لرمضان تحدد فيها مقدار صلاة النوافل الراتبة وصلاة الضحى والنفل المطلق وكثرة الدعاء والذكر واستغلال أوقات الإجابة والصدقة وعمل الخير، وهناك الكثير من الخطط المقترحة لاستغلال رمضان بذكاء في شبكة الإنترنت كما أن هناك مواقع خصصت قسما يزود ربّ الأسرة وإمام المسجد والدعاة ببرامج دعوية لرمضان مثل موقع صيد الفوائد، فاحذر أن تنشغل عن استثمار رمضان وتخطط له فيخطف رمضان منك!
وختاماً؛ فإن صيام رمضان مع تقديم الامتحانات المدرسية النهائية سيكون تجربة جديدة لآلاف الطلبة من أبنائنا وبناتنا، ويجب أن نهيئهم لذلك من الآن بحيث يجمعوا بين حسن الصيام والطاعة وبين جودة التعلم وأداء الاختبارات من خلال تنظيم برنامجهم اليومي وعدم السماح لهم بالتفلت من الدراسة بحجة الصيام، ولا من الصيام بحجة الدراسة، وهذه مسؤولية الوالدين، وهي تحتاج إلى وعي وإصرار حتى يكفلوا لفلذات قلوبهم النجاح في الدين والدنيا، وهو المسار الذي يحتاج إلى أن نركز عليه في هذه المرحلة الصعبة التي تنتظر أبناءنا حيث تجفف منابع التدين وتدعم منابع الشبهات والشهوات، ويرافق ذلك ضغط اقتصادي يشغل كثيرا من الآباء عن متابعة تربية أبنائهم وضغط مجتمعي يحرف الأولويات عند الأسر.
وللخروج من هذا التيه الجديد نحتاج إلى وعي بطبيعة المرحلة وتوعية أبنائنا بها وتحديد مسارنا الأسري لعبورنا فيها، وإلا فإننا سنعود لمرحلة التيه التي مرت بها أمتنا قبل عدة عقود حيث خلت المساجد من المصلين وانتشرت الأفكار المصادمة للدين من الشيوعية والإلحاد وشيوع المنكرات من إدمان الخمر والمخدرات، وذلك بسبب ضياع البوصلة وخطف رمضان وخطف ما يمثله رمضان منا وهو تقوى الله عز وجل.