يكاد العالم يجمع على إدانة الإرهاب برغم أنه لا يوجد تعريف محدد للإرهاب متفق عليه أو مجمع عليه، وهذا يفتح الباب لكثير من السلطات الحاكمة لتسل سيف تهمة الإرهاب على معارضيها ومخالفيها، ولعل من أبرز الأمثلة على ذلك محاولة نتنياهو وصم الشعب الفلسطيني بالإرهاب لأنه يدافع عن أرضه وحياته وكرامته ومقدساته، وحاول أن يلصق جريمة تفجيرات باريس بأهل فلسطين!
وكل ذلك من نتنياهو لتغطية إرهابه وإرهاب كيانه تجاه فلسطين وأهلها، فحين يقوم عدد من اليهود الإرهابيين بحرق وقتل عائلة الدوابشة علناً، ثم في التحقيق يستمرون بالصمت فيخلى سبيلهم! بحجة أنهم متمرسون على مقاومة وسائل التحقيق، بينما الأسرى الفلسطينيون يتم تعريضهم لأبشع أنواع التعذيب لاستخراج المعلومات، هذا في عرف نتنياهو ليس إرهاباً.
وحين يقيم هؤلاء اليهود الإرهابيون عرساً يحملون فيه صور عائلة الدوابشة فرحاً بقتلهم وأنه يعجل بقدوم يأجوج ومأجوج، لا يعد إرهاباً في عرف نتنياهو، بينما حين يحث الشيخ رائد صلاح أهل فلسطين على حماية الأقصى يعد إرهابياً ويُحكم عليه بالسجن.
وفي سوريا يتكرر استخدام الأسلحة المحرمة دوليا من الغاز والكيماوي والعنقودي من قبل النظام الإرهابي ومن قبل حليفه الروسي، وتخرج الإدانات الصريحة من المنظمات الدولية والحقوقية، ولكن لا يهتز لتلك الإدانات جفن أصغر جندي سوري أو روسي!
فضلاً عن التعذيب البشع الذي يمارس على عشرات الألوف من الرجال والنساء في سجون طغمة الأسد، والحصار الخانق على مدن بأكملها حتى مات الناس من الجوع، وأكل البقية القطط وورق الأشجار، ورغم كل هذا الإرهاب يطلب بشار وبوتين أن تحدد لهم أسماء مفاوضين معتدلين لبحث الحل السياسي في سوريا!
وذلك بعد أن اغتال النظام والروس قائد جيش الإسلام الشيخ زهران علوش رحمه الله بحجة محاربة الإرهاب والتطرف، وفي نفس اللحظة التي يُقتل فيها علوش تجهز الباصات السياحية للنظام لنقل إرهابيي داعش من مخيم اليرموك للرقة عاصمة داعش! برغم أن علوش أثبت نفاق المجتمع الدولي في محاربة داعش حين تصدى لها على الأرض وطهّر مناطقه في الغوطة من داعش، دون أن يحتاج إلى قصف التحالف الجوي ولا ملايين الدولارات التي تنفق عليها بلا نتيجة، ولا 30 سنة التي بشّرنا بها أوباما للقضاء على داعش.
ولعل من مناقب الشيخ زهران علوش كشف كذب الأمريكان والروس والإيرانيين وأذنابهم في العراق وسوريا في محاربة داعش في حياته وموته، ففي حياته كشف دجل محاربة داعش التي يقومون بها من خلال القضاء عليها في منطقته بينما هي تتمدد في مناطقهم! وفي موته أثبت بدمه أن بوصلة صواريخ روسيا هي خصوم داعش ومن يهددون بقاء داعش في الحقيقة.
أما الإرهاب الإيراني فلا يكتفي بنشر الموت والخراب على أرضها من خلال سجن الآلاف وإعدام المئات دون محاكمات عادلة أو بلا محاكمات أصلاً، فقد امتد للاحتلال الصريح في العراق وسوريا واليمن، فضلاً عن كشف خلايا الإرهاب في الكويت والبحرين، أما في أفريقيا فقد ثبت أنه من بين 14 حالة لتوريد أسلحة إيرانية هناك فقط 4 حالات كانت مع الحكومات الأفريقية و10 حالات هي تسليح لجماعات غير نظامية!
