للأقصى رب يحميه ورجال ونساء يفدونه

الرابط المختصر
Image
للأقصى رب يحميه ورجال ونساء يفدونه

في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ المسلمين يتصاعد العدوان اليهودي والصهيوني على المسجد الأقصى المبارك خاصة، وفلسطين بعامة، فأصبحت الاقتحامات اليهودية المدنسة لطهره متعددة ومتكررة بشكل متسارع، ولم تعد تقتصر على الباحات الخارجية وحفر الأنفاق، بل أصبح هناك إقامة للطقوس اليهودية في حالةٍ من فرض التقسيم الزماني على المسجد الأقصى في تمهيد لفرض التقسيم المكاني –لا قدر الله عز وجل ذلك-.
لابد لفهم أبعاد تضخم العدوان اليهودي الصهيوني على المسجد الأقصى من فهم واقع اليهود وواقع المسلمين اليوم، لنفهم إلى أين تتجه حركة التاريخ والمستقبل.
بالنسبة لليهود، هم اليوم يعانون من الاصطدام بجدار الحقيقة والواقع، مِن أنهم أقلية منبوذة في المنطقة مهما عملوا وحصلوا من قوة، وأن ما تواجهه إسرائيل من مقاومة فلسطينية في الداخل وما تم عقده من اتفاقيات السلام مع الدول العربية -برغم سلبياتها الكثيرة وعدم التزام اليهود بها- نتج عنها هدم حلم إسرائيل الكبرى الجغرافية! ومن هنا حاول بيريز اختراع فكرة إسرائيل الكبرى اقتصادياً، ولكن أيضاً لم تنجح كما يحلمون!
وهذا كان له انعكاسات كثيرة على واقع اليهود والصهاينة من أهها: ازدياد الهجرة اليهودية من إسرائيل بنسبة تفوق الهجرة القادمة إليها، وهو مؤشر خطير بالنسبة لليهود تجاه مستقبلهم.
ومنها زيادة نسبة اليهود المتدينين وتضاعف وجودهم في مؤسسات الجيش والدولة، فبحسب صحيفة إسرائيل اليوم (15/11/2013) فإن نسبة اليهود المتدينين في الجيش ارتفعت من 2 % إلى 35 – 40 %، وقد تزيد عن ذلك في بعض الألوية والوحدات، وأيضاً في جهاز المخابرات أصبح حضورهم يفوق نسبتهم بكثير جداً، ويحتلون مناصب رفيعة فيه، وقد نشر د. مهند مصطفى من جامعة حيفا ورقة عن تأثير ذلك على مجريات العدوان على غزة بعنوان "حضور الدّين في الحرب على غزة، من تديين الصهيونية إلى تديين الصراع".
ورافق هذا التمدد اليهودي المتدين في المجتمع والجيش تطويرا في الفتاوي اليهودية نحو اقتحام الأقصى والعدوان عليه، فبعد أن كانت فتاوى الحاخامات منذ عام 1968م تمنع اليهود من دخول المسجد الأقصى والصلاة فيه، لأنهم يعتقدون أن تراب المسجد الأقصى وساحاته اختلطت برفات الحاخامات واليهود لما دمّر الهيكل المزعوم، وأنه عند إعادة بنائه يجب مراعاة دفن تلك الرمم قبل الصلاة في الهيكل!!
لكن هذه الفتوى نُقضت في عام 2008م دون مبرر واضح، وأصبح الحث على الصلاة في الأقصى هو الأصل عندهم، وقد يكون هذا نوعا من التعويض عن فقدان حلم إسرائيل الكبرى كما يقول بعض الباحثين، فتعويضاً عن التمدد الخارجي تمددوا نحو المسجد الأقصى، ولذلك نجد نوعا من التنافس بين المجموعات والأحزاب اليهودية المتديّنة على من يدنس الأقصى أكثر ومن يعتدي بصورة أوقح وأبشع.
أما بالنسبة للمسلمين، فهم -مع ما يتعرضون له في فلسطين خاصة من حصار وقتل وعدوان، وفي بقية البلدان من اضطرابات أو احتلال أو استبداد للطغاة أو حروب طائفية أو ضوائق مالية أو سواها-، فإن جميع المسلمين مرتبطون بالأقصى ويفدونه بأموالهم وأرواحهم.
