هذه هي الآية الرابعة عشرة من سورة الحشر، وهي تلخص لنا استراتيجية اليهود عبر العصور في الحرب، إنها عقلية الغيتو والانغلاق والقلاع المحصنة وبناء الجدر العالية والعازلة، هذا كان حالهم في زمن النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بني النضير سنة 4هـ، حين تأمروا على قتل النبي صلى الله عليه وسلم.
ولا يزال هذا هو حال اليهود لليوم: الغدر والخيانة والتآمر على خصومهم، وخاصة المسلمين، وبناء التحصينات والقلاع والجدر العازلة، فصدق الله العظيم الذي كشف لنا حقيقة يهود في كتابه الكريم، والذي للأسف لا يحفل به وبما يرشد إليه كثير من ساسة ومثقفي اليوم، ولذلك يوقِعون الأمة في أزمات وانتكاسات ونكبات متكررة!!
لم تجد حكومة العدو الصهيوني من حل لعدوانها الجديد على القدس والمسجد الأقصى إلا ببناء جدار عازل في داخل القدس بين أحياء العرب واليهود، في تأكيد جديد لما نطق به القرآن الكريم من 1436 عاماً، فسبحان العليم الحكيم.
في تفسير العلامة ابن عاشور (التحرير والتنوير) يقول إن هذه الآية هي شرح للآية التي قبلها وهي قوله تعالي: "لأنتم أشد رهبة في صدورهم من الله ذلك بأنهم قوم لا يفقهون"، لشدة رهبة وخوف اليهود من شجاعة وإقدام المسلمين على نصرة الحق والدفاع عن المظلوم فإن اليهود لا يمكنهم مقاتلة المسلمين وجهاً لوجه غالباً، ولذلك يلجؤون لبناء القلاع والحصون والجدر.
وقد رأينا في هذه الأيام مصداق ما جاءت به الآيات، فالفتى الفلسطيني العاري من السلاح إلا من سكين الخضار والفواكه يهجم على عصبة من جنود قوات النخبة اليهودية المدججة بالسلاح، فيطعن بعضهم ويفر البقية ويخطف سلاح أحدهم ويقاتل به ويُقتل شهيداً بإذن الله عز وجل.
ورأينا في الحرب على غزة كيف أن الجندي اليهودي المدرب والمحترف والمكدس بالسلاح لا يقاتل إلا من داخل دبابة أو خلفها، وبشرط أن يكون مرتدياً (للحفاظات)!!
فهذا الخوف والرعب ليس من قوة الشباب والفتيان بل هو الخوف والرعب من قوة الحق الإسلامي الذي إذا تحرك تحركت الدنيا لحركته، وهو الخوف والرعب من عاقبة الظلم والعدوان الذي يمارسونه صبح مساء.
إن اليهود بنوا الجدر والمعاقل الحصينة والمستوطنات الآمنة منذ عقود، ولكن هذه الحصون والمعاقل لم تصمد في وجه الحق وطلاب الشهادة ورجال الجهاد.
فلقد أقام اليهود في الستينيات من القرن الماضي خط أو جدار بارليف (نسبة لحاييم بارليف قائد الجيش اليهودي) على طول خط قناة السويس عقب هزيمة 1967م، وكان جدارا حصيناً يرتفع في الهواء حوالى 20 -22 مترا من الرمال وبزاوية ميل 45 درجة، لمنع عبور الجيش المصري لتحرير سيناء، وجعلت في أسفل الجدار قنوات تشعل القناة بالنابالم إذا حاول الجيش المصري عبور الجدار!
وكان الجدار يمتد من شط القناة الى الداخل لمسافة 12 كم، حيث يوجد جدار ثانٍ وثالث، وقد زودوا بما يلزم من دبابات ومدافع ودشم ونقاط مراقبة وتحصينات وجسور للدبابات اليهودية لتهاجم مصر!
وأشاع اليهود أن جدار بارليف أقوى من جدار ماجينو الفرنسي في الحرب العالمية الأولى، وقال بعض الخبراء الغربيين الذين درسوا جدار بارليف والعازل المائي إنه لا يمكن إزالته إلا بقنبلة ذرية!
ولكن حين توفرت إرادة القتال عند القيادة والجيش المصري وأخذت بالأسباب الصحيحة وأعدت ما أمكنها واستعانت بالله عز وجل وكان شعار الجنود هو التكبير: الله أكبر، تمكن الجيش المصري من تحطيم خط بارليف خلال 6 ساعات، من خلال خطط تكتيكية رائعة شارك فيها كثير من الجهات الرسمية شكلت بمجموعها هذا النصر الكبير.
وللأسف فإن بطولات وإبداعات تحطيم جدار بارليف مجهولة عند غالب جيل الشباب، وهي تستحق أن تدرس وتبث كنموذج للإبداع والتفكير خارج الصندوق وقدرة الإنسان المسلم والعربي على التحدي والفوز إذا كان المناخ مناسباً.
وإن من يقارن بين واقع الجيش المصري الذي دمر جدار بارليف وهو يصدح بالتكبير وكثير منه صائم، بالجيش المصري في هزيمة 1967م والذي كانت قياداته فاقدة للوعي من السكر في حفل غنائي راقص ليلة الحرب، وقد وثقت رواية "وتحطمت الطائرات عند الفجر" تلك المصيبة.
ولم يتعلم اليهود من تحطيم هذا الجدار، فقاموا بإقامة الجدار العازل في الضفة الغربية من أجل سرقة الكثير من الأراضي وحماية المستوطنات من بطولات الشباب وشجاعتهم، ومع ذلك لم يستسلم الفلسطينيون للجدار وأبدعوا الكثير في تجاوزه واختراقه، وتأتي حكومة اليهود اليوم لتصنع جدارا جديدا في القدس، وتظن أن هذا سيحميها، ولكنهم لا يفقهون كما ذكر القرآن الكريم.
لقد سعى اليهود إلى إقامة (إسرائيل الكبرى)، لكنهم أُجبروا على الانسحاب من سيناء، ومن ثم انسحبوا من جنوب لبنان، وبعدها انسحبوا من غزة، وقريباً سينسحبون من الضفة أو أغلبها، ولن يطول الوقت حتى يزول هذا الكيان الدخيل كما زالت من قبل موجات الصليبيين.
ولكن هذا لا يكون إلا إذا كان القرآن الكريم هو مرشدنا للتعامل مع اليهود، وعملنا بالأسباب الصحيحة للتحرير والنصر، وأن النصر والتحرير لن يكونا غالباً دفعة واحدة من خلال حرب وحيدة، بل سيكونا عبر محطات متنوعة من الصراع والعراك، بأساليب عديدة ووسائل مختلفة، تحقق نصراً جزئياً هنا، ونصراً جزئياً هناك، حتى تتراكم هذه الانتصارات وتحقق التحرير الكامل.
"لا يقاتلونكم جميعاً إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر"
2015/10/01
الرابط المختصر
Image