تتابعت الأخبار مؤخراً عن سياسات وقوانين وجرائم ضد شعائر الإسلام وأتباعه، فهاهم اليهود على وشك صكّ قانون يمنع رفع الأذان في القدس ومناطق المسلمين في أرض فلسطين المحتلة عام 1948م، وذلك بعدما تطاولوا على المسجد الأقصى بالحفريات، وانتهاك أرضه بجولات السياحة للمستوطنين وإحراقه من قبل، ومنع المصلين من الوصول للمسجد إليه إلا بمشقة وانتظار طويل وحواجز متعددة أو عبر حرمان الشباب من الصلاة فيه، وقبل عامين منعوا الاعتكاف فيه، ويمنعون الآن مصاطب العلم والقرآن في ساحته واعتقلوا الكثير من المرابطين فيه.
ولم يتوقف للحظة سعي اليهود لاحتلال المسجد الأقصى والسيطرة عليه بالكامل، فلم يكتفوا بسلخ حائط البراق عنه وتحويله لحائط المبكى مع هدم حارة المغاربة عن بكرة أبيها وتحويلها لساحات لليهود ومن ثم استولوا على عدة غرف في سور المسجد الأقصى تقع تحت المدرسة التكنزية وحولوها لكنيس يهودي، أو عبر كذبة التقسيم الزماني أو المكاني على غرار جريمتهم بالعدوان على المسجد الإبراهيمي في الخليل بتنفيذ مذبحة فيه سنة 1994م في صلاة الفجر في شهر رمضان المبارك، ومن ثم الاستيلاء على غالبه حيث سلب القضاء اليهودي 60% من مساحة المسجد الإبراهيمي لصالح اليهود، وأمر لهم باستخدام كامل مساحة المسجد في فترة أعيادهم التي تستمر لعشرة أيام!
ومن أوربا تُصدر محكمة العدل الأوربية حكما قضائيا بمنع الموظفات المسلمات من ارتداء الحجاب في مناقضة لأحكام سابقة، وفي مصادمة مع مبدأ الحريات التي يدّعون تقديسها، والتي تسمح بالإساءة لمقدسات المسلمين برسوم كاريكاتيرية! وصدر هذا الحكم القضائي عقب أيام قليلة من يوم المرأة العالمي الذي اخترعوه ولكنهم تعاملوا معه ككفار قريش حين صنعوا إلها من تمر العجوة، ولما جاعوا أكلوه!
وهذا الحكم يأتي في مناخ معادٍ وعنصري ضد الإسلام والمسلمين، فقد شهدت القارة الأوربية العجوز في عام 2015 الكثير من الجرائم بحق المساجد والمراكز الإسلامية والمسلمين والمسلمات بلغ مجموعها 6811 حادثة إجرامية، وتواصلت هذه الجرائم في عامي 2016 و 2017، ولعل آخرها كان قيام شخص أمريكي من ولاية فلوريدا الأمريكية قبل أيام بإحراق متجر لظنه أن مالكَه مسلم، وذلك بفضل تداعيات خطابات وسياسات وقرارات الرئيس الأمريكي الجديد.
ولم تسلم المساجد والمصاحف والمصلين في العراق وسوريا واليمن والسعودية من التفجيرات والإهانة من قبل الميلشيات الشيعية الطائفية أو عصابات داعش الإرهابية، ومن يطالع الكتاب المتميز الذي أصدره مركز الرشيد للدراسات "مساجد في وجه النار" فسيجد توثيقا لجرائم المليشيات الشيعية بحق 168 مسجداً للسنة في العراق عقب تفجير مقام سامراء، الذي نفذته الحكومة العراقية لحسابات سياسية طائفية، وبالطبع تضاعف هذا الرقم اليوم بعد أكثر من 10 سنوات على التفجير.
وفرض على المسلمين المهددين والمستضعفين واللاجئين أن يبدلوا دينهم، فكثير من المسلمين السنة في بغداد اضطروا لتغيير أسمائهم السنية كعمر وعثمان وعائشة لأسماء أخرى حتى لا يُضطهدوا أو يُقتلوا بدوافع طائفية من العصابات والميلشيات الشيعية، أما اللاجئون السوريون فقد تم ابتزازهم من بعض المؤسسات الإغاثية في دول الجوار وفي المهجر الأوربي والغربي بالتحول للمسيحية حتى يحصلوا على حق الهجرة والإقامة والمساعدة، كما تم توقيع الكثير منهم على وثائق رسمية بلغات أجنبية لا يتقنونها تجبرهم على الخضوع لقرارات تنزع منهم مسؤوليتهم على أسرهم وأولادهم !
