مثال معاصر لتحريف التوحيد وظهور الوثنية

الرابط المختصر
Image
مثال معاصر لتحريف التوحيد وظهور الوثنية

كنا قد بينا في المقالين السابقين للرؤية القرآنية تجاه بداية البشرية، وأن البشرية منذ خلقها الله عز وجل وهي تدين بالإسلام وكرمت بالعلم والمعرفة والوحي، وأن الشرك والوثنية والجهل والإنحطاط هي أحوال طارئة على البشرية بعد التوحيد والإسلام والعلم والمعرفة وسكن الجنة. وهذا المقال سيعرض لنموذج حي ومعاصر لكيفية تحول الموحدين والمتعلمين لمشركين أو وثنيين وجهلة بعد العلم والمعرفة، وهذا المثال سيكون من جزيرة مدغشقر التي تعتبر رابع أكبر جزيرة في العالم، تقع مدغشقر في المحيط الهندي في جنوب شرقي قارة أفريقيا مقابل سواحل موزانبيق، التي وصلها الإسلام في القرن الثاني الهجري عندما وصل إلى أفريقيا ودخلها عن طريق جزر القمر، تقول عنها موسوعة ويكبيديا " حاولت البرتغال احتلالها سنة 913 هـ ولكن المسلمون قاوموا وحالوا دون دخولهم الجزيرة، ولكنهم عادوا الكرة مرة أخرى في السنة التالية 914 هـ، ودمروا معظم مدن الجزيرة و سيطروا عليها و تعاقب عليها الاحتلال فحاولت بريطانيا احتلالها في مستهل القرن الماضي و ضمها إلى جزر موريشوس و لكن تغلبت فرنسا في السباق واحتلت مدغشقر في سنة 1285 هـ -1868 م و ظل الاحتلال الفرنسي بها حتي نالت استقلالها في 1385 هـ- 1965 م". وصلت إلى مدغشقر قبائل عربية مسلمة جاءت من الحجاز وبالتحديد من مدينة مكة وجدة قبل 800 سنة تدعى اليوم قبائل الأنتيمور، وغالبهم اليوم للأسف وثنيون واقعون في الشرك بسبب الجهل والضياع وسياسات الإستعمار وبعثات التبشير التي عملت على طمس الهوية الإسلامية، كحال كثير من القبائل العربية والمسلمة الضائعة في أفريقيا، مثل قبيلة الغبرا في شمال كينيا، وقبيلة البورانا في جنوب إثيوبيا ،وبعض قبائل السكلافا في غرب مدغشقر، والفارمبا في جنوب زيمبابوي، وعودة هؤلاء العرب والمسلمين للوثنية مأساة يدمى لها قلب كل مؤمن. ينقل لنا د. عبد الرحمن السميط - الداعية الإسلامي المتخصص بقضايا مسلمى أفريقيا – مشاهداته للأحوال الدينية اليوم لقبائل قبائل الأنتيمور والسكلافا على النحو التالي:   قبائل السكلافا يصلون الجمعة في المسجد، والأحد في الكنيسة، والإثنين يعبدون الأشجار!! ومن معتقدات قبائل الأنتيمور أن جدهم الأكبر جاء من بلدة في الشمال أسمها "جدة"، وأن بقربها قرية اسمها "مكة"، فيها رجل صالح يحبه أجدادهم اسمه "محمد" صلى الله عليه وسلم، ومن أجدادهم "رابكاري" أي صاحب الفخامة أبوبكر، و"راماري" أي صاحب الفخامة عمر، و"را اوسماني" أي صاحب الفخامة عثمان، وأن جدهم جدهم الأكبر يسمونه "زاعليو مكرار" أي: صاحب الفخامة علي الكرار، وأمهم "رامينا" أي صاحبة الفخامة أمينة. أما كتابهم المقدس فيسمونه "السورابي" أي الكتاب الكبير، ويكتبونه بالحرف العربي القرآني، وفيه شيء من القرآن ولكن أخطائه كثيرة كما فيه من تاريخهم وأذكار متنوعة وشيء من الشعوذة والسحر، ويقع الكتاب في أكثر من عشرين جزءاً، ويكتبونه على ورق يصنعونه بأيديهم من أوراق أشجار معينة يطبخونها حتى تصبح عجينة ثم يفرشونها ويتركونها تنشف. كما أنهم يحرمون أكل لحم الخنزير وتربيته، ولايأكلون إلاماذبحوه بالطريقة الشرعية، وقد أقاموا في قرية بقرب مدينة ( ماجونغا )التي تعد  أكبر مدن المسلمين في مدغشقر " كعبة " يحجون إليها مرة كل سنة، ويشترطون لمن يريد الحج أن يلبس ملابس غير مخيطة، و يحرصون في حجهم على الإكثار من الدعاء وذبح ذبيحتهم،.