ويجب أن نثق بأن حالنا هذا -على سلبياته- إلا أنه يفزع الكثيرين الكثيرين من أعداء الإسلام في الداخل والخارج، وهم يقدّروننا أكثر مما نقدّر أنفسنا، ويعرفون نقاط قوتنا التي لا نكترث بها ونفرّط بها جهلاً وغباءً مع الأسف.
حين سقطت الدولة العثمانية وقسمت أراضيها، واتفق سايكس وبيكو على دُولنا الحالية، كان سبب ذلك أن هذا التمزيق كاف في قتل قوتنا ومنع وحدتنا وإضعاف مستقبلنا.
لكن أقدار الله تعالى وهمم وجهود المخلصين من القادة والعلماء والمفكرين والساسة والمثقفين والعامة، حولت ذلك الواقع البائس إلى واقع أفضل، ففي حين كانت الأمية هي الأساس في الجماهير العربية تناقصت لأكثر من النصف وقطعنا نصف الطريق، وأصبح العلم موجوداً في شعوبنا التي أثبتت كفاءتها في الاكتشاف والاختراع فتسابق العالَم على سرقة عقولهم بالهجرة أو التصفية والاغتيال، وكان الفقر هو السائد في بلادنا فأصبح الحال مختلفاً مع نعمة البترول والغاز التي عمّ خيرها البلاد التي وجد فيها ومن حولها إما بالعمل فيها أو بالدعم والإعانة –برغم ما يوجد من التقصير أو سوء الإدارة-، وكنا دولا متصارعة فهدى الله بعض العقلاء من الساسة للتعاون والتنسيق فظهرت تجمعات ومجموعات عربية مختلفة تباينت في نجاحها وإنجازاتها.
وأهم من هذا كله تحول الشعور العام في شعوبنا ودولنا تجاه الإسلام والتزام عقائده ومفاهيمه وأحكامه وأخلاقه، بعد أن كان الجهل بالدين هو السائد، مما ساعد على انتشار موجة الإلحاد والشيوعية في مرحلة مظلمة من تاريخ أمتنا في الخمسينيات والستينيات.
فبعد أن كانت المساجد مقفرة من المصلين لا يَعرف طريقها إلا بعض المسنين، أصبحت تغص بالمصلين من كافة الأعمار والمهن والثقافات، وبعد أن كانت أركان الإسلام مهجورة مثل الصيام والزكاة والحج، أصبح من النادر والشاذ أن تجد من يفرط فيها والحمد لله رب العالمين.
من يستحضر حال المسلمين هذا وكيف تحول واقعهم من جهل إلى علم، ومن فقر إلى غنى، ومن فرقة لنوعِ تعاونٍ، ومن بعدٍ عن طاعة الله عز وجل إلى إقبال، يفهم ويدرك الحرص الكبير من أعداء المسلمين على تفتيت المفتت من الدولة العثمانية، وتجزئة المجزء من أمة الإسلام، هم لم يعمدوا إلى ذلك إلا لأنهم أدركوا أن المسلمين في طريقهم للقوة والوحدة والإيمان، فأرادوا قطع الطريق عليهم.
عقلاء اليهود وأذكياؤهم هم أعظم الناس إدراكاً لذلك لأن المسلمين أمة حية تنام وتضعف وتنسى ولكن لا تموت، الجنرال شلومو باوم الذي يعد أسطورة الجيش الإسرائيلي زمن تأسيس كيانهم الغاصب كان يدرك هذه الحقيقة بكل وضوح، ولذلك لما استنكر عليه بعض أصدقائه لماذا هو قلق على مستقبل إسرائيل؟! قال لهم: هل سمعتم بمعركة حطين وصلاح الدين. فقالوا له: لكن العالم العربي في غاية الضعف الآن، فضحك باوم وقال لهم: لقد كانت أوضاع المسلمين قبل حطين كذلك، ولكن صلاح الدين استطاع بعث المسلمين وتحقيق الانتصار على الصليبيين، وهذا ما أخشاه على مستقبل إسرائيل!
وفعلا كان شلومو باول محقا في خوفه على مستقبل إسرائيل، فهي إلى زوال، ويكفي أن نتفحص الخوف والقلق في عيون جنود اليهود وقادتهم من كل فلسطيني أعزل في القدس يمكن أن يكون مشروع شهيد فدى الأقصى والمسرى.