وتشهد دول عربية أخرى هجمة ضارية من التيارات العلمانية اليسارية والليبرالية منها ضد الإسلام بحجة مقاومة التطرف، فهناك أصوات تطالب بمراجعة الكنيسة لمناهج الأزهر! وأخرى تطالب بحذف تعليم الإسلام في المدارس، وتعليم العلمانية بدلا منه، وأصوات تطالب بتطوير المناهج كستار لتحجيم وإلغاء الدين، كما أن هناك هجمة على كليات الشريعة في عدد من الدول بمبرر مكافحة الإرهاب، رغم أنه قد ثبت بالعديد من الدراسات أن كليات الشريعة من عوامل مكافحة الإرهاب، لكن الحاصل هو "مكافحة مكافحة الإرهاب" والتي هي حقيقة الأجندة العلمانية المتطرفة التي تمنع في كثير من المواقع محاربة التطرف.
وهناك حزمة من القرارات والسياسات السلبية العربية تجاه المساجد والأذان وخطبة الجمعة والتي ستتخذ ذريعة للمتطرفين لإقناع المزيد من الشباب بكفر الأنظمة العربية والإسلامية وأنها تحارب الإسلام وشعائر الدين عبر هذه السياسات العلمانية المتطرفة، كما سبق لليهود أن استندوا على بعض القرارات العربية بمنع الأذان لتبرير محاولتهم منعه في القدس ومناطق فلسطين المحتلة في 1948م، وهذا حال يندى له جبين الشرفاء والأحرار.
وفي الصين وبورما يواجه المسلمون هناك القتل والسجن لأنهم مسلمون، فيمنعون من الصلاة والصيام والحجاب، وتتكرر المجازر البشعة بحقهم من قبل الدولة والجيش، وكأن دم المسلم مباح لكل طاغية ظالم.
إن هذه الأحوال الإجرامية والأفعال الإرهابية اليوم تكرار لجريمة محاكم التفتيش التي قادتها الكنيسة الكاثوليكية ضد المسلمين بالدرجة الأولى وضد اليهود والبروتستانت في إسبانيا والبرتغال عقب انهيار دولة الأندلس الإسلامية.
فبرغم أن غرناطة سلّمت باتفاقية من 67 مادة ضمنت للمسلمين حقوقهم وأمّنتهم على أنفسهم وأموالهم وأملاكهم ودينهم وإقامة شعائرهم، إلاّ أن ذلك لم يعدُ كونه حبرا على ورق، فسرعان ما قام أسقف غرناطة بالاستيلاء على المسجد الكبير وتحويله إلى كنيسة، ولما اعترض أهل غرناطة وقاوموا ذلك، تم قمعهم بوحشية، وقتل 200 مسلم.
ويلخّص المؤرخون لمحاكم التفتيش ضد مسلمي الأندلس أنها مرّت بعدة مراحل هي: محاولة تنصير أهل الأندلس بالإقناع والحوار، ولما فشلوا في حواراتهم مع علماء المسلمين انتقلوا للمرحلة التالية، وهي إكراههم على التنصر، فتم منع الأذان ومصادرة المساجد والأراضي والممتلكات، وجمع المصاحف والكتب الإسلامية وحرقها، فشهدت سنة 904هـ / 1499م في رحبة ميدان باب الرملة بغرناطة حرق مليون كتاب وذلك بعد 7 سنوات على سقوط غرناطة، مما جعل كثيرا من الناس يخفون الكتب الإسلامية في الحيطان، وقد تكرر في السنوات القريبة الماضية ظهور مكتبات عربية وإسلامية في عمليات ترميم وهدم لمنازل قديمة في إسبانيا.
وأدّت هذه الاعتداءات إلى قيام عدة ثورات إسلامية أندلسية تمّ قمعها وإصدار المزيد من القرارات الظالمة، فتم منع الوضوء والاغتسال وقراءة القرآن والحديث بالعربية وذبح المواشي وختان الأولاد ولبس الزي الإسلامي، وإجبار المسلمين على شرب الخمر وأكل لحم الخنزير.
ورفض الكثير من المسلمين هذه القرارات وثاروا عليها، فصدرت الأوامر بتنصير جميع المسلمين قهرا وتعميدهم جميعاً غصباً، وأصبحت محاكم التفتيش تلاحق جميع المسلمين، حتى من أعلن تنصّره رغبة أو رهبة، وأخذت هذه المحاكم الكنسية تتفنّن في الوحشية والإجرام وأساليب التحقيق والتعذيب والعقاب للأبرياء، وبينما تميز المسلمون في الأندلس في علوم البناء والصناعة فنشروا العلوم والفنون برعت محاكم التفتيش الكنسية في صناعة أدوات التعذيب والإجرام، ولا تزال صور آلات التعذيب التي استخدمتها موجودة في المراجع العلمية بما يكشف عن مدى إجرامهم وإرهابهم الذي لم يجد منافسا له ليومنا هذا.