ومن بين هذه الحالات تسليح حركة إبراهيم الزكزاكي بنيجيريا، والتي اعترضت موكب قائد الجيش مؤخراً وحاولت اغتياله، فتم معاقبة الحركة وتقويض مبانيها واعتقال الزكزاكي، فاحتجت إيران ورفضت موقف الجيش والحكومة النيجيرية، في تدخل سافر في الشؤون النيجيرية الداخلية، وشنت عليها حملة إعلامية في منابرها الإعلامية، فهل وصل الحال أن إيران تزرع وترعى الإرهابيين وترفض معاقبتهم على جرائمهم؟
وكررت إيران ذات السلوك بالاعتراض السياسي والإعلامي ومهاجمة السفارة السعودية عقب تنفيذ السعودية لحكم الإعدام بعدد من المدانين بجرائم إرهابية منهم مدان شيعي هو نمر النمر، طالب بتبعية دول الخليج لحكم إيران ومرشدها الولي الفقيه، وطالب بانفصال المنطقة الشرقية عن السعودية، وحرّض على قتل رجال الشرطة، وحمى بعض المطلوبين الأمنيين، فتأتي إيران لتعترض وترفض، فهل هناك إرهاب محصّن من العقاب وإرهاب مجرّم، على خلفيات طائفية أو عرقية؟
إن الإرهاب يجب أن يُدان بغض الطرف عن الجهة التي صدر عنها، يدان لأنه جريمة بذاته ويضرّ الجميع، أما إذا أصبحنا نراعي إرهاباً على حساب إرهاب ما، فإن هذا سيفتح الباب واسعاً في المرحلة القادمة ليصبح الإرهاب إحدى الأدوات المشروعة بين الدول!
ويجب ألاّ نفرق في نبذ الإرهاب ومعاقبته مهما تنوعت صفته، دينية أو سياسية أو عرقية، أو كان إرهاب فرد أو جماعة أو دولة، فكله إرهاب مرفوض ومردود.
هذه قواعد وثوابت لنجاح أي برنامج حقيقي يستهدف نقض الإرهاب والقضاء عليه، لأن تجفيف منابع الإرهاب تقوم على محاربة أسباب الإرهاب في بلادنا اليوم من الجهل بالدين أو التلاعب بمفاهيمه لتبرير الإرهاب، ومن جهة أخرى تغيير مناخ الإرهاب من الفساد السياسي والاستبداد ورعاية نوع من الإرهاب ضد البقية، وتفريغ الأجندات الإقليمية والدولية من توظيف واستغلال الإرهاب، مما يفرغ حالة الاحتقان المساعدة على تقبل فكر التطرف والإرهاب.
إلا أن السياسات المتناقضة الجارية حول معالجة الإرهاب والتعامل معه، تلتزم هذه القواعد والثوابت، بل تكشف هذه السياسات "الحمائية" للإرهاب هنا وهناك عن توظيف الإرهاب في خدمة عدد من الأجندات الإقليمية والدولية، مما يعمل على تهيئة مناخ أفضل لتمدد الإرهاب في بلادنا مما يجتذب كثيرا من الشباب المتحمس غير الواعي، بحجة محاربة الظلم ونصرة الضعفاء، وتكون النتيجة أن هؤلاء بدلاً من محاربة الظلمة يصطدمون بدولهم وإخوانهم وأهلهم، فيأتي الظلمة لتقديم النصائح والمواعظ حول خطر الإرهاب، لتبقى أمتنا في دوامة الإرهاب المهلكة، طالما أن شررها لا يطالهم!
لن نقضي على الإرهاب ونحن نحصن بعضه من العقاب!
2016/01/01
الرابط المختصر
Image