بدأ العد التنازلي لقدوم شهر رمضان، فلم يعد بيننا وبينه إلا بضعة أسابيع، وشهر رمضان شهر الحسنات وموسم الطاعات وسوق الجوائز الربانية، قال تعالى: "شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبيّنات من الهدى والفرقان" (البقرة: 185).
وقد كان سلف الأمة من الصحابة والتابعين والأئمة المتبعين يتجهزون لقدوم شهر رمضان قبل ستة أشهر حتى يكسبوا كل لحظة فيه ويحصلوا على جوائزه من مغفرة الله ورحمته ورضوانه.
لخص أحد الصالحين مفهوم الاستعداد المسبق لقدوم شهر القرآن شهر رمضان بقوله: "رجب كالريح وشعبان كالغيم ورمضان كالمطر، فمن لم يزرع في رجب ولم يسقِ في شعبان فكيف يريد أن يحصد في رمضان؟!".
وهذا كلام في غاية الدقة، فكثير من الناس يشتكي أن رمضان جاء ورحل ولم يشعروا به! أو لم يستغلوه بما ينبغي، أو أنهم لم يكونوا واعين لأهميته.
والاستعداد لرمضان للأسف أصبح محط اهتمام التجار ووسائل الإعلام دون سائر الناس، فالتجار انتهوا من تحديد وتجهيز منتجات رمضان وهي الآن في طور الشحن لتصل الأسواق مع مقدم رمضان، وللأسف كثير من هذه البضائع لا تخرج عن حاجة المعدة، بينما في شهر الصبر والصوم المطلوب هو ترك شهوة الطعام ومشاركة الفقراء مشاعرهم والإحساس بحالهم!!
وقسم ثانٍ من هذه البضائع يتعلق بكماليات من الزينة والإضاءة في تقليد للأمم الأخرى بعيداً عن حقيقة شهر القرآن الذي يقصد من خلاله الاعتكاف والتدبر لآيات الرحمن لتكون نبراساً لبقية العام، بدلاً من الاختلاط والصخب في المقاهي والمولات والأسواق تحت الفوانيس والأهلّة مع دخان الأراجيل!!
وقسم ثالث من هذه البضائع لفرحة العيد من الملابس والإكسسوارات التي لا تلتزم الحشمة والوقار كما ترشد أحكام الإسلام، فبينما العيد في الإسلام هو فرحة كبرى بإنهاء عبادة وطاعة عظيمة كالصوم والحج، تم تحويل العيد لمناسبة للمعصية والآثام بالتحرر في اللباس والحجاب والتبرج والاختلاط وغيرها من السلوكيات المناقضة للصوم وصلاة القيام والاعتكاف وتدبر القرآن!!
أما استعدادات أهل الإعلام، فهي مع الأسف تشبه عقد مقاولة مع الشيطان، حيث يتكفلون عنه بترويج المنكرات وتزيين الفواحش والمنكرات، من خلال عمل دؤوب لإنتاج مسلسلات وسهرات شيطانية يسمونها رمضانية!
وينتجون دعايات خاصة لشهر رمضان تتنافس على إبطال صوم المشاهدين بكرم مساحة العري فيها، وتقلب حياة الصائمين بالسهر الطويل على الحرام ثم النوم العميق عن العمل والطاعة، فتطمس كل مقاصد عبادة الصيام من الصبر والمجاهدة وترك الشهوات الحلال والحرام، والتضامن مع الضعفاء والمساكين، والتفرغ لعمارة القلب بالإيمان والقرآن!!
فوكلاء الشيطان الذي يُصفد في رمضان يبشروننا أنهم أعدوا لنا 9 مسلسلات من الشام برغم البراميل المتفجرة على رؤوس السوريين الأبرياء، وأهل الفن واصلوا نضالهم فأعدوا لنا "جريمة شغف"، و"عطر الشام"، و"لست جارية"، و"أهل الغرام 3"، حتى ننعم بالقرب من الله عز وجل وتتنزل علينا رحمته ونتكاتف مع أهلنا السوريين اللاجئين والمشردين في بقاع الأرض والمخيمات!!
أما مِن أرض الكنانة فقد كانوا أكثر نضالاً ومقاومة! فقد أعدوا لحد اللحظة 28 مسلسلا منها: "أزمة نسب"، و"راس الغول"، و"أبو البنات"، و"شقة فيصل"، و"بنات فيصل"، و"الكيف"، وذلك لرفع مستوى الأخلاق الكريمة ومحاربة المخدرات والإدمان بين الشباب وتقريبه من خالقه ورازقه!!
