مأساتنا في أركان

الرابط المختصر
Image
مأساتنا في أركان

يضجّ العالم اليوم من تكرار جرائم الجيش البورمي وقطعان الرهبان البوذيين بحق المسلمين في بورما أو أركان، حيث يتم الاعتداء على مناطق المسلمين بالحرق والتخريب والطرد والتهديد، ومَن يبقى منهم يتعرض للقتل والتعذيب إن كان رجلا أو الاغتصاب إن كانت امرأة، ومن يهرب ويرحل فغالبا ما يبتلعه البحر لعدم وجود سفن ملائمة أو خدمات إغاثية مناسبة، ومن ينجو من كل ذلك فمكانه في مخيمات بائسة تجدد له مأساته في كل لحظة، ولا حول ولا قوة إلا بالله لتغيير هذا الظلم الجاثم منذ قرون على هؤلاء المساكين.
فاضطهاد المسلمين في بورما ليس جديداً، بل إن أول عملية اضطهاد للمسلمين فيها بسبب إسلامهم كانت في عهد الملك البوذي «باين توانغ» (1550-1589م) والذي منع المسلمين من استماع القرآن الكريم وأجبرهم على استماع خطب ومواعظ البوذيين، ومنعهم من الذبح الحلال للطعام وذبح الأضاحي، وإظهار شعائر العيد.
وواصل هذا الاضطهاد للمسلمين بعده الملك البوذي «ألونغ بايا» (1752-1760م)، وتجدد في زمن الملك «بودا بايا» (1782-1819م)، حيث أجبر المسلمين على أكل «لحم الخنزير»، وبعد الاحتلال البريطاني لبورما استمر هذا الاضطهاد بتحريض منها ردا على المقاومة الإسلامية الهائلة للاحتلال البريطاني للشعوب والدول الإسلامية في شبه القارة الهندية، فسهّلت قيام البوذيين بمذبحة ضد المسلمين في 1942م، ولما منحت بورما الاستقلال في 1948م سلّم الإنجليز الحكم للبوذيين على شرط منح الأقليات حقوقهم، وبعد 10 سنوات حق تقرير المصير، لكنها كانت في الحقيقة أكاذيب يخدرون بها المسلمين، ولا يزالون يخدروننا بأكاذيبهم!
بسبب هذه المذابح المستمرة والقديمة وسياسات الطرد التي تبناها البوذيون بحق المسلمين هاجر الكثير منهم من ديارهم للمنافي والمهاجر، وتعدّ السعودية من أكثر الدول التي يتواجد فيها الأراكانيون أو الروهوانجيون، حيث استقبلتهم منذ عام 1942م ويبلغ عددهم اليوم فيها 400 ألف شخص.
وسبب هذه الظلم والإجرام بحق المسلمين هو العقائد البوذية الوثنية الباطلة والمنحرفة والأفكار السيئة لدى الجيش والقادة الشيوعيين الديكتاتوريين، فالرهبان البوذيون يعتقدون أن المسلمين وغير البورميين هم سبب حلول الشر! ولذلك بثوا الكراهية ضد الأعراق غير البورمية بين الناس؛ وأما القادة العسكريون فهم يريدون قمع أي مطالبة بتقرير المصير أو الانفصال ولذلك هم يقتلون كل من يطالب بذلك من القوميات والأعراق الأخرى غير البورمية.
ويبدو أن هناك توافقا بين مختلف الشرائح البورمية على قتل المسلمين وطردهم واتباع سياسة الأرض المحروقة معهم، وأن هذا ليس خاصاً بالقيادة العسكرية الشيوعية، فكلما قام الجيش بمجزرة بحق المسلمين هبّت مليشيات الرهبان البوذيين للقيام بمناصرة الجيش وتنفيذ أبشع الجرائم الوحشية بحق الأبرياء، ولما عُيّنت المعارِضة أونغ سان سو كي، والحائزة على جائزة نوبل للسلام رئيسةً للوزراء توقع العالم أن تغيّر وتنهي سياسة الجيش الوحشية والظالمة تجاه المسلمين، لكن الاضطهاد بقي متواصلاً بل زادت حدّته وأخذت أونغ سان تبرره، وكأن الذي حدث هو فقط تجميل لديكتاتورية الجيش بحاملة وسام نوبل للسلام، مما يطرح مدى دقة وقيمة جائزة نوبل في الحقيقة؟
في السنوات الأخيرة حدثت تطورات إيجابية تمثلت بتكوّن مجموعات أراكانية في الخارج تتبنى قضيتها التي تعترف الأمم المتحدة بأنها أكبر جماعة من عديمي الجنسية في العالم والأقلية الدينية الأكثر تعرضا للاضطهاد في العالم، قامت هذه المجموعات بتأسيس منابر إعلامية كوكالة أنباء أراكان، وغيرها من المؤسسات التي نقلت صوت الضحايا للعالم، مما أجبر العالم وأجبر مجرمي بورما على الالتفاف ولو قليلا لمأساتهم، فعقدت بعض الاجتماعات الدولية وصدرت توصيات وقرارات أممية بحقهم، وبالمقابل لم يكترث لها مجرمو بورما وإنما ركزوا على محاولة التشويش وإيقاف نشاط هذه المجموعات الإعلامية، وهنا يجب تقوية هذا المسار الإعلامي والوصول به للاحتراف والمهنية العالية ونشره، فهو من أهم الأسلحة للمستضعفين، ويلزم رفده بمؤسسات قانونية وحقوقية لتلاحق هؤلاء المجرمين.
وحتى ينجح ذلك لا بد من مواصلة دعم الدول الإسلامية للقضية فجهود السعودية وتركيا وبقية الدول يجب أن تتكاتف وتتّحد لتنصف الضعفاء والأبرياء، وما استهتار مجرمي بورما بالقرارات الدولية إلا لتفرق كلمة الدول الإسلامية وعدم متابعة القضية.
وإن تقاطر بيانات التأييد لمسلمي أراكان من الشعوب الإسلامية والمنظمات والمؤسسات الكبرى كالأزهر ورابطة العالم الإسلامي والدول المسلمة لهو مما يؤكد وحدة المسلمين وأخوّتهم وأن كل المؤامرات والمخططات لِتفتيت الهوية الإسلامية والرابطة الشعورية بين شعوب المسلمين قد فشلت وأخفقت، وأن هذا هو من مراكز قوة المسلمين التي يَحسب الأعداء لها ألف حساب.
وملاحظة أخيرة: إن نصرة المظلوم واجب شرعي ويتعاظم حين يكون مسلماً، ولكن لتكن نصرةً بوعي وفهم، فنشر صور مجازر البوذيين دون تدقيق، وكثيرٌ منها لا يخص مأساة أراكان يحول هذه النصرة إلى قضية خاسرة!