مما لا يختلف فيه العقلاء أن القرآن الكريم هو الذي رفع من شأن العرب بعد أن كانوا في عماية الجهل والتفرق والفقر والضعف والتبعية، فنقلهم الوحي الإلهي المتمثل بالقرآن الكريم إلى رحابة نور العلم ومكنة الوحدة وسعة الغنى ومنعة القوة وسيادة الدنيا في سنين معدودة.
وكل هذا لأن القرآن الكريم علمهم حقيقة الدين وحقيقة الدنيا، وأرشدهم للتفكير السليم الصحيح في شأن كل منهما، ثم أمرهم وحثهم على العمل وفق التفكير السليم والحقيقة الصادقة فبزغ نجم العرب ومن قبل الإسلام من الأمم والأقوام الأخرى وأصبحوا سادة التقدم والحضارة والمعرفة.
من المعيب أن يعرف فضل القرآن الكريم والإسلام على الحضارة والمعرفة والبشرية جمعاء من ليس مسلماً ويجحد ذلك الفضل من ولد مسلماً! قارن بين قول العالم الغربي ليبري: "احذفوا العرب من التاريخ، يتأخر عصر النهضة في أوربا عدة قرون"، وهل صنع العرب = المسلمون هذا المجد إلا بهداية القرآن الكريم؟ وبين مسلم يستنكر أن تبث آيات القرآن الكريم في مناهج التعليم عند أبناء المسلمين، لتعرف حجم المأساة!!
يستنكر هذا الذي ولد مسلماً ربط القرآن الكريم وآياته بمباحث مواد اللغة العربية والعلوم والتاريخ والجغرافيا وغيرها، بحجة وجود تصادم أو تعارض بين آيات القرآن وهذه العلوم، أو بحجة أن مجال العلم مغاير لمجال القرآن والدين!
وهي افتراءات مللنا من ردها وتفنيدها عبر عقود طويلة، فلم يستطع هؤلاء المفترون من اثبات تعارض واحد بين القرآن والإسلام والعلم، والقرآن والإسلام حث على العلم والمعرفة ولم يتعدى على مجال العلم وإنما احتواه باعتباره تحدث عن بديع صنع الله عز وجل، ولكن معضلة الدين المحرف في أوربا وصراعها مع العلم يحاولون اسقاطها على الإسلام ظلماً وزورا.
ومما يدمى العين ويفجع القلب أنه كلما تجاوزت أمة الإسلام هذه الافتراءات عادوا لبثها ونشرها ذا سنحت الظروف، وخاصة إذا كانت الإمة المسلمة تتعرض لغزو عسكري أجنبي، فإنه المناخ المناسب لنشر هذه الأفكار وترويجها في ظل التلويح والتلميح والاستقواء بالقوى الغازية الظالمة!
إن السبب والغرض الحقيقي من وراء هذه الدعوات المشبوهة لعزل أبنائنا عن نور القرآن الكريم هو الانبطاح للغرب والقبول بالهزيمة النفسية تجاه العلمنة والإلحاد التي ترفض الإقرار بأن هذا العالم والكون مخلوق مربوب لله عز وجل، والتي تجعل من تقبل الاعتراف بأن هذا الكون بأجمعه مخلوق من قبل الله عز وجل جريمة وخطيئة، وذلك لأنهم يؤمنون بنظرية الصدفة والتطور الأعمى في نشأة الكون، وهي النظرية الإلحادية الفاشلة والتي عجز أصحابها الشقر والسمر عن إثباتها، فلجوء للقمع والاستبداد في فرضها على البشرية كما فعل أتاتورك بتركيا، أو عبر معاقبة كل من ينكرها من العلماء والباحثين والتعتيم على أبحاثهم في ابطالها كما يحدث في الغرب، وتسخير الخدع السينمائية وغيرها من الحيل لترويجها بدلاً من البحث العلمي الموضوعي والنزيه.
وبسبب فشل هذه النظرية الإلحادية نظرية التطور ظهرت نظرية التصميم الذكي أو التطور الموجه، والتي تعني أن أصل الكون وهذه المخلوقات ظهرت صدفة ثم تدخلت جهة عليا في توجيهها حتى يحدث هذا التنوع والتكامل.
لكن كلا النظريتين تتصادمان مع القرآن الكريم صداماً مباشراً وفي جوهر الإسلام وصلبه، وهذا التصادم يتمثل في إنكار هذه النظريات اخبار القرآن الكريم عن خلق الله عز وجل للكون وأصل الحياة، قال تعالى: "الله خالق كل شيء" (الزمر: 62).
وبطلان هذه النظريات يعرفه كل العقلاء والباحثين، ومن أبرز وجوه بطلان هذه النظريات الإلحادية عدم حصول التطور في أي مخلوق منذ ألف سنة فلماذا توقف التطور إن كان حتمية علمية؟ ولماذا لم تثبت الأحافير هذه الخرافة بل إن الأحافير المكتشفة تنقض خرافة التطور من خلال وجود الكثير من الحيوانات المكتملة/المتطورة منذ ملايين السنين، في الوقت الذي يفترض فيه بحسب خرافة التطور أن لا تكون موجودة؟ وأيضاً الاكتشافات الحديثة للعديد من الحيوانات التي كان يفترض أنها انقرضت وتحولت، لكنها وجدت حية في عالمنا اليوم؟
وأنصح بمراجعة كتاب (أطلس الخلق) لهارون يحي حيث فند فيه خرافة التطور بشكل علمي وموثق وعبر الصور النادرة للأحافير القديمة جداً من ملايين السنين مع مثيلاتها الحية اليوم من عالم النبات والحيوان.