وعندهم قرية أسمها "مكة" يعرفون أنها موطن أجدادهم وأنها في الشمال فقط وعندهم قرى تسمى "حجاز" و"مصرى"!! وكثير من أفراد هذه القبائل المسلمة سابقا لا يعرف ما هو القرآن أو الفاتحة أو عدد الصلوات، وحين سألهم د. السميط عن دينهم قالوا: " أنهم مسلمون بروستانت"!! ولما استفسر عن هذا الجواب العجيب، قالوا:" أن أجدادهم أخبروهم أنهم مسلمون لكنهم لا يعرفون الصلاة ولا الصوم وأن المبشرين البروستانت المسيحيين جاءوا وأخبروهم أن الإسلام  والبروستانتية شيئ واحد وأنهم علموهم الصلاة وبنوا لهم كنيسة وأعطوهم الإنجيل"!! ولا تزال عندهم كلمات عربية محرفة مثل أسماء أيام الأسبوع فهي عندهم، كالتالى: سابوتسي يعني السبت، أهادى يعني الأحد، اسنين يعني الاثنين، تلاتا يعني الثلاثاء، أربعا يعني الأربعاء، كميس يعني الخميس، زومعه يعني الجمعه. ويُقدّر مختصون عدد أفراد القبائل التي تحولت من الإسلام إلى الوثنية أواللادينية بما يتراوح بين أربعين إلى خمسين مليون نسمة، ولكن بحمد الله توجد اليوم جهود مشكورة في تعريف هؤلاء الناس بحقيقة أصولهم العربية وهويتهم الإسلامية وتلقى قبول ونجاح. وللدكتور السميط عدة برامج تلفزيونية عن مسلمي أفريقيا بالعموم وقبائل الأنتيمور بالخصوص منها حلقة بعنوان " قبائل الأنتيمور وعرب مدغشقر " ضمن برنامج تحت المجهر فيها الكثير من العجائب والغرائب. وهكذا تقدم لنا هذه القصة المحزنة مثال ونموذج عملي يبرهن على أن ظهور الوثنيات القديمة هو متأخر عن ظهور التوحيد، وأن وجود شيء من مظاهر التوحيد هو بسبب سبقه، لا أن الإنسان تدرج في الوثنية حتى اخترع التوحيد، ومن ثم جاءت مرحلة الديانات والرسالات السماوية، كما تزعم الرؤية العلمانية!! الباطل لا يظهر إلا بعد معرفة الحق، لأن الحق ينمو بالعلم والمعرفة، والباطل يزدهر في أوساط الجهل، فحين ضعفت القوة الإسلامية لضعف العلم وانتشار المعاصى، زالت بالاستعمار، عندها استفحل الجهل حتى عم الشرك وطم. وهذا ما حدث مع أبينا آدم عليه السلام فبسبب المعصية، أخرج من الجنة وأهبط إلى الأرض، وكذلك الأمم السابقة، حين ضعفت الإستقامة والهداية بين الناس ساد الشرك والبدعة والخرافة، حتى ظهرت الوثنية وعبدت الأصنام والأحجار،بل انحط العقل البشري فعبد الحيوانات القذرة كالفأر، بل عبد الشيطان، وشاعت الفواحش والمظالم بدل العدل والمكارم، وعند ذلك جائهم العقاب الإلهي.   ولعل هذا الانحطاط في التفكير والسلوك والعبادة هو أحد معانى قوله تعالى: " لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم * ثم رددناه أسفل سافلين" ( التين 4-5).