إن وجود داعش وبقائها مرتبط بعوامل ذاتية وموضوعية، فمن العوامل الذاتية أن داعش تبرر وجودها بدعاية دينية إسلامية، وما لم يتم مواجهتها بدعاية دينية إسلامية مساوية لها في مقدار الجاذبية والانتشار التي تتفوق فيها لحد الآن داعش على الجهود الفردية –على قلتها- للعلماء والدعاة في جانب الانتشار والابهار كما أن دعاية داعش تتفوق على دعاية الجهات الرسمية الدينية في جانب الجاذبية والاقناع.
ومن هنا فإن بقاء داعش تتواصل بفاعلية نشطة لترويج دعايتها الدينية وعبر أساليب جذابة وفردية ومباشرة عبر الوسائط الحديثة مع آلاف الشبان والفتيات من ذوى الخلفيات الدينية البسيطة، كفيل ببقاء فكرة داعش باقية!
من المعلوم أن الغلو من مستلزمات أي أيدلوجية دينية أو غير دينية، ولكن استفحالها وسيطرتها وظهورها مرهون بقوة وجاهزية ومبادرة أهل الاعتدال، فالغلو لا يغلب إلا في حالة ضعف أهل الاعتدال في أي أيدلوجية.
ومن هنا فإن إقصاء وتحجيم أهل الصدق والاعتدال الديني في مواجهة التطرف الداعشي، تحت حجج وذرائع شتى من قبل السلطات والأبواق العلمانية وبعض الاتجاهات الدينية، هو مما يخدم بقاء داعش فكراً وواقعاً.
أما العوامل الموضوعية التي تساهم في بقاء داعش، فاستمرار حالة الظلم والعدوان الطائفي على المسلمين السنة في العراق وسوريا من جهة، والتواطؤ الدولي ضد نصرة المظلومين فيهما إما بدعم المجرمين علناً وصراحة بالمال والسلاح والرجال والسياسة كحال روسيا والصين، أو بمنع وصول الامدادات العسكرية والمالية للثوار أو التهاون في تطبيق القوانين الدولية حتى تنضج حلول سياسية تناسب الرؤى الغربية دون اكتراث لدماء الآلاف من الأبرياء كحال أمريكا وأوروبا.
ومما يساهم في توفير مناخ للتطرف والغلو كداعش تواصل حالة الفساد السياسي والمالي التي تسيطر على الكثير من البلاد العربية فضلاً عن الثورات المضادة التي وأدت أحلام الشباب في الحرية والكرامة.
إن اجتماع هذه العوامل الذاتية والموضوعية كفيل ببقاء داعش والتطرف والغلو في منطقتنا والعالم، وإذا ذهبت داعش هذه، فبالتأكيد ستظهر داعش أخرى مكانها.
أما احتمال انكماش داعش، فهو يعود لأن تمدد داعش تم برضى ودعم من الأعداء لها، لتمرير سياسات شريرة على ظهر داعش، فداعش لم تتمدد إلا بانهيارات كرتونية للجيش العراقي والسوري أمامها، نتج عنها تسمين داعش مالياً وعسكرياً بالذخيرة والسلاح، وتسليمها حقول البترول ثم شراءه منها من قبل النظام السوري!!
ولكن اليوم وبعد أن جرفت مناطق المسلمين السنة إما بقنابل وبراميل النظام السوري والعراقي أو بألغام داعش وهجرت آلاف الأسر من منازلها، واستولت الميلشيات الشيعية الطائفية على كثير من مناطقهم ومنعت عودة الأهالى لمنازلهم، فإن داعش تكون قد حققت كثير من أهداف النظام الطائفي العراقي في تهميش السنة ووصمهم جميعاً بالتطرف واعتبار ذلك سبب لإقصائهم من السياسة والجيش، وفي سوريا تحقق للنظام السوري فك طوق الثورة السورية عن رقبته عدة مرات، فضلاً عن تشتيت جهد الثورة في معارك مع داعش بدلاً منه.
ولكن اليوم مع الاتفاق النووي الإيراني الغربي، فإن التكهنات السائدة تقرر أن هناك قبول دولي بالدور الإيراني في العراق تحديدا، وهذا يعنى أن داعش قد يسحب من تحتها البساط، فتسهيل هروب قادة داعش من سجون المالكي، وأوامر المالكي بالانسحاب من الموصل وغيرها من التسهيلات غير المباشرة، لم يعد لها مبرر بعد الوصول للمطلوب، وهو ابتلاع العراق إيرانيا.
وعليه فسيكون هناك انكماش لداعش في العراق، وتمدد محدود في سوريا، لخلق تهديد لتركيا وبقاء داعش شوكة في جنب تركيا والثورة السورية والأردن والسعودية، وقد رأينا مؤخراً بداية دور جديد لداعش ضد تركيا، وكيف أن داعش لا تزال تنقذ نظام بشار من هجمات الثوار، وأما الأردن والسعودية فالمخططات الدولية والإقليمية لن تفرط بالتلاعب بورقة داعش ضد الأردن والسعودية، لتمرير مشاريعها التقسيمية في المنطقة.
الخلاصة تشترك الدول المحلية والإقليمية والدولية في توفير العامل الذاتي في بقاء داعش، وقد
تنفرد القوى الإقليمية والدولية في انكماشها مع توظيفها.
لماذا داعش باقية وقد تنكمش؟
2015/07/01
الرابط المختصر
Image