في هذه المرحلة الصعبة من تاريخ البشرية عامة والمسلمين خاصة تشيع مفاهيم مغلوطة بين الناس هي نتاج الجهل بالشريعة الإسلامية لدى قطاع واسع من المسلمين وتحريف مفاهيم شرعية من قبل خبثاء متعمدين للتحريف ويساعدهم في ذلك تجند مؤسسات إعلامية وثقافية وسياسية لترويج هذا الإسلام المنحرف.
ومن أمثلة المفاهيم المغلوطة والتي تلصق بالدين والشريعة والإسلام مفهوم تبرير صحة الأشياء أو قول أو فعل بكونه نافع!
فبعضهم يصحح الأخذ بكلام العرافين والفتاحين بكون قريب له جرب ذلك ونفع معه! وينسى أو يتناسى ويتجاهل قاصدا عشرات ومئات ألوف المرات التي لم ينفع فيها كلام العرافين والمشعوذين.
وبعضهم يبرر مشروعية الربا في عالم الأعمال اليوم بكون كبرى الشركات تتعامل بالربا وهي ناجحة، وينسى ويتناسى ألوف الشركات التي أفلست بسبب الديون الربوية فضلا عن ملايين الأفراد وعشرات الدول.
وبعضهم يعتقد بصحة تأثير حركة الأفلاك والأبراج على حياته ومستقبله لكون أنه مرة استمع لها وربح، ويتعامى عن فشل غالبية توقعات الأفلاك والبروج معه ومع غيره عبر التاريخ.
ومثل ذلك تزايد انتشار تقبل الأفكار الجديدة والمعدلة للطاقة والريكي واليوغا وغيرها عبر الدورات والكتب واللقاءات الاعلامية والتي مزجت بين المفاهيم الوثنية القديمة للحضارات والأديان الشرقية مع أديان قدماء الأمريكيين في خلطة حداثية تصادم صريح القرآن الكريم والسنة النبوية، وقد أجادت د. هيفاء الرشيد بكشف حقيقة هذه الأفكار الممزوجة بالوثنية في أطروحتها للدكتوراة والتي طبعت بعنوان (حركة العصر الجديد مفهومها ونشأتها وتطبيقاتها).
وبعضهم يبرر عدوانه وتطاوله على حقوق الاخرين بكونه يستمتع بذلك وينتفع كما تقدمه السينما الغربية، وهذا هو المبرر الحقيقي لسلوك العدوان الذي يقوم به البلطجية من الاعتداء على أعراض النساء وأموال الضعفاء.
وهذا كله نتاج مفهوم باطل وغير صحيح فليس كل نافع حلال، فبعض النافع من جهة مضر من جهة أخرى كسم الحيات فهو دواء وداء في نفس الوقت، وبعض النافع محرم لكون ضرره أكثر من نفعه كالخمر والميسر "يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما" (البقرة: ٢١٩).
ثم السارق والمغتصب والفاسد والمرتشي هو يفعل ذلك لأنه يحقق منفعة لنفسه! فلو فتح الباب لجعل المنفعة معيارا لصحة الأشياء لكان هذا في الحقيقة فتحا لباب الفوضى والظلم والعدوان.
وهل احتلال اليهود لفلسطين وطرد أهلها وتدمير ممتلكاتهم وجرائمهم اليوم بضم غالبية ما تبقى من أراضي فلسطينية إلا لتحقيق منفعة لهم ولو على حساب الحق والعدل والأخرين!
إن ضبط الأصول هو أساس الشريعة الإسلامية وذلك بجعل معيار الصواب والصحة والعدل هو ما يقرره رب العباد وخالقهم ومالكهم الإله الحق العادل "ألا له الخلق والأمر" (الأعراف: ٥٤).
لأن ربط معيار الصحة والصواب بمنافع شخصية وذاتية هو أمر واضح البطلان، والمنافع والمصالح الشخصية والذاتية فضلا عن تضاربها في أي لحظة زمنية محددة، فهي أيضا عرضة للتبدل والتغير مع الوقت وبذلك تنعدم الضوابط والمعايير.
ولذلك من الأولويات في زماننا ترسيخ مفهوم أن التحليل والتحريم هو حق لله عز وجل فقط وأن المرجعية المطلقة في ذلك هي لشريعة الله عز وجل ودينه وليس المرجع في ذلك البشر بأي شكل كان ثقافات أو حضارات أو قوانين ودساتير "ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب" (النحل: ١١٦).
تصحيح هذا المفهوم وترسيخه في قلوب وعقول المسلمين اليوم كبارا وصغارا من المهمات والأولويات بسبب حملات التحريف والتشويه التي تتم على المسلمين عبر الأفلام والروايات و كرتون وقصص الأطفال بشكل ناعم وخفي فضلا عن التنظير العلماني الصريح والمكشوف بنبذ دور الله عز وجل والدين من الحياة.
ومن ضبط هذا الأصل بان له الطريق الوحيد المستقيم وانكشف له بطلان الطرق الضالة المتعددة والمتنوعة بحسب الأهواء والأمزجة المريضة.