ولكن لأن البعض يعجز عن التصريح بحقيقة ما يريد نشره بين طلبتنا وأبنائنا من إلحاد ونفي لخلق الله عز وجل للكون، فإنه يلجأ للمطالبة بإبعاد آيات القرآن الكريم من المناهج بحجة أنها تشوش على الطلبة!! وأنها تحير الطلبة بين العلم والدين!!
بالرغم من أن مئات ملايين الطلبة في الأردن وخارج الأردن درست العلوم ودرست معها آيات القرآن ولم يحدث هذا التصادم وهذه الحيرة، بل إن الطلبة الأكثر تديناً هم في طليعة المتفوقين في المراحل الدراسية المدرسية والجامعية، وكثير منهم يواصل مشواره العلمي فيصبح من المخترعين والمكتشفين ولم تحدث عندهم أية إشكالات أو صراعات أو عقد وأزمات!
إلى متي يبقي هؤلاء المأزومين يشوشون الرأي العام بهذه الافتراءات على القرآن الكريم وعلى الإسلام وعلى العلم؟ وإلى متي يبقي هؤلاء المعقدين من تجارب شخصية لم يحسنوا التعامل معها أبواقاً تزعج الغالبية المؤمنة والعاقلة؟
لماذا يتعامى هؤلاء عن حقيقة هداية القرآن الكريم لأهمية العلم والمعرفة وبث منهج التفكير والتأمل والتدبر، والذي لما شاع بين المؤمنين نهضت العلوم وازدهرت المعارف، ولم يلق أصحاب المعرفة الدينية والدنيوية إلا كل ترحاب وتكريم من الدين والمؤمنين والقادة والعامة بخلاف ما حدث في الأمم الأخرى وخاصة أسلاف الغرب المتحضر اليوم بسبب احتكاكه بحضارة الإسلام بعد أن كان في عصور الظلمات!
إن القرآن الكريم في حثه ودعمه لنشر العلم والمعرفة سلك سبيلين، هما:
- سبيل تأصيل منهج التفكير السليم، والذي جعل بداية نور الوحي الإلهي للبشرية الأمر بالقراءة، ولخص د. جمال عبد الناصر مبادئ الإسلام في منهج التفكير بالنقاط التالية:
1- تجريد العقل من المسلَّمات المبنيَّة على الظنِّ والتخمين، أو التبعية والتقليد.
2- إلزام العقل بالتحرِّي والتثبُّت.
3- دعوة العقل إلى التدبُّر والتأمُّل في نواميس الكون.
4- دعوة العقل إلى التأمل في حكْمة ما شرع الله.
5- دعوة العقل إلى النَّظر إلى سُنَّة الله في الناس عبْرَ التاريخ البشري؛ ليتَّعظ الناظر في تاريخ الآباء والأجداد والأسلاف، ويتأمَّل في سنن الله في الأمم والشعوب والدول.
وهذه المبادئ أطلقت العنان للعقل ليفكر ويتأمل في المكان الصحيح وهو عالم الشهادة وهو الكون على اتساعه، فازدهرت عند المسلمين علوم الرياضيات والكيمياء والفلك والهندسة والطب وغيرها من العلوم.
وتجنب المسلمون علوم الشعوذة والدجل التي راجت بين الأمم الأخرى لبعدها عن نور الوحي الإلهي وهو القرآن الكريم، وعلوم الشعوذة والدجل لم يحدث لها رواج بين المسلمين إلا في الأزمان والأماكن التي يضعف فيها نور الوحي والنبوة.
- وسبيل الثاني هو الإشارات القرآنية المتفرقة لبعض الحقائق العلمية في غالب الحقول العلمية المعرفية، والتي تهدف لإرشاد عقول المؤمنين للبحث عن أسرار العلوم، هذه الإشارات العلمية التجريبية روعي فيها عجز البشرية يوم نزلت عن إدراكها، فلذلك تنوعت في القرب والبعد والقلة والكثرة.
وكلما تطورت العلوم التجريبية في عالمنا كلما كشفت عن أسرار وذخائر في القرآن مخبوءة ومساحات تتوسع من توافق العلوم مع القرآن الكريم، بخلاف كثير من الأديان الأخرى، التي كلما تطورت العلوم التجريبية كلما زادت مساحة التناقض فيها مع العلم!!
وختاماً إن جماهير المسلمين لتؤمن بالقرآن الكريم وتؤمن بأنه باب الهداية للدنيا والأخرة، وترفض رفضاً قاطعاً محاولة بعض الموتورين والمأزومين بحجب نور القرآن عن أولادنا، وأن هذا لا يصب إلا في صالح أعدائنا في الخارج بقطع صلتنا بمصدر قوتنا وهو تأييد الله عز وجل، ولا يصب إلا في صالح أعدائنا في الداخل من الغلاة والمتطرفين الذين يزدهرون ويكثرون كلما زادت مساحة جهل أبنائنا بالقرآن الكريم مما يسهل عليهم نشر ظلام التكفير والتفجير.
فلمصلحة من ينادى هؤلاء بعزل القرآن الكريم عن مناهجنا المدرسية ؟ وإلاما يهدفون بجريمتهم هذه ؟