لعل من أكثر العبادات التي يحرص على أدائها سائر المسلمين هي عبادة الصيام، حيث قلّ أن تجد مفطراً في رمضان حتى من غير المصلين، وسبب ذلك أن الصيام عبادة تأتى مرة في العام وفي تركها نشوز واضح عن غالب المجتمع مما يولد في نفس المفطر إحساساً بالذنب والتقصير وشعوراً بالخجل وقلة العزيمة، وقد تؤشر هذه المشاعر والأحاسيس على صراع الإيمان الضعيف مع النفس الأمّارة بالسوء والشهوات.
ورغم كثرة الصائمين إلا أن هناك العديد من السلبيات والنقائص لا تزال تظهر من سلوك بعض الصائمين، مما يدل على وجود خلل في أداء عبادة الصيام لدى بعض أو كثير من المسلمين والمسلمات.
وقد نستطيع بيان بعض أوجه الخلل في أداء عبادة الصيام من خلال معرفة أنواع الصوم والصائمين، كما بينها الحافظ ابن حجر العسقلاني في كتابه "فتح البارى في شرح صحيح البخاري" حيث جاء في شرح الحديث القدسي "كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به" قوله: اتفقوا على أن المراد بالصيام هنا صيام من سلم صيامه من المعاصي قولاً وفعلاً.
ونقل ابن العربي عن بعض الزهاد: إن الصوم على أربعة أنواع:
صيام العوام: وهو الصوم عن الأكل والشرب والجماع.
وصيام خواص العوام: وهو هذا مع اجتناب المحرمات من قول أو فعل.
وصيام الخواص: وهو الصوم عن غير ذكر الله وعبادته.
وصيام خواص الخواص: وهو الصوم عن غير الله فلا فطر لهم إلى يوم القيامة.
وهذا مقام عالٍ لكن في حصر المراد من الحديث في هذا النوع نظر لا يخفى".
أما الإمام ابن الجوزى فيقول: "الصوم ثلاث: صوم الروح وهو قصر الأمل، وصوم العقل وهو مخالفة الهوى، وصوم الجوارح وهو الإمساك عن الطعام والشراب" ويقول: "ما من جارحة في بدن الإنسان إلا ويلزمها الصوم في رمضان وغير رمضان، فصوم اللسان ترك الكلام إلا في ذكر الله تعالى، وصوم السمع ترك الإصغاء إلى الباطل وإلى ما لا يحل سماعه، وصيام العينين ترك النظر والغض عن محارم الله".
فالمشكلة هي أن غالب المسلمين يصومون صيام العوام وهو الصوم عن الأكل والشرب والجماع، دون الصيام عن المعاصي والمحرمات؟؟ وبذلك يكون حالهم مجسدا بكلام الأعرابي عندما ذم قوماً فقال عنهم: "يصومون عن المعروف ويفطرون على الفواحش" !!
ذلك أن المقصود من ترك الشراب والطعام والجماع ـ وهي من الطيبات والمباحات ـ هو تحصيل التقوى، بالتفرغ للتفكر والطاعة وقراءة القرآن والصلاة، والتكافل مع الفقير والمسكين، واكتساب الأخلاق الحميدة مثل الصبر والإيثار والتواضع والإحسان.
ولكن إن كان واقع الحال هو ترك الطيبات والمباحات - والإنشغال أثناء الصوم وبعده- إما بتخيل الموائد العامرة أو مشاهدة المناظر العارية فكيف ستتحق التقوى!! وبهذا قد لا يصوم هؤلاء حتى صيام العوام!!
إن المسلم الذكي هو من يحاول أن يبتعد عن صيام عوام الصائمين بأن يجعل من مواسم رمضان المباركة فرصة لرفع إيمانه وزيادة طاعاته وتحسين سلوكياته، فيغتنم الأوقات بالطاعات ويدقق في سلوكه وأخلاقه، فيجعل من رمضان معسكراً للتدريب والتقويم والارتقاء، من خلال خطة محكمة ذات خطوات وأهداف محددة ومكتوبة – كما ينصح بذلك خبراء الإدارة والتنمية البشرية- تتناول ما يجب التخلص منه من عادات سيئة أو عديمة الجدوى وما تود اكتسابه من عادات وأخلاق وطاعات تود ترسيخها أو زيادتها.
ولعل من الأهداف التي يمكن إدراجها في الخطة لرمضان مميز:
قراءة تفسير مختصر للقرآن الكريم.
تعلم أحكام الصيام بأي وسيلة (حضور درس، قراءة كتاب، سماع شريط).
مراجعة حفظك للقرآن للكريم.
القيام بمجموعة من السنن النبوية يومياً ( صلاة نوافل، أذكار، عيادة مريض..).
ترتيب بعض الأنشطة الخيرية من إطعام الفقراء وزيارة الأيتام وتفقد المسنين ومساعدة المحتاجين.
دراسة سير وقصص بعض الصحابة والصالحين والاقتداء بهم في أخلاقهم وأحوالهم الاجتماعية والإدارية.
ومع هذا كله لابد أن تتضمن الخطة المعوقات التي يجب الحذر منها وهي غالبا: برامج القنوات الفضائية غير الملتزمة، واللقاءات والسهرات في الخيم الرمضانية، ورفقاء السوء، كما تتضمن المعينات مثل الرفقة الصالحة وقائمة بمواعيد البرامج النافعة أو الدروس والمحاضرات المفيدة التي يمكن حضورها.
بمثل هذه الخطة يمكن للصائم الذكي أن يرتقي بإيمانه وأسرته وأمته، والله الموفق.
لاتكن من عوام الصائمين!!
2014/06/01
الرابط المختصر
Image