ورغم كل هذه الجرائم والمحاكم التي سحقت المسلمين وقتلت منهم أكثر من نصف مليون شخص حسب بعض المؤرخين الغربيين إلا أن الكثير من المسلمين بقي على إسلامه، ولذلك كانت الخطوة الأخيرة إجبارهم على الرحيل خارج الأندلس، لكن بشرط أن يتخلوا عن كل أموالهم وسلاحهم بل حتى حُرموا من الهجرة على الدواب وأجبروهم على الهجرة مشيا، فخرج مئات الآلاف للموانئ للهجرة لبلاد الإسلام، وقد تعرض الكثير من المهاجرين للقتل والعدوان في الطريق، وهناك الكثير من الكتب التي دوّنت تفاصيل إرهاب وإجرام محاكم التفتيش منها كتاب "الأندلس من السقوط إلى محاكم التفتيش" لأحمد محمد عطيات، و"ثلاثية غرناطة" لرضوى عاشور لمن يحب قراءة الروايات، إذ أبدعت رضوى في التعريف بهذه الحقبة الدامية من تاريخ الإسلام بلغة روائية جذابة.
ولم تتوقف محاكم التفتيش ضد المسلمين وغيرهم طيلة ثلاثة قرون على يد القائد نابليون بعد سنة 1814م، ويبدو أننا اليوم نشهد عودةً لمحاكم التفتيش لكن بصورة عصرية!
ورغم كل هذه الإجراءات بقي في الأندلس مسلمون يخفون إسلامهم تحت طبقات من التظاهر بالمسيحية! ولا تزال العديد من المناطق الريفية تعرف الكثير من العادات الإسلامية منها ذبح الخراف يوم عيد الأضحى، وارتداء اللباس المحافظ، وقد ذكر د. علي المنتصر الكتاني صاحب كتاب "انبعاث الإسلام بالأندلس" عددا من القصص والوقائع التي وقف عليها أو سمع بها من بقايا مسلمي الأندلس في عصرنا الحاضر.
وما حدث في الأندلس، حدث أيضاً لمسلمي الجمهوريات السوفييتية عقب الثورة الشيوعية الماركسية مطلع القرن العشرين، حيث تعرض المسلمون لحملات إبادة قتلت منهم مئات الملايين، وقد وثّق ذلك الأستاذ محمود القاسم في كتابه "قتلوا من السلمين مئات الملايين"، وتم قمع الإسلام والمسلمين ومنعت شعائره حيث قُتل آلاف المؤذنين والأئمة وهُدم عشرة آلاف مسجد من أصل اثني عشر ألف مسجد، ولكن بعد 90 عاما من القمع الشيوعي وعقب انحلال الاتحاد السوفييتي ظهرت الحقيقة وأن المسلمين حافظوا على تديّنهم وأسسوا مدارس شرعية تحت الأرض عاشوا فيها سنوات طويلة لحماية هويّتهم ودينهم.
وهذا ما حدث في الجزائر وتونس وليبيا وغيرها، فبرغم الاحتلال الفرنسي والإيطالى الوحشي لها وقيامه بالكثير من المجازر والإبادات ومحاولته قلع الإسلام من قلوب أهله عبر محاربة اللغة العربية والقرآن الكريم والمساجد ومطاردة العلماء والدعاة وقتلهم، إلا أن الإسلام خرج منتصراً على الاحتلال الذي دام أكثر من مئة عام.
في الختام؛ إن الإسلام لن تضره هذه الاعتداءات ولن تطفئ نوره، بل إنها تشكل محفزات للمسلمين ليستيقظوا من سباتهم، ويزداد تمسكهم بدينهم وليهبوا لنصرته، ولكن وكعرض جانبي فإن بعض الشباب المندفع عن جهل قد يسلك مسلكا غير حميد في نصرة دينه باتباع مسار العنف والإرهاب على طريقة "لا يفلّ الحديد إلا الحديد"، خاصة أن الأعداء الذين يكيدون للإسلام والمسلمين وتضيق ديمقراطيتهم بحجاب المسلمات وصوت الأذان، هم أنفسهم من يحتضنون منظّري الإرهاب والتكفير إما عبر منحهم حق اللجوء السياسي أو عبر السماح لمنصّاتهم الإلكترونية بالعمل والبثّ لكل العالم عبر سيرفراتهم وأقمارهم الصناعية.
لذلك فإن هذه السياسات الجائرة والقوانين الظالمة سوف تفرز مزيداً من نصرة الإسلام مع تقديم المسلمين ثمناً غالياً من دم وأرواح أبنائهم على المديين المتوسط والطويل، وستفرز موجة عنف وإرهاب جديدة على المدى القصير، كردة فعل على الظلم وانفجار بسبب الضغط لو كانوا يعقلون!
محاكم التفتيش العصرية ستفشل أيضاً!
2017/03/01
الرابط المختصر
Image