ومن الخليج لم يتخلف هؤلاء الثوار فقد جهزوا لرمضان 14 مسلسلا من ضمنها "سداسيات حكايات الحب"، و"المحتالة "، و"بين قلبين"، و"الخطايا الكبرى"، وذلك كله من أجل تقوية الصف الداخلي ورصّ الصفوف في مواجهة التحديات التي تعصف بالخليج من الإرهاب والطائفية، فكان لابد من استثمار رمضان المبارك بإشغال الناس عن قيام الليل والتضرع والدعاء لله عز وجل أن يحفظهم ويحفظ بلادهم وسائر بلاد المسلمين!
هذا ما أعده التجار والإعلاميون لنا في شهر رمضان، فماذا أعددت أنت لرمضان؟ هل ستكون مستسلما لما يخططونه لك في رمضان؟ أم سيكون لك خطة ذاتية وقرار مستقل؟ هل ترغب فعلاً في أن تزرع في رجب وتسقي في شعبان لتحصد في رمضان؟
هل ترغب فعلاً أن تستشعر طمأنينة الإيمان، وحلاوة الجوع والعطش، ولذة مناجاة الله عز وجل بتلاوة القرآن، وخشوع القلب في قيام الليل، وانشراح الصدر بمساعدة الفقراء والضعفاء، هل ترغب بمغادرة القلق والتوتر، ونسيان الفراغ والوحدة؟
إذن عليك أن تخطط لرمضان بذكاء، وهذه بعض النصائح لذلك:
1- راجع حالك في رمضان الماضي، هل كنت راضياً عن نفسك فيه؟
2- حدد نقاط الرضى ونقاط النقص في رمضانك الماضي، وكيف يمكن تلافيها.
3- استعد لرمضان بمراجعة لأحكام رمضان سواء بالقراءة أو عبر دروس فقه رمضان المباشرة أو المسجلة في الإنترنت، ونصيحة للأئمة والوعاظ تدريس فقه رمضان يجب أن يكون قبل رمضان، حتى يكون الناس على وعي بأحكامه من أول لحظة.
4- ابحث في الإنترنت عن برامج مقترحة لشهر رمضان، واختر منها ما يناسبك أو ركّب منها خلطتك الخاصة.
5- عوّد نفسك من الآن على تقليل وقت مشاهدة التلفاز ووقت متابعة شبكات التواصل الاجتماعي.
6- درّب نفسك من جديد الآن على أن يكون لك وِرد من القرآن الكريم ليسهل عليك في رمضان أن تنجز هدفك بختمة القرآن عدة مرات.
7- لماذا لا تنوي أن تختم هذه السنة في رمضان تفسيرا للقرآن الكريم، حتى تتعمق صلتك بالقرآن الكريم ولا تبقَ فقط قراءة باللسان دون فهم لمعاني القرآن الكريم، فقراءة عشرين صفحة من التفسير بهامش المصحف يوميا، كفيلة بختم تفسير للقرآن الكريم في رمضان، من التفاسير المختصرة مثل: زبدة التفسير للأشقر، مختصر التفسير لنخبة من العلماء، التفسير الميسر لنخبة من العلماء.
8- اكتب خطتك وأعلنها بين أهلك وأصدقائك واطلب منهم عمل خطة مثلك واطلب منهم مساندتك في خطتك، وتنافس معهم في تحقيق الخطط.
9- احتياجات رمضان وملابس العيد لماذا لا تجهز مبكرا قبل رمضان، فتتجنب زحمة الأسواق وغلاء الأسعار، ولا تضيع عليك فضائل العشر الأواخر من رمضان.
10- رمضان ليس بوفيها مفتوحا، خفف من طلباتك في الطعام وساعد زوجتك ووالدتك وأختك على استثمار رمضان في الطاعة والعبادة.
إذا لم تخطط لرمضانك أن يكون في طاعة الرحمن وتكسب كل لحظة فيه، فإن هناك مِن شياطين الجن والإنس من سيخطط عنك لتخرج من رمضان خاسراً!!
ماذا أعددت لرمضان؟
2016/04/01
الرابط المختصر
Image